.
(1)
في آخر العالم
على أطراف صحراء نائية
وبخيمة وحيدة وطارئة
أتمدد عاريا
أتهجى نعيق غراب حائر
يحمل رسالة لعواصم ترتاب في روحي
وبلاد رحلت بيوتها في هجرة غير شرعية لسماء مجهولة
أقرأ وجوه أهلها بعينين ذابلتين
وجسد شاحب استسلم لمناجاة نجمة عليلة
بآخر ما تبقى له من دم
وثمالة من رمق الحياة
ومحبة دفينة لراعٍ عجوز وبسيط يشبه أبي
أبسط من نبع تحت قمر حزين
أرقب عربة إسعاف تضيئ ليلا
تقطع بلاد العالم بسارينة مذعورة بحثا عني
تحمل امرأة – توشك على الموت – في حاجة لنقل دم طازج
لفصيلة نادرة تسري في عروقي
تأخذ ما تبقى لي من دم شحيح فيضيء قلبها
و تهبني آخر ما تبقّى من ونس عينيها
فأطير بعيدا
أهوي كنورس مهاجر برصاصة طائشة
يطلقها نصٌّ قديم لم أكتبه
أسقط على سطح منزل بعيد
لامرأة حزينة
كانت الفتاة الوحيدة
التي أحببتها في غابر حياتي .
(2)
تائها في المجرّة
يأرن جسدكِ الحرون
يأتيني من وراء الكثبان
شجرَ لوزٍ وتينٍ أخضر
يهلُّ خلف الروابي
شمساً بلا كُحلٍ أو حنّاء
يراهن الغصون على بريق مشمشه
نهدا صبوحاً
يقامر العنب السكران ألا يذوب
والنار
على وضاءة اللهب المستعر
يعبر غابة الوحشة
صقرا رمّاحاً
جدولا فتيّاً تغازله الأزهار
يثِبُ على جسدي المرضوض بالمواجع
فهداً يقبض غزالا ..
من ألهمه
إن لم يغتنم زمنه الشَرُود
كل الفرائس
تصير ترابا
..
أي عناء نحتمله هذه الرحلة !
المسافة التي قطعت بين جسدينا
لن ترد إلينا صهوة الروح .
(3)
كلما ضاقت بنا الأرض ..
وقفنا على هذه المحطة
تنقلنا القطارات إلى بلاد مجهولة
وراء المدن والمواني
ينمو خلفنا الصبار الكفيف .. بغير كلفة
يقطع طريق العودة
لثرثرة الزوجات في الأفنية
وجلبة أطفالنا حولهن
وطواحين الشعير التي يهدر صداها
نحمل فوانيس نسياننا ونمضي
آملين أن ينسى الأحياء
– مع الوقت –
ملامحنا الباهتة
وأن نظفر بشحوب جليل
يليق بموتانا .
منقوول