النتائج 1 إلى 5 من 5
الموضوع:

هواء العائلة - شريف رزق

الزوار من محركات البحث: 3 المشاهدات : 411 الردود: 4
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    مراقب
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الدولة: ميسوبوتاميا
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 41,149 المواضيع: 3,594
    صوتيات: 131 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 44273
    المهنة: طالب جامعي
    أكلتي المفضلة: حي الله
    آخر نشاط: منذ 2 ساعات
    مقالات المدونة: 19

    هواء العائلة - شريف رزق

    .





    هَوَاءُ العَائِلةِ

    I
    هُنَا كانَتْ دارُنا القديمةُ.
    هُنَا وُلِدْتُ.
    هُنَا كانَتْ جدَّتي تقعُدُ في كلِّ عَصْرٍ.
    هُنَا كانَتْ عَنْزَاتُهَا.
    هُنَا كانَ الحمَامُ.
    هُنَا كانَ المُلتقَى.
    هُنَا كنَّا نُعَيِّدُ كُلّنَا.
    هُنَا ظَلَّتْ جدَّتي
    ولمْ تَسْتَجِبْ
    لأحَدٍ منْ الأبناءِ.
    هُنَا ماتَتْ جدَّتي
    على سريرِهَا النُّحاسِيِّ ذِي الأعْمِدَةِ الطَّويلَةِ
    والسِّتارَةِ المشغولَةِ بأوْرَاقِ الزُّهورِ
    ماتَتْ وَحْدَهَا.
    هُنَا كنَّا نعيشُ.
    II
    ممدًّا على سَريرِكِ النُّحاسِيِّ، وفي يديْ كتابٌ
    أوْ جَالِسًا على الأرْضِ جنبكِ يا جدَّتي
    أتكشَّفُ عَوَالمَ لا تنتهِي
    في تهاويْلِ الحائِطِ الطِّينيِّ المتسَاقِطَةِ عنْهُ ألوَانُ الجِيْرِ.
    III
    تجعلينَ مِنْ فخذِكِ وسَادَةً لي
    تمسَحِينَ على رَأسِي
    وتقُصِّينَ عليَّ حِكَايَاتٍ مِنْ طفولتِكِ
    ثمَّ طفولةِ أخْوَالي وأمِّي
    تأخُذِينني إلى السُّوقِ دائمًا مَعَكِ
    في كلِّ مرَّةٍ تُحْضِريْنَ لي كوبًا مِنْ السُّوبيا المثلَّجَةِ
    تحمِلِينني في الزِّحَامِ
    تأخُذِينني في زيَارَاتِ المقابرِ
    وفي الأعْيَادِ والمناسَبَاتِ
    وكُلَّمَا اسْتيقظْتُ في الليْلِ عَطْشَانَ يَا جدَّتي
    تكونيْنَ في انْتِظَاري؛ فَتَسْقِينَني كَرَضِيْعٍ
    تتعلَّقُ عيناهُ بحنانِكِ الزَّائدِ،
    ثمَّ تُعِيْدِينَني إلى النَّومِ مِنْ جَدِيدْ.
    IV
    كانَ منْ المُمكِنِ مثلاً أنْ أشُدَّكِ بأقْصَى مَا أسْتطِيعُ
    أنْ أصْرُخَ فتنتبهِيْنَ يا جدَّتي أنْتِ أوْ أمِّي
    فتدفَعَانني بعيدًا عنْ عمودِ الكهربَاءِ
    الَّذي تشبَّثَ بي، حِيْنمَا عانقتُهُ
    وأنَا أسِيرُ إلى جِوَارِكُمَا شَاردًا
    في ظلامِ الشَّارعِ وبَرْدِهِ
    وأنتُمَا مُنْهَمِكَتَانِ في حَدِيثٍ
    يتعلَّقُ بخروجِنا في هذِهِ السَّاعَةِ منْ ليْلِ الشِّتاءْ.
    V
    أصْعَدُ السُّلمَ الخشبيَّ إلى سَطْحِ الدَّارِ
    وأُطْلِقُ طيَّارتي الورقيَّةَ إلى أعْلَى فَضَاء
