بسم الله الرحمن الرحيم من يتمعن في قراءة ما حدث في كربلاء عام 61 هجرية سيكتشف بأن ما حصل ليس معركة بقدر ما هي ثورة عظيمة لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا وحتى يرث الله الأرض، لأنها ثورة كل زمان ومكان، ثورة لم تكن خاصة بالمسلمين بقدر ما هي امتداد طبيعي للرسالة المحمدية التي كانت للعالم أجمع.
لهذا فإنها أكبر من أن يطلق عليها تسمية معركة تٌقاس فيها الأمور من زاوية الميدان والعدة والعدد، فأتباع الإمام الحسين(ع) في الطف الذين استشهدوا معه قلة قليلة جداً بالقياس لجيش الشام ومن معه، لكننا نجد اليوم بأن أتباع مبادئ الإمام الحسين(ع) الملايين من البشر، منهم المسلم ومنهم غير المسلم الذي وجد في ثورة الإمام قدوة له كما أكد ذلك غاندي بقوله (تعلمت من الحُسين أن أكون مظلوما لأنتصر). وهذا ما يجعلنا نؤكد تسمية الثورة التي ظل صداها يتردد حتى يومنا هذا، ولاشك إن الإمام(ع) قام بالثورة بسبب شعوره بالظُلم الواقع على الأمة، فطالما هنالك ظُلم فهنالك ظالم، وهنا نجد بأن ما دفع الإمام الحسين هي الروح الثورية، وليست الروح القتالية كما يتصور البعض من المؤرخين ويصفها بالمعركة في محاولة لتجريدها من الصفة الثورية التي كانت السبب الرئيس لقيام الامام بها.
إن ما حصل هو صراع أزلي بين الخير والشر، الحق والباطل، العدل والظلم، النور والظلام، بين الأمل واليأس، بين الرضوخ والثورة، تجسد كل هذا في واقعة وثورة الطف، لم يكن طرفها الأول الامام الحسين(ع) وطرفها الثاني جيش يزيد، بل كان طرفها الأول الإنسانية المحبة للخير والعدل والمساواة، الرافضة للظلم والجور، وطرفها الثاني الظلم أينما كان ووجد.
لهذا فإن وجود الإمام الحسين(ع) على رأس الجمع المؤمن المتصدي للطاغوت، إنما جاء هذا من خلال القيم العظيمة والسامية التي ترسخت في فكر الإمام الحسين، ومنحته القدرة على أن يكون صاحب الصرخة العظيمة بوجه الظلم، ثورة كان لا بد لها أن تحصل لتصحح كل الأخطاء التي وقعت، وهنا يجب أن نؤكد بأن أول معطيات هذه الثورة جاء من خلال كشف الأقنعة التي حاول البعض الاختباء خلفها باسم الدين والإسلام، ومحاولة تسيير أمور هذا الدين بغير الاتجاهات التي جاءت من أجلها الرسالة السماوية.
ومن بين ما حملته ثورة الإمام الحسين(ع) من معطيات إنها جسدت عمق الترابط داخل الأسرة الواحدة التي تربت في بيت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) هذا الترابط الذي يوحي لكل من يقرأ التاريخ بإمعان بأن هذا البيت الطاهر هو النموذج الصادق للنهج الإسلامي الذي يستهدف بالأساس بناء الأسرة وبناء المجتمع الصحيح، بعيداً عن أطماع الدنيا وغلبتها، وهذا ما جعل أكثر من نصف شهداء كربلاء من آل بيت الرسول الكريم (ص)، بيت يٌقدس الشهادة ويسعى إليها حينما تكون هي الخيار لتصحيح مسارات الدين الحنيف، لأن الشهادة في مفهوم الثورة الحسينية تعني الحياة وضخ الدماء الجديدة للإسلام، فلو لم تكن ثورة الطف لما كان للإسلام شأن، لأنها أيقظت ما نام الناس عليه واسترضوه عنوة أو خوفاً، وهنا نجد بأن ما جرى في أرض كربلاء كان ثورة لا بد منها لكي توقظ النيام من نومهم، والغافلون من غفلتهم، وهي لم تكن تحمل رسالة لزمن بعينه بقدر ما إنها كانت عبارة عن رسالة تمتد لكل الأزمان.
منقول