الرحلات و الأستكشفات فى القرون الوسطى
القرن الثالث عشرتعود رواية ماركو بولو وغيره من بحارة أو مستكشفى القرون الوسطى إلى القرن الثالث عشر. وقبل ذلك كان الفرس و العرب يؤمنون، عن طريق البحر أو على دروب القوافل الطويلة، نقل البضائع الآتية من الصين أو من الهند نحو مرافئ الشرق الأوسط و البحر الأحمر، حيث يشتريها تجار البندقية أو جنوى أو برشلونا أو مارسيليا.
ومع المنتجات الثمينة كانت المعلومات و الحكايات الخرافية عن بلاد المنشأ تدخل الغرب. وبقدر ما كان الشرق نداً تجارياً، كان كذلك أسطورة بالنسبة إلى أوروبا.
هذه النظرة إلى الأمور جاءت رحلات القرن الثالث عشر لتغيرها، فإن الإزدهار الأقتصادى فى أوروبا قد حد التجار إلى أبداء المزيد من الجرأة فى مشاريعهم. و من ناحية أخرى، جاء التوسع المغولى فى آسيا ليسهل هذه الرحلات. لأن هولاء " البرابرة " كانوا يحسنون دائماً معاملة التجار و المبشرين و المستكشفين القادمين إليهم.
وقد أستغل الأوربيون الإمكانيات التى أتاحها سياسة الأنفتاح المغولية. وكان أول المغامرين فى الشرق الأقصى هم المبشرون. وفى الحقيقة، كان يسود فى الغرب أعتقاد قديم يؤكد وجود جماعات مسيحية مشتتة فى آسيا. وفى تلك الأصقاع مملكة مسيحية يملكها ملك هو الكاهن يوحنا. كانت تلك الأسطورة تستند إلى شئ من الصحة. إذ كانت جماعات مسيحية منفصلة منذ الأزمنة الأولى عن كنيسة روما وكذلك عن كنيسة القسطنطينية، ماتزال موجودة فى بلاد فارس و آسيا الوسطى حتى فى الصين.
فى بداية القرن الثالث عشر، كانت تلهب أحلام المسيحيين فكرة إمكانية الأعتماد على حلفاء دينيين يساعدوهم فى نشر دعوتهم. وكانت هذه هى نواية الراهب الفرانسيكانى الإيطالى، " جان دو بلان كاربن "، حين غادر ليون فى نيسان ( أبريل ) سنة 1245م.
وبعد أن إجتاز ألمانيا و بولينيا، وصل إلى " الخان الأكبر " المغولى. وكان مكلفاً من قبل البابا اينوشنسيوس الرابع، بأن يهديه إلى المسيحية.
محاولة تنصر المغول :وصل " جان دو بلان كاربن " إلى " قره قرم"، عاصمة المغول، عام 1246م. فأستقبل ودياً مع كل الحفاوة اللائقة بزائر مهم. و تسنى له الوقت ليراقب عادات و تقاليد المغول، و أهتم بهذا الشعب لدرجة أنه شرع كتابة " تاريخ المغول "، الذى هو أول كتاب عن آسيا المغولية يكتبه رجل أوروبى. وقد كلف حتى من قبل الخان الأكبر بمهمات رسمية.
أما الأخبار التى نقلها إلى رؤسائه فكانت مخيبة: لقد أخبرهم عن حفاوة المغول به، و أكد لهم أنهم أهتموا كثيراً بالمسيحية، ولكنهم فى المقابل لم يبدوا أى أستعداد للإهتداء إلى هذا الدين.
ثم أرسل راهب فرانسيسكانى أخر، هو " غيوم دو روبوك " كسفير لدى المغول من قبل القديس لويس. فأنطلق من القسطنطينية فى مايو عام 1253م. ووصل إلى
" قره قرم " فى سبتمبر من السنة ذاتها، وقابل الخان الأكبر. ولكن بعثته لم توفق إلى نتائج أهم من نتائج بعثة " بلان كارين ".
مغامرة آل بولو :
كان الأخوة " بولو " تجاراً من البندقية متخصصين فى تجارة الجواهر، فأفتتحوا مخزناً فى القسطنطينية و أستقروا فيها. وفى سنة 1620، أنطلقوا إلى آسيا الوسطى بغية إيجاد طريق للتوابل، و الوسيلة للألتفاف حول الأحتكار الذى كان العرب يمارسونه على هذه المنتجات.