    تتموَّجُ كُلَّمَا أرْخيْتُ لها الخيطَ بمِقْدَارٍ
    وتختالُ رَاقِصَةً بغَمَزَاتي
    ولعِدَّةِ مَرَّاتٍ تكادُ أنْ ترفَعَني إلى الأعَالي.
    VI
    فَجْأةً ومِنْ دونِ أيِّ مُقدِّمَاتٍ
    رأيتُهُ أمَامِي مُبَاشَرَةً
    الثُّعبَانَ الأزْرَقَ الطَّويلَ
    على بُعْدِ خُطْوَةٍ منْ قدمَيَّ
    يَسُدُّ الطَّريقَ مَا بينَ سورِ السَّاحَةِ الشَّعبيَّةِ والغيطِ
    فلمْ أسْتطِعْ أنْ أقفِزَ مِنْ فوْقِهِ
    ولا أنَا جَرُؤتُ على الرُّجوعِ مُسْرِعًا
    وكادَتْ الكُتُبُ أنْ تسْقطَ منْ يدِي
    ودَاهمتنِي رَغبةٌ في التَّبوُّلِ
    لَسْتُ أعرفُ كيفَ بدأْتُ التَّراجُعَ
    وقلبي يتخلَّعُ مِنِّي
    طِيلَةَ الطَّريقِ إلى دارِنَا.
    VII
    تَتَشَقَّقُ الجُدْرَانُ في كُلِّ ليْلَةٍ يَا جدَّتِي
    وَأنَا مُسْتيقِظٌ وَحْدِي
    مُرْتَعِدًا تَحْتَ الغِطَاءِ.
    VIII
    سَطْحُ الدَّارِ، هُوَ المكانُ الأثيرُ لديَّ
    آوي إليْهِ، خُلْسَةً، على
    دَرَجَاتِ السُّلَّمِ الخَشَبيِّ، وَمَا بَيْنَ
    جرَارِ الجُبْنِ القَدِيمَةِ، وَبَقايَا الأشْيَاءِ، أسْتَنِدُ
    على الحَائطِ الطِّيني الخَفِيْضِ
    مُسْتَمْتِعًا بتفاصِيْلِ المشْهَدِ الكُلِّيِّ.
    IX
    قُبيلَ أيِّ امتحانٍ لا أسْتطِيعُ النَّومَ ليلاً
    فلمَاذَا تُعذِّبينَ نفسَكِ بالجلوسِ إلى جَانبي
    أنْتِ تنامِيْنَ وأنْتِ قاعِدَةٌ
    قُومِي أنْتِ ولا تشْغلِي بالَكِ يا جدَّتي.
    X
    لماذَا كلَّما عَبَرْتُ منْ الشَّارعِ المؤدِّي إلى مدرسَةِ النَّهضَةِ الابتدائيَّةِ
    تتقدَّمُني عينايَ إلى مَدْخَلِ المدْرَسَةِ
    مُنْتَظِرًا خُروجِيَ أتعثَّرُ في زِحَامِ الأوْلادِ
    وباحثًا عنْ أحْضَانِ الجدَّةِ المنْتَظِرَةِ أمَامَ البَابْ؟.
    XI
    المرعِبُ في المسْألَةِ أنَّهَا كانَتْ صَدِيقَةُ أمِّي
    الجَارَةُ الَّتي اسْتَوقَفَتْنِي في طريقِ عَوْدتِي
    وَأنْبَأتْنِي أنَّهَا سَتَصْعَدُ لِي
    لأكْتُبَ رِسَالةً إلى زَوْجِهَا
    المرْأةُ الَّتي أهْمَلَتْ الرِّسَالةَ، وَحَرَّرَتْ جَسَدِي
    وَقَادَتْنِي إلى مَجَاهِلَ، لمْ أزَلْ أتَخَبَّطُ فيْهَا.
    XII
    صَبَاحَ يومِ عِيْدٍ
    أنْتِ تسيرينَ في غَبْشَةِ مَا قبلَ الشُّروقِ
    وأنَا أتشبَّثُ بطَرْفِ جِلْبَابِكِ الأسْوَدِ
    في الطَّريقِ المؤدِّيةِ إلى المقَابرِ
    أنْتِ شَاردَةٌ يا جدَّتي
    وأنَا أتأمَّلُ صَحْوَةَ العِيْدِ
    في الطَّريقِ المؤدِّيَةِ إلى المقَابرِ.
    XIII
    لمْ أكُنْ بينهُمْ وهُمْ يُشعِلُونَ النَّارَ في المنزلِ المواجِهِ
    كُنْتُ جَالِسًا على عتبَةِ الدَّارِ وَحْدِي
