رجع الأب إلى منزله وكان يشعر بالجوع الشديد والارهاق ، من يوم عمل طويل حضرت زوجتهِ الطَّعامَ وقالت بحزن ، إن هادي يرفض تناول الطعام هَذّا اليَوم ، ويبكي في غرفته بحرقة منذ الصباح ، تعجب الأب من كلام الأم واتَّجَهَ مسرعا إلى غُرفةِ ابنهِ هادي ليعرف لماذا يبكي ولا يريد تناول الطعام.
دخل الغرفة وكان هادي يبكي بحرقة ، اقتربَ منهُ قائلا : ما الذي أصَابَك؟ لماذا تبكي يا هادي ماذا حدث يا ولدي لك ، لم يتوقف هادي عن البُكاء ولم يرد على والده، قال الاب بهدوء وود كبير ، ماذا حدث يا بني هلْ أذاك أحد منْ اصدقائة ؟
هل حدث شيء في المدرسة ،ووبخك احد المعلمين ، قال الطفل لأبيهِ : لا يا أبي لم يحدث كل هذا ، رد الأب بتعجب : قل لي إذا ما الذي يبكيك ويحزنك بتلك الطريقة يا هادي ، وهنا قال الطفل : لقدْ مات اليوم عم راغب رحمة الله ، وهنا نظر الأب إلى ولده متعجا فهل كل هذا الحزن على ذلك الشيخ العجوز الحج راغب .
قال الاب بتعجب وهو يبتسم ساخرا :كل هذا البكاء يا هادي من اجل موت الشيخ العجوز ، لقد شبعَ الرجل منَ الحياةِ يا ولدي وماذا كان سيفعل في حياته ثانيتا ، فلا اعتقد بان أي من أولاده بكى لموتِهِ مثلَما تفعل أنت الآن ، فلا اعتقد إن مت يوما سوف تبكي لوفاتي بتلك الحرقة كما تبكي الحج راغب يا هادي ، تعالى يا بني نتناول الطعام فانا سأموتُ منَ الجوعِ والتعب وكف عن البكاء .
نظرَ الطفل بحزن وعتاب كبير لابيه قائلا : لا يا أبي لنْ أتوقَّفَ عنِ البُكاءِ والحزن على عم راغب ، كان ياخذني للمسْجِد لنصلي معا ، وحفظني القرآنَ الكريم كاملا ، وكان يتحدث معي في امور الدين ويهديني إلى الصراطِ المستقيمِ، وكانَ يحبني ورعاني كأنني إبنه وينصحني بصدق وحب ويتحدث معي كل يوم في امور كثيرة ، فكيف لا أبكي عليه وكان لي كل شيء في الحياة ، أنتَ لا تعرف عني شيئا و لا تهتمَّ لأمري ، ولا تأخذني للمسجدِ يوما ، ولم تهتم بصلاتي ولا أصحَابي، ولم تنصحني يا أبي ، حتى إنك لا تصلي أبدا ولا تذهبُ للمسجدِ ، كل همك هو جمعَ المالِ فقط ولم تهتم لربك ولا دينك ، فلماذا سوف أبكي عليك إن رحلت ماذا فعلت لي قل لي يا أبي مثلما فعل معي العم راغب رحمة الله .
سمع الاب كلمات ابنه بحزن واخذ يبكي بحرقة ، قائلا :عندك حقٌّ يا هادي لم أكن أب صالح لك مثل الشيخ راغب رحمة الله ، وكنتُ مقصّرا معك كثيرا وتشغلني الدنيا عنك ، والآنَ عرفتُ أنني مخطىء في حقك كثيرا وسوف أُعوِّضكَ عن كل شيء ، وهنا كف الصبي عن البكاء وشعر بالسعادة لان والده سوف يهتم بيه ويراعيه كما كان يفعل الشيخ راغب رحمة الله .