وبعد أربع سنوات، وصلوا إلى بيكين حيث أستقبلوا بكل أحترام و تكريم فى بلاط " قوبيلاى "، الخان الأكبر للمغول. وظلوا ضيوفاً عليه طيلة 3 سنوات، ثم أستقلوا طريق العودة مزودين بإذن مرور محفور على لوح ذهبى، ومعهم مهمة : يجب أن يقترحوا، بأسم " قوبيلاى "، عقد حلف مع البابا، مع إرسال مئة من مرسليه المتلعمين ليصبحوا خبراء الخان الأكبر.
أبن البندقية فى الصين:
فى الرحلة سنة 1271م أصطحب آل بولو، ماركو ابن نيكولو، ومعهم قنديل الزيت المقدس الثمين و رسالة من البابا. ولكن من بين المئة المطلوبين من رجال الدين، لم يصطحبوا معهم إلا اثنين أضطرا، لخوفهما، أن يعودوا أدراجهم بعد بضعة أسبابيع.
ومنذ بداية الرحلة كلف ماركو بولو وهو ابن 15 سنة، بتسجيل كل الحوادث التى كانت تقع ونقل كل المشاهدات التى كان يلاحظها على الطريق. وقد أستخدم هذه الملاحظات لكى يملى على أساسها فيما بعد " كتاب العجائب ".
فلنحاول أن نترسم خطى ماركو بولو فى رحلته الخلابة...
ماركو بولو مستشاراً للخان الأكبر :
قدر " قويبلاى " ذكاء و حيوية و براعة " ماركو بولو "، الذى تعلم فى بضعة أشهر، أربع لغات محكية فى هذا العالم المختلف إلى حد بعيد عن عالمه. وعهد إليه بمناصب مهمة : من سفير إلى حاكم ولاية إلى ... مستشار شخصى فىآخر المطاف. وكان يقضى الساعات فى التحاور معه، فيسأله عن الأعراف و التقاليد فى الغرب، بينما هو كان يطلع أبن البندقية على الثقافة المغاولية.
وبفضل المهمات التى كان قويبلاى يكلف بها ماركو بولو أستطاع أن يختار هذا البلد الكبير و الرائع فى كل أتجاه. ولم يغادر، على مضض، إلا حين أعتبر الخان الأكبر أنه " أى ماركو بولو " هو الوحيد القادر على إنجاز هذه المهمة الدقيقة : مواكبة أمير صينية مخطوبة لأمير فارسى.
وكانت الرحلة محفوفة بالمخاطر : فقد سافر ماركو بولو وحاشيته بحراً. وتعرضوا لعواصف عديدة. وعند وصولهم إلى بلاد فارس بلغهم نبأ وفاة قويبلاى التى وقعت ابان رحلتهم.
وهكذا تحرر آل بولو من كل تبعية تجاه المغول، و حق لهم أن يعودوا إلى البندقية، فأنطلقوا من هرمز ووصلوا إلى البندقية عام 1295م. وباع ماركو بولو الجواهر التى عاد بها و أصبح بفضلها تاجراً ثرياً.
وفى سنة 1298م كان يشارك فى معركة كوزولا كقبطان لسفينة بحرية فأسره الجونوين. و بقى فى الأسر سنة كاملة بأنتظار أن تدفع فديته. وكان يقضى أوقات فراغه فى سرد مغامرته البعيدة أام جمهور يثير الفضول و الذهول. وكان " روستيتشيلو دى بيتزا "، وهو كاتب، رفيقه فى الزنزانة. فكلفه ماركو بولو بتسجيل أخباره،و غالباً ما كان ليكتب بإملاء مباشر من ماركو بولو.
وقد طبعت هذه الأخبار تحت عنونا " كتاب عجائب العالم "، ولكن هذا الكتاب عرف كذلك بلقب مؤلفه السيد " مليون " أو بأسم كتاب " ماركو بولو ". وكان نجاح هذا العمل كبيراً، غير أن الذين أعتقدوا بصدق المؤلف فيما ذهب إليه كانوا قله. فكيف يمكن أن يصف جمال بيكين الباهر، وروعة كل هذه المدن الصينية الواقعة تحت سيطرة المغول، فى حين أن هؤلاء المغول كانوا فى نظر الجميع بالغرب مثال البربرية و الوحشية.
حين كان ماركو بولو على فراش الموت، سأله بعض الأصدقاء، عن " خرفاته "، و أى منها يجب أن أن تلغى من كتابه. فصب عليهم لعناته قبل أن يمض عينيه إلى الأبد.
