مفاضلات جديدة لاختيار شريك العمر
لطالما ادعى علماء النفس بان بحث الرجال عن الشباب والجمال وتركيز النساء على الثروة والقوة هي مفاضلات عالمية في الزواج، وتعتمد على اسس بايولوجية. الا ان بحثا جديدا يقترح ان هذه المفاضلات يمكن ان تكون قابلة للتعديل، وبما ان الرجال والنساء قد حققوا المساواة اخيرا في ما يتعلق بالقدرة على الكسب والحرية الاقتصادية، فان مفاضلات البحث عن الشريك قد بدأت تميل الى الانخفاض.
وبينما تزداد نسبة المساواة بين الجنسين في اي مجتمع، يقل تركيز الرجال على الجمال والشباب خلال بحثهم عن الشريك، فيما يقل اهتمام النساء بثروة ومكانة الزوج.
ان الفكرة وراء هذه النظرية التطورية، بسيطة وهي كالآتي: ينتج الرجل ما معدله الف وخمسمائة نطفة في الثانية، وفي المقابل تطلق المرأة بيضة واحدة شهريا وان كل طفلة تولد تكون مزودة بنسبة خلايا بيوض ثابتة على مدى حياتها، بالاضافة الى ان الحمل يكلف المرأة تسعة اشهر، بينما تكون مساهمة الأب في رعاية الطفل عبارة عن دقائق معدودة.
وكنتيجة لهذا، يقول الباحثون في مجال التطور ان النساء سيكن اكثر انتقاء من الرجال في ما يتعلق باختيارهن لشركائهن، وسيكون ميلهن خلال بحثهن عن الرجال إلى اصحاب الثروات، لكي يكنّ قادرات على تربية اطفالهن.
اما الرجال، فيمكن ان يكونوا اقل انتقاء، اذ سيبدون اهتماما أقل فيما يتعلق بقدرة المرأة على الكسب وعلامات الخصوبة لديها، كشبابها وتناسق ملامح وجهها، أي المميزات المتعلقة بالجمال والصحة الجيدة.
وبينما كانت مفضلات اختيار الشريك هذه تعد منطقية في بداية تطور البشر، الا إن العالم قد تغير منذ أن سكن الجنس البشري الكهف، ويسعى الباحثون في جامعة يورك البريطانية لمعرفة قدرة العوامل المميزة لمجتمع العصر الحديث ؛ كمكانة المرأة، وتزايد قدرتها على الكسب، على إحداث التغيير.
ففي دراسة نشرت في مجلة العلوم النفسية، ركز الباحثون على عينتين كبيرتين من الناس الذين تم اجراء المسح عليهم عن أهم الصفات التي يتمنون وجودها عند الشريك.
وكان أحد المسوحات قد أجري نهاية العام 1980 وتضمن أكثر من ثمانية آلاف شخص من 37 ثقافة مختلفة. أما المسح الاخر فكان اكثر حداثة، وتضمن اكثر من ثلاثة آلاف شخص من عشر دول عبر الانترنت، مشيرا الى بحث سابق وجد ان النساء اللواتي يتوقعن ان يعملن بدوام كامل، فانهن يضعن اهمية قليلة على صفة الرجل كمعيل، اذ يقول الباحثون: "بينما يتغير موقع الرجال والنساء في الادوار الاجتماعية، فان الفروق بين الجنسين في معايير اختيار الشريك يجب ان تتغير، لأن الناس ينظرون للشريك الذي يناسب حياتهم المستقبلية المتوقعة في ظل الظروف الاجتماعية السائدة."
ولكي نكتشف ان كان هذا صحيحا، فقد رتب الباحثون البلدان وفق النسبة الى النظام الجديد للمساواة بين الجنسين المقدم من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي في 2006، وضمن مجتمعات محددة، فقد بحثوا عن علاقات بين الفجوة بين الجنسين وحجم الاختلاف في مفاضلات اختيار الشريك عند الذكور والاناث، وبالفعل فقد وجد الباحثون انه كلما ارتفعت نسبة المساواة في القوة بين الجنسين، كلما كانت السمات التي يبحث عنها الرجال والنساء في الشريك متشابهة. ففي فنلندا، البلد الاكثر مساواة للجنسين من بين عشرة دول تم اجراء المسح عليها، كان هناك فرق اصغر بكثير بين تفضيلات الذكور والاناث؛ مما هو في تركيا، التي تحتوي اكبر فجوة مساواة بين الجنسين.
هذا يعني انه كلما ارتفعت نسبة المساواة بين الجنسين، كلما قلت الاهمية التي يعلقها الرجال على ميزة الشباب والجمال، وكذلك يقل تأكيد النساء على الثروة والمكانة. وجاءت هذه النتائج نتيجة لإجراء المسح على 37 ثقافة مختلفة; رغم انها اظهرت فرقا واضحا في مفاضلات اختيار الشريك بين الجنسين، واظهرت ايضا ان الاختلاف القائم على الجنس قد قل في البلدان التي تتمتع بنسبة مساواة عالية. بالاضافة الى ذلك، وجدت الدراسة ان الرجال والنساء يتشاركون بعض الصفات المرغوبة، فمعظم الناس كانت اولى اهتمامهم الذكاء، واللطف، وحس الفكاهة، قبل ان يذكر الرجال الجمال او ان تذكر النساء الثروة.
وهناك اختلافات بايولوجية اخرى قائمة على نوع الجنس قد تراجعت في المجتمعات ذات نسبة المساواة العالية بين الجنسين، كالفجوات الموجودة بين الذكر والانثى في اداء الرياضيات، ما يشير الى تقليل دور الثقافة في هذه الاختلافات
وقد احتلت الولايات المتحدة الاميركية المرتبة السابعة عشرة على العالم في المساواة بين الجنسين، أما الدول الاربع الاولى في المساواة بين الجنسين فكانت جميعها في اسكندنافيا، وقد احتل الشرق الاوسط وافريقيا المراتب الاخيرة. ورغم ذلك، يشير المؤلفون انه حتى اكثر الدول مساواة في العالم هي ايضا بعيدة عن المساواة المثالية. واضاف المؤلفون: "طالما تسود حالة عدم المساواة بين الجنسين حتى في البلدان المتساوية في هذا المجال، فلا يمكن توقع تلاشي التميز الجنسي في مفاضلات اختيار الشريك."