شَدُّوا إلَيكَ نياط َ القلبِ والعَصَبا
وَوَطَّؤوا خَطوَكَ الأجفانَ والهُدُبا
وَسَمَّروا كُلَّ ضِلْع ٍمِن أضالِعِهِم
في كلِّ مُنْعَطَفٍ جاوَزتَهُ نُصُبا
وَفَتَّحُوا لَكَ أبوابَ الصُّدورِ وَقَد
كانَتْ تَلوحُ كأنْ قَد أُوصِدَتْ حِقَبا
لو استَطاعُوا أضاءُوا مِن مَحاجِرِهِم
على طريقِكَ في تِلكَ الدُّجى شُهُبا
وَسَيَّروا الرِّيحَ مِن أنفاسِهِم شَرَفاً
أنْ يَحمِلوكَ على أنفاسِهِم حُدُبا
أنْ يَلمِسُوا مِنكَ كَفَّا ًباللَّظى غُمِسَتْ
وَيَلثِموا مِنكَ وَجْها ًبالسَّنا عُصِبا
وَيَحضِنوا ذلكَ الصَّدرَالذي حَضَنَتْ
عِظامُهُ الكَونَ كلَّ الكَونِ ما رَحُبا
أسبابُ أهلِكَ يا أوفاهُمُ رَحِماً
أقاطِعٌ أنتَ مِن أسبابِهِم سَبَبا ؟!
اُنظُرْتَجِدْ في عيون ِالنَّاس ِأيَّ هَوىً
يَكادُ مَن يَشهَدُ الأعناقَ مُتْلَعَةً
جَذلانَ تَهتِكُ عَنه ُالنَّظرَة ُالحُجُبا
إلَيكَ يُبصِرُ منها مَنظَراً عَجَبا
أكُلُّ قَلبٍ لَه ُ في ما شَدَوتَ بِه
شأنٌ ، فَكُلٌّ بِشَيءٍ منكَ قد جُذِبا ؟
أم أنَّها هالَة ُالمَجْدِ التي سَكَبَتْ
على الجَبين ِمنَ الأضواءِ ما خَلَبا
وأروَعُ المَجْدِ مَرْمَى هامَةٍ زَحَمَتْ
ذ ُرا السَّماءِ ، وَخَطْوٍ لم يَزَلْ تَرِبا !
ما كانَ مَجْدُ كَ مِزماراً تُرَنِّمُهُ
وَقَيْنَةً تَتَلَوَّى حَولَه ُ طَرَبا
وَلا رَنينَ كؤوسٍ كُلَّما امتَلأتْ
طَفَتْ حُلومُ ذ َويها فَوقَها حَبَبا
وَلا حَدَوتَ رِكابَ الأرذلينَ بِما
يُوحَى إلَيكَ ، وَلم تَمسَحْ لَهُم ذ َنَبا
بَلى ، رأيْتُكَ حَتْفاً والِجاً أبَداً
بيوتَهُم ، مُكْفَهِرَّاً، عاصِفاً ،غَضِبا
لم تخْشَ إذ ْكنتَ صِلَّ الرَّملِ مُنتصِباً
أنْ يَسلِبوكَ ، وَهَل مِن مُرمِلٍ سُلِبا ؟
حتى إذا عَجَمُوا صُلْبَ القَناةِ فَلَم
يُلْفُوا، كما وَهِمُوا، باناً ولا قَصَبا
جَرَتْ نُهَيْراتُهُم مِن حَولِ رَمْلَتِها
تُشَعشِعُ المالَ ،والألقابَ ،والُّرتَبا
تَوَهَّمُوا هامَةَ العِملاق ِتُثْقِلُها
تِلكَ الثِّمارُ فَتَحني جذعَها الصَّلِبا
لكنْ أبَتْ كلُّ ذ َرَّاتِ الرِّمال ِ فَلَم
تَشرَبْ، وَظلَّ مَهيبُ العُودِ مُنتَصِبا !
وَهَلْ يَقَرُّ جَناحٌ أنتَ ناشِرُهُ
إلاّ عَلى مُرتَقىً أو يَفرَعُ السُّحُبا !
