شعرتْ الطفلة الصغيرة ريحانةٌ بصُداعٍ شديد وهي تجلسُ على مقعدِهَا في صَفِّها في المدرَسة ، تَغيَّرَ لونُهَا للاصفر فأحْنَتْ رأسَهَا بهدُوءٍ وأسْندَتْهُ على طَاولَتِها الصّغِيرَةَ ، دخلت المعلمةُ الصَّفَ وراحتْ تتأمَّلُ طالبَاتِها الصَّغِيراتِ اللاتِي كُنَّ كالورودِ والرياحين الجَميلةِ في البُسْتان ، تبسمتْ لهُنَّ وحيَّتهُنَّ ولكنَّها عنْدَمَا رأتْ ريحَانَة تَغُطُّ في نَوْمٍ عَميقٍ على طَاولتِها عبَسَتْ وصاحَتْ بِهَا
– رَيْحانَة .. رَيْحَانَة ..
رفعَتْ الطفلَةُ رأسَهَا بِبطءٍ ثمَّ قالتْ : أنَا آسفةٌ يَا مُعَلّمتِي لا أعرفُ كيفَ نِمْت ؟
هزَّتِ المعَلِّمةُ رأسَهَا وقالتْ : هذهِ ليست المرَّةُ الأولى يَا ابنتي ، لماذَا أنتِ هَكذا دائماً ، ألا تنامينَ في البيت ؟
قالت ريْحانةُ : بلى يا معلمتي انام كثيرا
المعلِّمَةُ : ولماذَا تنامين في الصف إذاً ؟
ريحَانة : لا أدري يا معلمتي ؟
ضحكتْ بعضُ التِّلميذات، فأمَرتْهٌنَّ المُعلِّمةُ بالسُّكوتِ والمَحافظةِ على الهدوء ، ثمَّ عادتْ إلى ريْحَانة وقالتْ لهَا : لا تَعُودي لمثْلِها يَا رَيْحانَة أفَهِمْتِ يا عزيزتي .
أجَابَتْ ريْحانةُ: حسناً يا مُعَلِّمَتي ، وتحاولُ ريحانةُ أنْ تقاومَ الصُّداعَ الشديدَ ، وتمضِي المعلمةُ في إلقاءِ دَرْسِهَا ، وتُلاحظُ شرودَ ريْحانةٍ وعَدَمَ انْتِباهِها ، تُوجِّهُ لهَا الأسئلةَ فلا تَسْتطيعُ الإجَابَة ، قالت المُعلِّمة : ماذَا أصابكِ يا رَيْحَانَة ؟
تنظرُ الطفلة إلى المعلِّمَةِ دونَ أنْ تستطيعَ الكلام ، قالت المُعلِّمة: لا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله ، وهنا يُقرعُ الجرسُ وتسرعُ الطالباتُ للخروجِ إلى ساحةِ المدرسَةِ للفُسْحةِ ، ولكن تظلُّ ريحانةٌ جالسةً على مقعَدِهَا الصَّغيرِ تُشيرُ المعلمَةُ إليْهَا بالخُروجِ لتناوُلِ فُطورِهَا معَ الطّالباتِ في السَّاحةِ ، تنهضُ ريحانةٌ ببطءٍ وتشعرُ برَجْفةٍ في سَاقَيْها .. تَستندُ إلى الطاولةِ ، تميلُ إلى الجِدارِ ، تسقطُ حقيبتُها الصَّغيرةُ مِنْ يَدِهَا تدورُ عيناهَا وكأنَّها وسطَ ضبابٍ كثيفٍ وتَهْوي على الأرض فاقدةً وَعْيَهَا .
تسْرعُ المعلمةُ نَحْوهَا ، تصرخُ على الطالباتِ ليُسرعنَ إلى الإدارةِ لاستدعاءِ الطَّبيبةِ ، قالت المُعلِّمة : ريْحَانَة .. ريْحَانَة ..
تَهُزُّها وتحاولُ إيقَاظهَا تأتي إحدى المعَلِّماتِ بالماءِ ترشُّ بعضَهُ على وجْهِ ريْحَانَة ، تضعُ على أنفِهَا قُطنةً مُبلَّلةً بالعِطْر تفتحُ ريحانةٌ عَيْنَيْها فترَى المُعلِّمات وقدْ أحَطْنَ بهَا وهُنَّ خائِفَاتٌ عليْهَا ، المُعلِّمة: ما بكِ يا ريحانة ماذَا أصَابَكِ ؟
ريْحانَة : إنَّني جَائِعَة ..
المُعلِّمةُ : ألمْ تتنَاولِي طَعامَ إفطارِك يا ابنتي ؟
ريْحانَة : كلاّ .. لمْ أتناول الطَّعامَ منذُ صباحِ الأمْسِ ..
تمسحُ المعلّمة دمُوعَهَا ثُمّ تبحثُ في حقيبتِهَا عن طَعامٍ رُبّما وضَعَتْه لهَا أمّها في حقِيبَتِهَا ..
المعلمَةُ : لا شيءَ في الحَقِيبة .. ألمْ تُحضرِي شيئاً مِنَ البَيْت ؟!
ريْحانة : كلاّ .. فلا يُوجدُ لديْنا طعامٌ في البيت !!
المُعلِّمةُ : أليسَ معكِ نقودٌ لشراءِ الطّعام ؟
ريْحانة : كلاّ فليْسَ معَ والدِي أيَّ نُقودٍ إنّهُ فقير الحَال ، شعَرتْ المُعلّماتُ بالحُزنِ الشَّديدِ لحالةِ ريْحانة ، سالتْ دُمُوعُهُنَّ حسرةً عليْها أسْرعْنَ لإحْضارِ الطَّعامِ لهَا إحْدى المُعلِّمات: تفضَّلي يَا ابْنَتي هَذَا كُلّه لَكِ ..
نظرتْ إليهِ ريحانةٌ بِسرورٍ ، مدَّت يَدهَا وجعَلتْ تأكلُ منهُ وهيَ تمْسَحُ عنْ عينيْهَا دُموعَ الأسَى ، كانَ الفرحُ يغمرُ المعلِّمَاتِ وهُنَّ يَنظُرْنَ إليْهَا فرحةً مَسْرُورَة ، فَتحَتْ حقِيبتَهَا ووضَعَتْ بعضَ الطّعامِ فِيهَا ونَظرتْ إلى المُعَلِّماتِ حوْلَهَا وقالتْ: إنَّهُ لأمِّي وأبِي إنَّهُمَا جائِعانِ أيْضاً