المفهوم الحقيقي للصلاة
إقرأ بتمعّنٍ واصبِرْ على طولها وانظُر أين أنتَ مِنْ هذا المفهوم
لقد فرضَ الله عبادةَ الصلاة على عباده وجعلها عمادَ الدين ،
لسابق علمه بفوائدها لهُم فهو في غنى عنها .
فالله ليس بحاجةِ عبدٍ يصلي له
( لو اجتمع أهل الأرض على أتقى قلب رجُلٍ واحد لما زاد في ملك الله شيئا ) .
وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز { إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر } وقول الله حق .
فإن لم تنهَ الصلاةُ صاحبَها عن الفحشاء والمنكر فهناك خللٌ عند المصلي في فهم حقيقة الصلاة .
أكثرُ الناس يقتصرُ مفهومُهم عن الصلاة على أنّها فرضٌ يؤدونه إلى الله ، أو أنّها تعظيمٌ لله ، أو أنها خضوعٌ إلى الله ، أو انها اعترافٌ بأُلوهيّةِ الله وربوبيّته ، أو أنها شكرٌ لله على فضله ، أو أنها فرصةُ سكينةٍ ودعاءٍ ورجاءٍ وطلبْ
والحقيقةُ أنّ الصلاةَ هي كلُّ ما مرَّ من هذه معاني ، ولكن هذه المعاني كلّها يجب أن تكون في إطار المفهوم الذي سألقي الضوء عليه :
إنّ حقيقةَ الصلاة هي اجتماعٌ خمس مرّاتٍ في اليوم بين العبد وربّه يُفتح خلاله ملفُّ أعمال العبد أمام ربّه وعلى ضوء هذا الملف فإن للعبد الحق في استثمار كل المعاني التي مرّت سابقاً .
أمّا الملف الذي سيفتح ففيه جداول إنجازات هذا العبد فيما مرَّ من أعمالٍ قبل هذا الاجتماعْ ، ولكي نفهم أبعاد هذا الاجتماع دعونا نتخيّل مثالاً ( ولله المثل الأعلى ) أنَّ رئيس البلاد سنَّ قانوناً يلتقي فيه مع رعيّته خمس مرات في اليوم ، كلٍّ على حِدَه ، وطلب منهم أن يُحضروا معهم في كل مرّةٍ ملفّات إنجازاتهم وما أدّوه من واجبات وما وقعوا فيه من اخطاء ومخالفات وحقّقوه من إلتزامٍ بالقوانين والأحكام ، وأعطاهم الفرصةَ في هذا الاجتماع أنْ يطلبوا مايريدون على ضوء حُسن هذه الملفات ومطابقتها للمراد ، وأعطاهم الفرصة ليعترفوا به قائداً عادلاً ، وأعطاهم الفرصةَ ليشكروه على حكمته ورعايته لهم .
والسؤال الذي أسأله على ضوء هذا المثال هو : ماذا يكون حال من يريد أن يقابل هذا الرئيس ؟! كيف سيكون ملفّه الذي سوف يقدّمه ؟وكيف تكون أعماله وإنجازاته في الساعات التي تسبق هذا اللقاء ؟
وإذا تيقّن صاحب الملف أن ما يحتويه ملفّه مطابقٌ لما قدّمه ولا يمكن تزويره بحالٍ من الأحوال ، فهل يستطيع أن يحضر هذا الاجتماع إلّا إذا كانت أعمالُه صالحةً وإنجازاته مُحقّقةً لما أمر به الرئيس ولما نهى عنه ؟
وعليه أقول :
كيف سنقف في الاجتماع الذي هو الصلاة ، معترفين بربوبية الله وأُلوهيّته وقدرته وعدله ونحن غير ملتزمين بأوامره ومنتهين عن نواهيه ؟
كيف سنقف في الاجتماع الذي هو الصلاة ، طالبين من الله المعونةَ والعطاءَ ، وأعمالُنا توجب غضب الله ؟!
كيف سنقف في الاجتماع الذي هو الصلاة ، شاكرين الله على عطائه ونحن غير محترمين هذا العطاء ؟!
كيف سنقف في الاجتماع الذي هو الصلاة ، مُعلنين تذلّلنا وخضوعنا لله ونحن مستكبرين على أوامره ؟!
أسئلةٌ استنكاريّةٌ كثيرةٌ يجب أن نسألها لأنفسنا قبل أن نحدّد المفهوم الحقيقي للصلاة
وعليه أختم مقالتي قائلاً : إذا فهمنا الصلاةَ من هذا المنظور فإنّ صلاتنا ستنهانا عن الفخشاء والمنكر ، وإذا غاب عنّا هذا المعنى فقد تكون الصلاةُ سبباً في استغراقنا في المعاصي !!! لأن العاصيّ يظنّ أن أداء واجب الصلاة شفاعةٌ لمعاصيه ، وهذا يجعله أكثر تهاوناً في ارتكاب المعاصي ، بل ربّما يظنّ أنّه قد أعطى الله حقّه في الصلاة فهو بأمانٍ وسلام
هذا هو المفهوم الحقيقي للصلاة ولهذا قال الله عنها أنّها عماد الدين ، وأنّ من تركها ترك الدين ، لم يتركنا الله في غفلةٍ ولم يتركنا في رحلةِالامتحان بعيدين عنه بل فتح لنا بابه للقائه خمس مرات في اليوم لنظّل تحت رقابةٍ ذاتيّةٍ معقودةٍ بهذه الاجتماعات ، وهذا من فضل الله علينا ومن رحمته بنا ومن حكمته ولُطفه
ملاحظةٌ هامّة : قد يقول قائلٌ:
على ضوء مقالتك هذه فسوف أبتعد عن الصلاة ريثما أستطيع ضبط ملفِّ أعمالي !!! أقول له : لا يا أخي حافظ على صلاتك ريثما تضبِط ملفَّكَ، وحافظ على الباب مفتوحاً بينك وبين الله لتجد نفسكَ قريباً من الله عندما تعود بملفك الجديد
شمعةٌ اشعلْتُها في ظُلمة ليلِ الغافلين ، أسأل الله أن لا أكون منهم وأن لا أكون ممّن يقولون ما لا يفعلون.