أبا فُراتٍ ، وَلَنْ يَنفَكَّ مُرتَقِباً
شَوقُ الجموع ِ،وَلنْ تَنفَكَّ مُرتَقَبا
خَمسونَ عاماً صَواريهِم يَجيشُ بها
خِضَمُّ شِعرِكَ ما لانَتْ ، وَلا نَضَبا
أولاءِ واللهِ ، لو خَيْلُ الفُراتِ كَبا
طُوفانُها عَذروا أنَّ الفُراتَ كَبا
إلاّكَ يا حاديَ الطُّوفانِ ، لا عُذُرٌ
ولا شَفاعَةَ إنْ لم تَفرَعِ الشُّهُبا !
هذا هوَ المَجدُ سَبَّاقاً يُقَصِّرُعَن
أدنى مَرامِيه ِسَعيُ المَجدِ ما وَثَبا
ذا المَجدُ يا فاصِداً أعراقَهُ جَذِلا ً
أنْ يَشرَبَ النَّاسُ منها عَلقَماً عَذِبا !
ذا المَجْدُ يا مُطعِماً مِن لحْم ِصِبْيَتِهِ
تَجِفُّ كلُّ بحارِالأرض ِغَيْرَ دَمٍ
جُوعَ الجياعِ وَهُم أشجى الوَرى سَغَبا
وَهَبْتَ لِلنَّاس ِيَبقى دافِئاً رَطِبا
وَخَيْرُهُ ، وأُحَيْلاهُ ، وألصَقُهُ
بالرُّوحِ والفِكرِ، والخَفَّاقِ ما وَجَبا
أنَّا ، إذا لُحْتَ ، أومأنا بِألفِ يَدٍ
مُنَبِّهينَ بِها أفراخَنا الزُّغُبا !
أولاءِ أهلُكَ يا حادي مَواكِبِهِم
كم أُجْهِدُوا فحَدَوتَ المَوكِبَ التَّعِبا
تَرمي بِه ِالوَعْرَ لا يَلوي أعِنَّتَهُ
وَتَزحَمُ المَوتَ لا يَثني لَهُ رُكَبا
وأينَ تَلقى عَظيماً قالَ قافيَةً
فَقادَ في كلِّ بَيْتٍ جَحْفَلاً لَجِبا !
يا خالَ عَوفٍ وأكْرِمْ بالتي وَهَبَتْ
مُخَلَّدَ الشِّعرِ أنقى دُرَّةٍ وُهِبا
سَلْ عَن أُهَيْلِكَ هَل غَصَّتْ مَحافِلُهُم
وَلَم تَكُ القَلبَ مِمَّا قيلَ أو كُتِبا
هَل ارتَقى مِنبَراً لِلشِّعرِ مُلهَمُهُم
إلاّ وَكُنتَ خَيالاً دونَهُ انتَصَبا
حَتَّى لَتَنفَتِحَ الأجفانُ مُثقَلَةً
وَيُنصِتَ السَّمْعُ لا نَبْعاً وَلا غَرَبا
لَقَد قَرَعْتَ نَواقيساً مُدَوِّيَةً
تَرَكتَ كلَّ قَريض ٍبَعدَها لَغَبا !
قالوا اغتَرَبْتَ ، ألا فُضَّتْ مَقاوِلُهُم
متى رأيْتَ الأديبَ الفَرْدَ مُغتَرِبا ؟
متى سَيَفهَمُ هذا الخَلْقُ أنَّ لَنا
في كلِّ آهِلَةٍ مِن شِعرِنا نَسَبا
لَقَد رَحَلتَ عَزيزاً إذ تَرَكتَ لَنا
شقى غَريبَينِ فينا الفِكرَ والأدَبا !
سَل ِالعراقَ الذي غَنَّيتَ ، ما وُصِبا
وَما تَحَدَّى، وما استَعدى، وما غَضِبا
ألَم يَكُنْ مِنهُ أفواهٌ مُمَزَّ قَةٌ
تَمُجُّ والدَّمَ بَيْتا ًمِنكَ مُلتَهِبا ؟!
