TODAY - September 27, 2010
العراق: هدية الجيش الأميركي من الكومبيوترات تفضح الفساد في مؤسسات الدولة
نصفها تم بيعه والنصف الآخر اختفى.. والتحقيقات تؤدي إلى اعتقال 6 موظفين في الجمارك
بغداد: ستيفن لي مايرز*
كانت شحنة أجهزة الكومبيوتر المحمولة التي وصلت إلى ميناء العراق الرئيسي في فبراير (شباط) صغيرة، لكنها كانت جزءا مهما في الجهود التي يبذلها الجيش الأميركي في العراق لكسب قلوب وعقول العراقيين. وما حدث بعد ذلك هو عبارة عن قصة من النوايا الحسنة اصطدمت بالواقع العراقي.
تم شراء أجهزة الكومبيوتر، البالغ عددها 8080، بـ1.8 مليون دولار لتقدم لتلاميذ المدارس في محافظة بابل كهدية لهم من دافعي الضرائب الأميركيين. إلا أنها ظلت لشهور قابعة في ميناء أم القصر، بسبب البيروقراطية أو الرشوة، أو مزيج من الاثنين، ثم اختفت فجأة.
فالفساد مستشر بدرجة كبيرة هنا - والجهود الأميركية لإعادة إعمار العراق تعاني من سوء الإدارة – لدرجة أن مصير أجهزة الكومبيوتر قد يصبح جزءا من اتجاه مألوف، ولكنه مقلق، داخل العراق. فلا يأتي بعد العراق على مؤشر الشفافية الدولية، وهو المؤشر السنوي للفساد حول العالم، سوى السودان وأفغانستان وميانمار والصومال.
ولكن القائد العسكري الأميركي في جنوب العراق، الميجور جنرال فنسنت بروكس، غاضب بشكل واضح. وحتى إذا لم يعرف بالضبط الجناة، فالضحايا هم: الأطفال العراقيون ودافعو الضرائب الأميركيون. وقد انتقد بروكس بشدة الحكومة العراقية التي تأمل الولايات المتحدة أن تعاملها كشريك استراتيجي على قدم المساواة، شريك قد يكون به بعض المساوئ، لكنه يتحسن. وطالب، في بيان أصدره، بفتح تحقيق في تصرفات «مسؤول كبير في ميناء أم القصر»، الذي لم يتم الكشف عن اسمه حتى الآن. وقد أحرج الكشف عن هذا الحادث حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي يخوض غمار معركة سياسية ممتدة لتشكيل الحكومة للمرة الثانية. وقد رفض المالكي ما نشرته وسائل الإعلام عن القضية.
وقالت صحيفة «الناصرية» في معرض حديثها عن القضية: «إنهم يسرقون أجهزة الكومبيوتر القادمة للطلاب»، مشيرة إلى تزايد الغضب الشعبي على الحكومة.
كما وضعت هذه القضية سفارة الولايات المتحدة في بغداد في مأزق. وقد وجد الدبلوماسيون هنا، كما هو الحال في أفغانستان، أنفسهم مضطرين للتعامل - بحساسية – مع مساوئ حكومة يقال إنها ديمقراطية جاءت بها القوات الأميركية.
وكانت السفارة قد أدلت على الفور بتصريحات حول هذه القضية، لكنها توقفت بعد ذلك عن الإدلاء بأي تصريحات أخرى وفضلت معالجة القضية دبلوماسيا – أي من دون أي ضجة إعلامية. وقد اختفى البيان الأصلي الخاص بالقضية من موقع القوات الأميركية بالعراق «عن طريق الخطأ»، وفقا لما ذكره المتحدث باسم الجيش، وبعد التحقيقات تم إعادة نشره. وصلت أجهزة الكومبيوتر المحمولة في شحنتين، في 20 و23 فبراير. وأشارت وثائق الشحن الأصلية خطأ إلى أن وجهة أجهزة الكومبيوتر هي «ميناء أم القصر، وليس مدينة بابل» وهو ما أحدث ارتباكا. وفي أبريل (نيسان)، تمكن الجيش الأميركي من تتبع الشحنتين وحاول مرارا إخراجهما من الجمارك وشحنهما إلى مدينة بابل. لكن في أغسطس (آب)، أقيم مزاد على 4200 جهاز من هذه الأجهزة – وتم بيعها مقابل 45700 دولار. ولم يعلم مكان العدد الباقي من أجهزة الكومبيوتر.
وتحت وطأة ضغوط من مسؤولين أميركيين ومسؤولين عراقيين من مدينة بابل، أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بفتح تحقيق من قبل «هيئة النزاهة»، وهي منظمة مستقلة أدت تحقيقاتها إلى صدامات مع المالكي وغيره من كبار المسؤولين.
والتحقيقات المتعلقة بفساد المسؤولين نادرا ما تقود إلى اتهامات جنائية، فضلا عن أن تصل إلى إدانة، وخاصة عندما يرتبط الأمر بكبار المسؤولين.