نحو أفريقيا و الهند :
فى نهايات القرن الثالث عشر، تحول أهتمام الأوربيون عن الشرق الأقصى إلى مناطق أخرى. كان التجار الذيت يتعاملون مع المدن الشرقية يلتقون فيها سكان بلد من أفريقيا الشرقية، هو الحبشة، وكان يحكم هذه البلد يعد نفسه مسيحياً. وشيئاً فشيئاً أصبحت مملكة الكاهن يوحنا، التى كان يعين مكانها حتى حتى ذلك العهد فى آسيا، هى مملكة الحبشة و حاكمها " النجاشى". وهذا الأخير، الذى كان يدعى إنه من ذرية سليمان و ملكة سبأ، كان ينتمى فى الواقع إلى كنيسة مسيحية شرقية، هى الكنيسة القبطية.
وكان ثمة داع آخر لهذا الأهتمام بأفريقيا، وهو البحث عن منفذ مباشر إلى مناجم الذهب.
مغامرة الأخوة فيفالدى :
لم يكن السعى وراء الغنى من تجارة الذهب و التوابل هو الحافز الوحيد للمستكشفين. فبفعل الأزمات الداخلية فى الممالك المغولية، و أزدياد حدة الصراعات بين العرب و الأمبراطورية البيزنطية، أصبحت الطرق التجارية أكثر فأكثر محفوفة بالمخاطر.
كيف الوصول إلى الشرق دون المرور بالمشرق؟؟؟ وجواب الجنوبين كان بأنه يمكن الألتفاف حول أفريقيا. و فى أيار (مايو) عام 1291م أقنع التاجران الجنوبيان أو غولينو و فالدينو فيفالدى بحارتهما بأن يتبعوهما على طريق جديد نحو الجنوب على طول السواحل الأفريقية، ثم يستأنفوا معهم الأبحار شمالاً نحو بلاد الهند الرائعة، الهدف الحقيقى للرحلة.
توقف الأخوان على الشاطئ المغربى، ثم أختفيا فى المحيط الأطلسى. وظل الجغرافيون و البحارة طوال قرن من الزمن يفكرون فيهما بتأثر عميق كلما حاولوا أن يجدوا حلاً لمسألة المرور إلى بلاد الهند.
رحلات ابن بطوطة :
هو محمد بن عبد الله المعروف بأبن بطوطة، ولد فى طنجة عام 1304م، وكان كبير الرحالة العرب فى القرون الوسطى.
فى الواحدة و العشرين من عمره دعاه داعى الحج إلى مكة المكرمة فلبى. ولكنه لم يعد إلى المغرب بل أطال سفرته فجاب العراق و فارس و اليمن و الشاطئ الافيقى الشرقى،و أستكشف هذه البلدان و الأصقاع بروح المراقبة العلمية، ثم ذهب إلى القوقاز فى روسيا الجنوبية، و أجتاز التركستان ووصل إلى الهندوس سنة 1333م. ثم مكث تسع سنوات فى بلاط سلطان دلهى بالهند.
وفى سنة 1345م وصل إلى سيلان وبعد أشهر وصل إلى الصين حيث زار " باكين" وين الصين " أى كانتون الحالية). و عاد إلى مراكش سنة 1349م. ولكنه سرعان ما عاد إلى تجواله، لكى يستكشف، فى أفريقياالسوداء هذه المرة، تومبكتو و مجرى نهر النيجر وحين عاد نهائياً إلى فاس سنة 1354م، قام " ماركو بولو العرب " بأملاء مذكراته. وتوفى سنة 1377م.
كان جواب الآفاق هذا المشغوف بالجغرافية، رحالة عصرياً يحدوه الظمأ إلى المعرفة أكثر مما يجذبه النهم إلى الثروة.
نحو تطورات حاسمة:
وشيئاً فشيئاً، بفضل تقدم الملاحة، و على الأخص، بفضل وجود خرائط أكثر دقة نوعاً ما، تزايدت جرأة البحارة. فى سنتى 1455 و 1456م قام بحار من البندقية هو كاداموستو برحلتين أستكشافيتيين على طول الشوائ الأفريقية. ولعله أكتشف جزر الرأس الأخضر.
سافر كاداموستو لحساب ملك البرتغال :
وكان المستكشفون كثيرون الذين غامروا فى البحار يرفعون على سفنهم ألوان أعلام حكام ايبيريين ( من شبه الجزيرة الأيبرية، أسبانيا و البرتغال). وظل هدفهم الاساسى هو أكتشاف طريق بلاد الهند عبر جنوب أفريقيا.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صابرين - البغدادية
تسلمين دودو على مرورك بموضوعى المتواضع
تحياتى إلك