تاللهِ ما بارَكَتْ شَمسٌ مَرابِعَهُ
وَلا تَدَ لَّى بِه ِغَيمٌ ، وَلا سَكَبا
إلاّ سَمِعنا سَلاماً مِنكَ تُرسِلُهُ
عَبْرَ البُحورِ ، وَتَرجيعاً لَهُ طَرِبا !
يا واهِبَ الشِّعرِ مِن عَينَيهِ ضَوءَهُما
وَمِن جِراحٍ يُعانيها دَماً سَرِبا
وَمِن مَصائِرِ أطفالٍ تُطالِبُهُ
عُيونُهُم دونَ أن يُدني لَهُم طَلَبا
يُقَلِّبُونَ على شَعواءَ يُطعِمُها
مِن لَحْم ِ جَنْبَيهِ تِلكَ الأوجُهَ النُّجُبا
مُؤمِّلا ًأنْ تَهيضَ الرِّيحُ جَذوَتَها
آمَنتُ أنَّكَ أنقى الحاطِبينَ يَداً
فَتَستَحيلَ لِخيْرٍ دائِم ٍ سَبَبا
أنْ رُحْتَ طَوعاً لِنارٍ هِجْتَها حَطَبا !
يا خالَ عوفٍ وَقَد أضرَيْتَ جَذوَتَها
واحَسْرَتا ، إنْ أحِدْ عنها ، وَواحَرَبا !
نارٌ نَذَرنا لها الأضلاعَ مُضطَرَباً
حتى تَضَرَّتْ على أفراخِنا لَهَبا
وَلم يَزَلْ نَحوَها يَسعى بِنا خَبَباً
رَغمَ الأذى كَونُها أُمَّاً لَنا وأبا !
يا خالَ عوفٍ وَلم نَفزَعْ لِقافيَةٍ
مِمَّا نُعانيهِ ، سُلواناً ولا هَرَبا
وَيْلُمِّ كَفِّيَ مِن حَرفٍ أُسَطِّرُهُ
فَلا أرى بَعضَ عُمري فوقَهُ صُلِبا !
فَإنْ تَمَزَّقتُ عن آهٍ يُغالِبُها
صَبْري، فكُنْ عاذِرَ الصَّبْرالذي غُلِبا !
يا خالَ عوفٍ ،أأوراقٌ مُبَعثَرَةٌ
هذي القلوبُ نأتْ عن بَعضِها عُصَبا ؟
تَعَرَّت الدَّوحَةُ المِعطاءُ مُعْوِلَةً
وأذبَلَ الخُلْفُ ذاكَ المَرْتَعَ الأشِبا
وَقَطَّعَ الشَّكُّ أسباباً نَلوذ ُ بِها
في عاصِفٍ لم يَدَعْ مِن خَيمَةٍ طُنُبا
يا خالَ عَوفٍ وأشجى ما يُؤرِّقُنا
أنَّ المَصائبَ تُذ ْكي بَينَنا الرِّيَبا
في كُلِّ يَومٍ لَنا جُرحٌ نُفَتِّقُهُ
لِنَلعَقَ الدَّمَ يُوري الحِقْدَ ما شَخَبا
قَد يُسفَحُ الدَّمُ ، جُذ َّتْ كَفُّ سافِحِهِ
لكنْ أمَضُّ مِنَ السَّفَّاح ِ مَنْ شَرِبا !
أمسَتْ ظَلاماً قلوبٌ كانَ يَعمُرُها
مِن المَحَبَّة ِ نُورٌ ، لا أقولُ خَبا
لكنْ أرى زَمهَريرَالحِقْدِ يَصفَعُهُ
وَلا أرى شا جِباً مِن بَينِنا شَجَبا
يا خالَ عَوفٍ أقِلْني إنْ عَثَرتُ فَقَد
يَنبُوالصَّقيلُ وَإنْ لم يَنْبُ مَن ضَرَبا !
أورَيْتَ أنتَ زِنادي فاحتَرَقتُ بِهِ
عشرينَ عاماً صَبوراً، شامِخاً ،شَحِبا
وإنَّني مِنكَ فَرْخُ النَّسْرِ يَحمِلُهُ
على جَناحَيْهِ جَبَّارَينِ إن تَعِبا
عبد الرزاق عبد الواحد