    ولكنَّهُمْ أخبروكِ بأنَّني أنَا الَّذي أشْعَلْتُ
    كيفَ هنْتُ عليكِ إلى هذَا الحدِّ
    ولمْ تُصَدِّقي رُعْبِي ورَجَائِي وصُرَاخِي
    وأنْتِ تُشعِليْنَ في يدَيَّ ورِجْليَّ نيرانًا وتقولينَ:
    سَأُريكَ مَا الَّذي تَصْنَعُ النَّارُ يَا شَريفُ؟
    كيفَ مَرِضْتُ أيَّامًا، ومَرِضْتِ بي، حتَّى النِّهايَةِ، يا أمِّي؟.
    XIV
    حَرَامٌ عليكِ واللهِ يا أمِّي
    يَشْتُمُونَ فأشتمُهُمْ؛ فلا يعنيكِ سِوَى أنَّني أشتُمُ
    ولا تَسْتَمِعِيْنَ إلى أيمَاني،
    وأنْتِ واثِقَةٌ أنَّني لسْتُ أكذِبُ.
    XV
    مُدرِّسُ الألعابِ
    البدينُ
    ذو الكِرْشِ
    والعَصَا الغليظَةِ والسِّبابِ
    الَّذي يتصوَّرُ أنَّنا نُصدِّقُ أنَّهُ بَطَلُ الجمهوريَّةِ في المصَارَعَةِ
    لمجرَّدِ أنَّهُ مُدرِّسُ الألعَابِ!
    هُو الَّذي هَوَى بعَصَاهُ على ذِرَاعِي يا أمِّي
    لمجرَّدِ أنَّني – أثناء طابورِ الصَّباحِ – تعلَّقتْ عيناي بطائرٍ
    ينطلِقُ إلى الأعَالي
    واللهِ مَا تَشَاجَرْتُ مَعَ أحَدٍ
    ولا ضَرَبَنِي عيِّلٌ مِنْ العِيَال.
    XVI
    تعلمِينَ أنَّني لا أُطِيقُ أكلَ اللحومِ
    ولكنَّكِ لا تكُفِّينَ عنْ المحاولةِ
    وكِلانَا يتعذَّبُ يا أمِّي
    أنْتِ تُحَذِّريننِي، في كلِّ مرَّةٍ، بأنَّني سَأنشَأُ بغيرِ جُهْدٍ
    أمَّا صُويحباتُكِ، فكُنَّ يَسْألننِي، بنبرَاتٍ ذاتَ مَغْزَى:
    وَمَاذَا ستفعلُ حِينمَا سَتَتَزَوَّجُ؟
    إحْدَاهُنَّ قالتْ: ولاَّ لنْ تأكلَهَا إلاَّ على يدِ امْرَأتِكَ؟.
    XVII
    لنفترضْ مثلاً يا أبي أنَّني أخْطَأْتُ
    يُخْطِئُ العيِّلُ ويجرِي إلى أحْضَانِ أبيهِ
    ألسْتُ ابنَكَ البِكْرَ الَّذي تمنَّيتَنِي
    وطلبتَنِي منْ اللهِ؟
    وعلى الرَّغمِ منْ أنَّكَ لمْ تأخُذْني إلى أحْضَانِكَ مَرَّةً
    أو تأخُذْني إلى رِحْلَةٍ
    – كمَا يحدُثُ في المُسَلْسَلاتِ والأفْلامِ –
    فإنَّني لمْ أُخْطِئْ يومًا الطَّريقَ إلى محبَّتَكَ.
    XVIII
    لأنَّكَ لمْ تكُنْ تتحمَّلُ بُكاءَ طِفْلٍ
    يَتَصَادَفُ في مَرَّاتٍ عديدَةٍ أنْ أكونَ إلى جِوَارِكَ في طريقٍ
    وَنَرَى طِفْلاً يتعذَّبُ على يَدَيْ آخَرٍ
    الولدُ يبكِي والآخَرُ يَضْرِبُ في جُنُونٍ
    تنتفِضُ فَجْأةً وتُخلِّصُ الَّذي يبكِي
    تَنْهَرُ الآخَرَ؛ فيجرِي، ويُمْطِرُنَا بالحِجَارَةِ.
    لا يعنيكَ سِوَى أنْ تمسَحَ دموعَهُ، وتنفِضَ عَنْهُ الغُبَارَ
    ، ويمشِي مَعَكَ مَكَاني يا أبي.
    XIX
    يدِي في يدِكَ
    وَنَحْنُ نَقْطَعُ طَريقَ العَودَةِ الليلِيِّ
    وَدَائِمًا أتَعَثَّرُ في شَيءٍ
    وَتَنْهَرُنِي يَا أبِي.
    XX
    لمْ أكُنْ أعْلَمُ أنَّ انفجَارَ جمجمةٍ يُمْكِنُ أنْ يُحْدِثَ كُلَّ هَذَا الدَّويِّ