وفي أوائل سبتمبر (أيلول)، تم العثور على أجهزة الكومبيوتر التي بيعت في المزاد، وذلك وفقا لتصريحات مسؤولين عراقيين، رفضوا مناقشة كيفية أو أين تم العثور عليها. وقد تم بيع هذه الأجهزة إلى حسين نوري حسن وهو رجل أعمال من مدينة البصرة، لم يتسن العثور عليه في العنوان الذي ذكره عند شرائه لأجهزة الكومبيوتر.
ولم يستطع أي من المسؤولين، ومعظمهم يتحدث فقط شريطة عدم الكشف عن هويته، تفسير ماذا حدث لبقية أجهزة الكومبيوتر.
وعند سؤالهم عن المزاد، واصل المسؤولون في بغداد والبصرة وميناء أم القصر التأكيد على أنهم لم يرتكبوا أي خطأ، مشيرين إلى أن الأجهزة تم بيعها وفقا للقواعد التي تحكم الواردات التي لا يأتي صاحبها لتسلمها بعد 90 يوما من وصولها. وقد حدث تقدم في التحقيقات في الأسبوع الماضي. وقال مسؤولون عراقيون في البصرة وبغداد إنه قد صدرت مذكرات اعتقال بحق 10 من موظفي الجمارك في ميناء أم القصر، ليس من بينهم أي مسؤول بارز في الميناء. ويقال إن 6 منهم قد تم اعتقالهم. وعلى الرغم من ذلك، رفض المسؤولون تحديد أسماء الموقوفين، ولم يتم الإعلان عن توجيه أي اتهامات رسمية لهم، ليحيط الغموض بتفاصيل القضية كما هو الحال مع الكثير من الحقائق في العراق.
وفي هذا الإطار، قال مسؤول بـ«هيئة النزاهة»: «ما زلنا نحقق، لا يمكننا إعطاء معلومات إضافية الآن، لكن قريبا ستتلقون الكثير من المعلومات حول هذه المشكلة».
وقد تم نقل مدير الجمارك في ميناء أم القصر، صلاح عيدان جاسم، من منصبه قبل أسبوعين، لكن مسؤولين نفوا أن يكون لذلك صلة بقضية أجهزة الكومبيوتر. ولا يبدو أن جاسم ونائبه عبد الحسين العيبي يواجهان خطر التعرض لملاحقة قانونية.
واعترف العيبي، في مقابلة معه في مدينة أم القصر يوم الخميس، أن الميناء، وهو الميناء الرئيسي لصادرات النفط المتجهة عبر الخليج ومختلف الواردات المقبلة إلى العراق، يعاني من نقص في النظم المحاسبية والكهرباء والمعدات. وقال أيضا إنه تم فتح إحدى حاويات شحنة أجهزة الكومبيوتر في الجمارك، وهو ما قد يفسر مصير الأجهزة الأخرى التي لا تزال مفقودة. وأضاف: «نحن هنا في ميناء أم القصر نعاني من مشكلات تتعلق بالإدارة».
وأعرب المتحدث باسم السفارة، ديفيد جي رانزي، عن ارتياحه لما وصلت إليه التحقيقات حتى الآن. وقال في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «نحن سعداء جدا بأنهم اتخذوا الإجراءات اللازمة لإلقاء القبض على أولئك الذين سرقوا أجهزة الكومبيوتر المحمولة التي كانت ستقدم للأطفال العراقيين. وهناك الكثير ينبغي عمله، ولكن الـ10 اعتقالات هي بداية جيدة وتعكس تنامي قوة واختصاص سلطات مكافحة الفساد في العراق، ولا سيما (هيئة النزاهة)».
وبعد 7 أشهر من وصول أجهزة الكومبيوتر إلى العراق، لم يستخدم أي طفل عراقي أيا منها. والأجهزة التي تم استعادتها لا تزال في حوزة الأميركيين الذين ما زالوا ينتظرون كشف الغموض الذي يحيط باختفاء الأجهزة الأخرى. ومن الممكن، مع ذلك، رؤية جانب مشرق في هذه القضية.
قد يكون العراق اليوم فاسدا ويرزح تحت وطأة البيروقراطية التي ورثها من عهد صدام حسين، ومتعثرا بسبب المأزق السياسي الذي أعاق تشكيل الحكومة الجديدة بعد ما يقرب من 7 أشهر من إجراء الانتخابات البرلمانية، لكن العراقيين - وسائل الإعلام والسياسيين والمواطنين العاديين – أصبحوا الآن أكثر حرية من أي وقت مضى في انتقاد مخالفات البيروقراطيين واللصوص، حتى ولو لم يكن لذلك تأثير يذكر.
وقال قاسم الموسوي، رئيس لجنة التعليم في مجلس محافظة بابل: «إن جسد العراق ينزف» بسبب فساد الحكومة «ومن الضروري أن يستمر التحقيق وينبغي أن يكون علنيا لكي يعلم الجميع الحقيقة».
الشرق الاوسط