.
السماء الثامنة للقصف
……..
… وخرجتُ من الشَّامِ ،طفلا
ركبتُ البحرَ
وأطلقتُ ساقيَّ ،لريحٍ
لا تشتهيني
وسمعتُ الصَّاحبَ يقولُ :
اركبْ غرقكَ ،لتنجو
ورأيتُ البِلادَ ؛
مُمدّدة في جُثَّةٍ ،بحجمِ نبيٍّ صغيرٍ
كأنها ؛ضميرُ العالم.
..
فتحتُ عيني من موجٍ
فوجدتني ،
مُحْتجِبا عنِّي
وألفيتُ آنيةً من اللَّبنِ و العسلِ و الخمرِ
مصفوفة أمامي
وقيل لي :
اشربْ.
فصرختُ ؛حتى تفصَّدَ الدَّمُ
في إناءٍ ،
يُشبهُ جُمجمتي
وقيل لي :
ادخل
فولجتُ،
وكانَ ثمَّة سمواتٌ سبعُ
………………………….
السماء الأولى :
فُتِحَت البابُ
دون أن أطرقَ مستأذنا
فسمعتُ صوتا بهِ انكسارُ القصبِ الحُلوِ
يناديني لأن أدخل
دلفتُ ،
فوجدتهُ آدمَ ،في سلسلةٍ من الطِّينِ
والنَّارُ حولهُ ، تخرجُ من أذنيهِ وعينيهِ
وأنفهِ
فلا يرى و لا يسمعُ و لا يتنفَّسُ
غيرَ دخَّانِ الحروبِ
فقلتُ : ما بالكَ آبتي
فقال لي :
هذه ضريبةُ الخلقِ/الحريَّة
فإذا رجعتَ
لا تسجد للطَّاغيةِ
لا تكن عبدا
ودعِ الأيامَ ،
تحترقُ بالأيّامِ
…………………..
السماء الثانية :
نزلتُ بالسَّماءِ الثانيةِ
جُرحا
فكنتُ الدَّواةَ ،
الجسدَ ، أبيضَ من صفحةٍ
القلمَ، أغلظَ من مسمارِ
وسمعتُ الآلامَ ،تنوحُ من صليبٍ
المسيحَ ؛معلَّقا على العرشِ
وقالَ لي :
والدِّماءُ تقطرُ من عينيهِ
اكتبْ بدمكَ ،
لترى، أبعدَ من صليبٍ
…
………………….
السماء الثالثة :
ما كدتُ أنزلُ ،
حتى كادَ يُغمى عليَّ ،
من حضرةِ الحُسْنِ
كان الفتى يجلسُ على بحرٍ من الضَّوءِ
يزيِّنهُ أحدَ عشر كوكبا.
بينما الشمسُ و القمرُ ،يتاغيانِ العشقَ
ويشربانِ كؤوس النبيذ.
قلتُ لهُ :
حديثني ، عن الذي يأكلُ الطَّيرُ من رأسهِ
ويعصرُ دمه ،خمرا
عن سبعِ سُنبلاتٍ عجافٍ
تأكلهنَّ سبعٌ عجافٌ
فقال لي :
تلكَ الأيّامُ السبعةُ في بلادكَ
لا تأكلُ إلاَّ من قلبكَ
لا تشربُ غير دمِكَ.
فشكرتهُ ، وانصرفتُ
ثمَّ رأيتهُ يبكي دما
شممتُ رائحتهُ في القميصْ
…………………
السماء الرابعة :
خلعتُ حذائي ،
وأتيتُ إليهِ حافيا
إلا من جوعي
عاريا
إلا من وجعي
قلتُ لهُ :
افضحِ السِّرَ، لأستريحَ من تعبي
فقالَ لي :
الوجودُ ،كلُّهُ إشارة
فلا تتعب نفسكَ بالسُّؤالِ
فإذا انكشفَ السِّرُّ
ما كان ثمة خالقٌ و لا مخلوقٌ
وما كانَ ثمَّة ،حربُ
……………………
السماء الخامسة :
قالَ لي السَّالكُ :
ما أوتيتَ من العلمِ إلا قليلا
فإذا علِمتَ ،جهلتَ.
ثمَّ رفعتِ الحُجبُ
فرأيتُ “العلمَ المستقرَّ هو الجهلَ المستقرَّ”
فتركتُ المعرفةَ ،
تتنوَّعُ مع الأنفاسِ ، تختنقُ في “غاز الكلور”
في الأدخنةِ ، ترتفعُ من حفلةِ الشِّواءِ الآدميِّ
وجمَّعتُ أشلائي ،
في هيئةِ قبضةٍ
وكانَ وجهُ العدمِ
شاخصا أمامي
……………………
السماء السادسة :
بعدَ أن لطمتُ وجهَ الموتِ
استقبلني ، الذي في لسانهِ لثغةٌ
وفي قبضتهِ ، ينمو الوحيُ ،
كجيشٍ من الموتِ المختارِ
قال لي :
أنتَ لستَ منِّي ، وأنا لستُ منكَ
و لكن ،
لا تطلبْ أن ترى اللّهَ ، أو تستجيرَ بهِ من النَّارِ
كنْ نارا ،
لتنطفِئَ البلادُ
…
……………………
السماء السابعة :
ألقيتُ بنفسي ،في النَّارِ
فكانتِ النَّارُ ؛
حربا و سلاما
…
ثمَّ رأيتهُ ؛ يمدُّ جسدي على صخرةٍ
و السَّيفَ يبرقُ في العُنقِ
ولم أرَ وحيا سماويّا ،
يفتديني
ورأيتُ النارَ ،
تأكلُ أطرافي
…
………………….
السماء الثّامنة للقصف :
بعدَ أن سقطَ الغُرابُ
وانكسرَ جناحهُ المثقلُ بالدَّفنِ
نبتَتْ لهُ أجنحةُ “السوخوي”
وخرجتْ من الكهوفِ البدائيةِ :
الديدانُ ،و الطيورُ الجارحةُ ،و الدببةُ المتجمِّدةُ في ثلجِ القطبِ ،و الديكةُ المخصيَّةُ في الخُرمِ، وذئابُ الجبلٍ ، وضباعُ البريَّة ، وخنازيرُ الغابةِ ، والعقبانُ الشَّائخةُ ، و التنين الأسطوري ،و الدينصوراتِ المنقرضة ، والوحوش التي لم نسمع بها ، و الأنيابَ التي نبتت للخرافِ ، و المخالبَ تطورت في قوائمِ البقرِ ، وجيشٍ من الرِّعاع …
لقد سقطَ الطَّاغيةُ
ليرتفعَ ،
في سماءٍ من القصفِ .
منقوول