    كُنْتَ مُنْطَلِقًا بدراجتِكَ الجديدَةِ إلى آخِرِ الحارَةِ مُسْرِعًا
    وكُنْتُ أُناديْكَ أنْ تنتظِرَ، وأنْتَ تضحَكُ
    لم تكَدْ تُغاَدِرُ الحارَةَ وتتجِهُ إلى الشَّارعِ حتَّى سمِعْتُ انفِجَارًا
    وصِيَاحًا جماعيًّا.
    كانَتْ هيَ المرَّةُ الأُوْلى الَّتي أرَى فيْهَا الموْتَ وَجْهًا لوَجْهٍ.
    XXI
    هُو أصْلاً كانَ يُمثِّلُ علينَا كثيرًا
    ولهذَا لمْ نُصَدِّقْ ونحنُ نُنَاديهِ ونهزُّهُ أنَّه مَاتَ
    بحثْنَا عنْهُ كثيرًا حتَّى وَجَدْنَاهُ بينَ المقَابِرِ
    هتفْنَا ونحنُ ننقضُّ عليْهِ منْ كلِّ جانبٍ
    ونَسْخَرُ منْ سكونِهِ وثباتِهِ الكامِلِ
    وفجأةً شعرْنَا بالموْتِ يُحيطُ بنا منْ كُلِّ نَاحِيَة.
    XXII
    لماذَا أُحِسُّ – بينَ وقتٍ وَآخَرٍ-
    وأنَا أتطلَّعٌ إليكُمَا معًا
    أنَّني غريبٌ عنْ هذِهِ العَائلَةِ
    وأنَّني في الحقيقَةِ لسْتُ مِنْكُمَا أصْلاً
    وأنَّني أعيشُ تمثيليَّةً كئيبةً
    فكَّرْتُ أنْ أكتبَهَا يومًا مَا في قصَّةٍ بعنوانِ: المجهولْ.

    منقوول

  2. #2
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: June-2018
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 31,257 المواضيع: 298
    التقييم: 26268

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    نـوتيلآ
    تاريخ التسجيل: August-2014
    الدولة: العرآق _مـيسـآن
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 70,137 المواضيع: 2,180
    صوتيات: 3 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 39714
    مزاجي: حسـب آلظـروف
    أكلتي المفضلة: آلسـمـگ
    موبايلي: كلكسي Ã12
    آخر نشاط: منذ 12 ساعات
    مقالات المدونة: 2
    احسنت النشر

  4. #4
    من أهل الدار
    ورد ياس !
    تاريخ التسجيل: December-2019
    الدولة: من ارضٍ فيها شمس الحب تعانق وجه الحريه
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 9,760 المواضيع: 2,050
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 20571
    مزاجي: ^^
    أكلتي المفضلة: حبـات قـَـمـح..
    موبايلي: هسـهسـه ..
    مقالات المدونة: 1
    جميله دمت لنا رماادو

  5. #5
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Haidar Iraq مشاهدة المشاركة
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة انثى مخمليةة مشاهدة المشاركة
    احسنت النشر
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة SOLA مشاهدة المشاركة
    جميله دمت لنا رماادو
    اهلا بكم

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال