ما هي بيداغوجيا التعاقد ؟ و كيف توظف لحل المشكلات الصفية ؟
ما هي بيداغوجيا التعاقد ؟ و كيف توظف لحل المشكلات الصفية ؟
بيداغوجيا التعاقد من الاتجاهات الحديثة في مجال التربية و التعليم ، و التي تهدف إلى طرح بدائل تربوية للعقاب بكافة أنواعه، و إيجاد حلول المشكلات الصفية التي يصادفها المعلمون في فصولهم الدراسية. فما هي إذن بيداغوجيا التعاقد ؟ و كيف يمكن تطبيقها في الفصول الدراسية؟
1- ما هي بيداغوجيا التعاقد ؟
أ- تعريف بيداغوجيا التعاقد
التعريف الأول
بيداغوجيا التعاقد هي تنظيم لوضعيات التعلم عن طريق اتفاق متفاوض بشأنه بين شركاء ( المدرس و المتعلمون ) ، يتبادلون بموجبه الاعتراف فيما بينهم قصد تحقيق هدف ما، سواء كان معرفيا أو منهجيا أو سلوكيا. ( الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي ، ص 32 )
التعريف الثاني
تعرف بيداغوجيا التعاقد بكونها اتجاها بيداغوجيا يقوم على مبدإ تعاقد المتعلمين و مدرسهم و اتفاقهم على الالتزام بأداء مهام أو تحقيق مشاريع معينة، تسهم في تطوير الممارسة التربوية من جهة، و توطيد العلاقة الوجدانية الانفعالية بين المدرس و المتعلمين، و بالتالي الابتعاد أكثر عن العنف و الممارسات اللاتربوية.
التعريف الثالث
التعاقد البيداغوجي حسب العالم التربوي MIALARET ميالاري إجراء بيداغوجي مقتبس من ميدان التشريع والصناعة، يقوم في إطار اتفاق تعاقدي بين طرفين هما المدرس و التلميذ، و ينبني هذا الاتفاق على مفاوضة بينهما حول متطلبات المتعلم و أهداف التعليم و واجبات كل طرف و حقوقه، و أهداف و مرامي عملية التعليم و التكوين.
ب- أسس بيداغوجيا التعاقد
يندرج التعاقد البيداغوجي ضمن ما يسمى تيار استقلال الإرادة في التعليم، و يمكن اختصار أسسه في النقط التالية:
- الحرية: و نعني بها حرية الاقتراح والتقبُّل والرَّفض، حيث لا يمكن إكراهُ المتعلِّمِ على إنجازِ عملٍ ضدا على رغبته.
- الالتزام: شكلٌ من أشكال تبادلِ الاعتراف قصدَ تحقيقِ أهدافٍ معيَّنة: معرفية – وجدانية – ومهارية.. و هو الأساس الذي يعطي القوة والمشروعية للتعاقد البيداغوجي، ويحفز المتعلم على تطبيق بنود العقد.
- التفاوض: حول بنود العقدِ التَّعليمي – التعلُّمي بين الشُّركاء: المعلِّم من جهة، باعتباره المنشِّطَ، والمتعلِّم من جهة ثانية باعتبارِه الشَّريكَ التَّربويَّ.
- الانخراط المتبادل في إنجاح التعاقد :ويهم شعور الطالب بانخراطه الدائم طيلة مدة التعاقد لأن التعاقد يمنحه فرصة لتجريب استقلاليته بتحمله للمسؤولية. كما يجب أن يبدي المدرس نفس الالتزام والانخراط في وثيقة التعاقد.
ج- أهداف التعاقد البيداغوجي
يهدف التعاقد البيداغوجي باعتباره من الطرق الحديثة في تدبير التعلمات، إلى تحقيق ما يلي :
- تشجيع المتعلم على التعبير والتصرف ضمن حدود حريته الشخصية، و في احترام تام لحرية الآخرين و حقوقهم.
- تطوير آليات التفكير الإبداعي لدى المتعلم في إطار قواعد و آليات الحياة المدرسية.
- استثمار الخطأ باعتباره أساسا للمعرفة، و معالجته ضمن إطار علمي تعاقدي.
- تحقيق التنمية الذاتية : فالتعاقد يشجع التعلم الذاتي ، مما يفجر القدرات و الطاقات الابداعية خلال مسار التعاقد و يساهم في بناء الثقة في النفس و الشعور بالأمان.
- تحقيق التوافق الاجتماعي و تدريب المتعلمين على التعايش و حل المشكلات عن طريق آليات الحوار و الاقناع.
د- بيداغوجيا التعاقد و مفاهيم أخرى
1- العلاقة بين بيداغوجيا التعاقد و البيداغوجيا الفارقية
بيداغوجيا التعاقد تقنية من تقنيات البيداغوجيا الفارقية، و تهدف إلى تحقيق مبدأين من مبادئ الفارقية : تقليص فوارق التعلمات و تحقيق تكافؤ الفرص.
من جهة أخرى، يعتبر التعاقد آلية مهمة للبيداغوجيا الفارقية من جانبين يهمان المحتويات و السيرورات التي تتطلبها تلك المحتويات، حيث تسمح ممارسة بيداغوجيا التعاقد بما يلي:
- تنويع محتويات التعلم: يتم اللجوء إلى ذلك حينما يلاحظ المدرس أن نقطة معينة لم تفهم بما فيه الكفاية من طرف مجموعة صغيرة من التلاميذ، فيتم اللجوء إلى التعاقد بين المدرس و المجموعة، إنه التفاوض حول تعاقد من أجل إنجاح تدبير وضعية.
- تنويع مسارات التعلم: يصير التلميذ فاعلا في التفاوض، فهو يكتب و يتحدث و يتأمل و يفكر و يقترح و يقوم بردة فعل حسب سيروراته الذهنية، و يكون حرا في تدبير زمنه و ايقاعه حسب برنامجه و اهتماماته و امكاناته.
2- ما الفرق بين التعاقد البيداغوجي و التعاقد الديداكتيكي؟
1- تعريف التعاقد الديداكتيكي
يمكن تعريف الديداكتيك بوصفه أسلوب بحثٍ في التفاعلات القائمةِ بين المعرفة و المدرس و المتعلِّم، ويهتم علم الديداكتيك بمقاربة الظَّواهر التعليمية – التعلمية، وتحليلها ودراستها دراسة علمية.
أما التَّعاقد الديداكتيكي فيعرفه كي بروسو Guy Brousseau بكونه :
“مجموع السُّلوكيات الصَّادرةِ عن المدرِّس والمنتظَرة من المتعلِّمين، ومجموعُ السُّلوكيات الصَّادرة عن المتعلِّمِ والمنتظَرةِ من المدرِّس.
وهذا التعاقد عبارةٌ عن مجموعِ القواعد التي تحدِّد – بصورةٍ أقلَّ وضوحًا وأكثر تستُّرًا – ما يتوجَّبُ على كلّ شريك في العلاقة الديداكتيكية، تدبيره، وما سيكون موضوع محاسبته أمام الآخر”.
إن الصيغة الضمنية للعقد الديداكتيكي تسود حيثما التزم الأطراف بالمسؤوليات المحددة، وحالما يخرج التعليم عن مساره يبرز هذا العقد بصيغة صريحة و يلزم العودة إلى تعديل مسار هذا النظام.
2- الفرق بين بيداغوجيا التعاقد و التعاقد الديداكتيكي
من خلال ما سبق، يمكن القول أن التعاقد الديداكتيكي لا يكون صريحا و لا يعتبر التلميذ شريكا، و هو قواعد ضمنية محددة الأدوار سلفا، و هذا التعاقد يختلف عن بيداغوجيا التعاقد التي تنظر للتلميذ كشريك و مفاوض و مسؤول، له كامل الحرية في اختيار ما سيلتزم به.
للمزيد حول بيداغوجيا التعاقد، نقترح عليكم مشاهدة الفيديو التالي:
2- تطبيقات بيداغوجيا التعاقد :
عند تطبيق بيداغوجيا التعاقد، ينبغي مراعاة التوافق و التراضي حول البنود، و استحضار القوانين المؤطرة والمناهج والمقرَّرات والتوجُّهات الرَّسمية، و التحلي بقدر كبير من الإبداع و الابتكار و التطوير.
توظف بيداغوجيا التعاقد لحل المشكلات الصفية التي تمس مجالان رئيسيان من مجالات الحياة المدرسية: مجال صعوبات التعلم و مجال السلوك .
أ- بيداغوجيا التعاقد كحل لصعوبات التعلم الفردية
يمكن توظيف بيداغوجيا التعاقد كآلية تدخل لمعالجة حالة فردية تعاني من صعوبات في التعلم، و في هذا الإطار نقترح عليكم النموذج التالي، و المقتبس من الدليل البيداغوجي للتعليم الابتدائي :
ب- التعاقد حول قواعد الحياة المشتركة
يعتبر “ميثاق القسم” شكلاً من أشكال التَّعاقد البيداغوجي ، ويُصاغُ في بداية المَوسِم الدِّراسي؛ لتحديد قواعد الحياة المشتركة، و بيان حقوق و واجبات كل الأطراف. فيما يلي نموذج لميثاق القسم :