قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الخامس والعشرون
قال عملي:
ــ ان هذا الذي تراه هو مقدمة لجنان البرزخ وما ينتظرك اكبر واكبر.
ــ وماذا عن جنان الخلد بعد يوم القيامة؟
ــ أما نعيم جنان الخلد فلا أستطيع وصفه لك الآن لأنك لن تستطيع أن تتخيل أو تتصور ما أقوله لك، ولكن اعلم أن كل ما تراه من جنة ونعيم وثمار واشجار وحور وانهار ولذة في عالم البرزخ، إنما هي صورة وانعكاس لحقيقة النعيم والجنان والحور والأنهار واللذات في عالم الأبد بعد الحشر والحساب.
ــ وهل تعني أننا نعيش الآن في عالم الظل والخيال؟
ــ كلا، ولكن أقصد أن درجة الإحساس بالذات عالم البرزخ لو قارنتها مع عالم الأبد، لكان الفرق بينهما كالفرق بين لذتك عندما تنظر إلى صورة معلقة على جدار وتحوي منظرا جميلا فيه جبال وشلالات وورود جذابة، وبين لذتك عندما تذهب إلى مكان ذلك المنظر، وتعيش فيه بروحك وبدنك(1).
اقبل علينا ملك في غاية الجمال فسلم علينا وقال:
ــ لقد أتيت لكما بالإذن لدخول وادي السلام، تعالوا معي.
ــ سألته مستغربا:
ــ و أين هو وادي السلام؟
ــ انتم الآن على مشارفه، تقدموا قليلا.
تقدمنا خطوة بعد خطوة وقدما بعد قدم، فإذا بباب عظيمة شفافة وقد اصطفت الملائكة عن يمينها ويسارها وهم ينتظرون قدومنا.
تقدمنا نحوهم، واقتربنا منهم فسمعنا أولهم يقول: ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا )
تقدمنا أكثر فقال آخرهم: ( ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ )
دخلت أنا وعملي بسم الله الرحمن الرحيم... يا الهي ماذا أري؟ أهو حقيقة أم خيال؟ ما هذه الخضرة الواسعة المطعمة بأجمل الألوان، يا لسعتها وجمالها، وما هذه الأشجار والبساتين الرائعة، وما هذه الأنهار الجارية والأنوار المضيئة، ومن هؤلاء الجالسين مجاميع مجاميع ووجوههم تشع نورا وبهاء، يبدو أنهم من جنس البشر، نعم إنهم سكان جنان البرزخ جالسين مجتمعين(2)، ليتني أصل إليهم فأسألهم عن أهلي وأحبتي. أردت التحرك نحوهم ولكني تذكرت أني جديد العهد هنا، لذا سألت الملك المرافق لي:
ــ ماذا نفعل الآن؟
قال:
ــ علينا أن ننتظر حتى يأتي أمر الله.
سمعت اسم الله فأحسست بحب عظيم له وشوق للقائه، ورغبة في رضوانه، وتذكرت الآية الكريمة ( وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) فقلت في نفسي ليتني أصل إلى رضوان الله، وهل صحيح انه اكبر من كل هذه الجنان والنعيم والصفاء؟! ترددت في سؤال الملك ثم تجرأت بقولي له:
ــ هل يمكن لي الوصول إلى رضوان الله؟
قال:
ــ إن رضوان الله ليس بالشيء المستقل عن جنان البرزخ حتى تصل إليه، فهو يرافق وجودك ويمنحك السعادة والطمأنينة في تلك الجنان، وتختلف درجته باختلاف منزلة العبد ومقامه.
سررت كثيرا عندما رأيت الدابة التي أتت بنا قد عادت بشكلها الجذاب ونورها المشع وابتسامتها البهية، وعندما وصلت إلينا قالت:
ــ اركبوا بسم الله مجراها ومرساها.
قلت لها:
ــ بالله عليك اخبريني من أنتِ؟
قالت:
ــ أنا تجسم مساعداتك للناس وقضائك حوائج المؤمنين في الدنيا، وقد خلقني الله لأقضي حوائجك وأكون وسيلة تنقلاتك في عالم البرزخ.
ــ وكيف أستدعيكِ عند الحاجة إليكِ؟
ــ إن من خلقني أودع لدي القدرة على الحضور أمامك بمجرد حصول نية استدعائك لي.
انطلقت بنا وحلقت فوق الجنان وأي جنان !
قلت لعملي:
ــ إلى أين المقصد هذه المرة؟
قال:
ــ إلى مسكنك البرزخي، إلى مثواك ومقرك الذي طالما كان في انتظارك، إلى ما غرسته في الدنيا ونما لك في الآخرة، إلى ( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا )
لحظات لا توصف، ومشاعر لا تقاس بشيء وأنا في طريقي إلى ما وعدني به ربي...
قال عملي:
ــ لدي ما يسرك أكثر، هل أخبرك به؟
ماذا سيخبر العمل لسعيد ومن هو اول من سيستقبل سعيد في جنانه.. هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء السادس والعشرون ان شاءالله تعالى