قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الخامس عشر
إذن ضعف الإيمان والتوحيد تجسد بهذه الهيئة من التعثرات في الجواب، وبينما أنا في تلك الدوامة من الفكر وإذا بأحد الملكين يصرخ في وجهي:
ــ لماذا لم تجب حتى الآن عن سؤالنا؟ ألم تعلم من ربك ومن كنت تعبد؟
وقبل أن أبدأ كلامي المتعثر من جديد سمعت أحد الكائنات النورانية ينادي:
ــ قل ربي الله، قل ربي الله الذي لا اله إلا هو.
بعدها نادت جميع الكائنات النورانية بصوت واحد منتظم:
ــ قل ربي الله، قل ربي الله الذي لا اله إلا هو.
وبعد أن سمعت كلامهم قل اضطراب واطمئن قلبي وانطلق لساني، فقلت:
ــ ربي الله، ربي الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر.
تنحى القبيح جانباً وكأنه فشل في مهمته السيئة، وبقي ينظر لي بنظرات حقد وشر منتظرا فرصة أخرى يتدخل بها.
قال أحد الملكين:
ــ إن توحيدك لم يكن خالصا لله بصورة كاملة. لقد كنت في بعض الأحيان تعلق الرزق أو النجاة من مصيبة وقعت فيها بأشخاص مخلوقين مثلك، كما إن بعض أعمالك كان يخالطها الرياء وحب الشهرة والسمعة، غافلا عن أن ذلك مخالف للتوحيد الخالص لله الذي بيده أسباب الكون ومسبباته، لذلك لم تتمكن من الإجابة إلا بعد مساعدة الولاية ورفقائها من الصلاة والصوم والزكاة والحج والعمرة والبر والإحسان، ولولاها لفشلت وأحرقنا عليك القبر وجعلناه بابا إلى نار جهنم التي توعدكم الله بها.
نظرت إلى الكائنات النورانية وقلت بصوت متعجب مندهش:
ــ إذن أنتم.. أنتم كما قال..
لم يجبني أحد منهم، وبدأ ينظر كل منهم إلى الآخر ثم قال أحدهم:
ــ إن منكرا يعرفنا ولا بد أن نكون كذلك.
التفت إلى الملكين بعد أن عرفت أيهما منكر وأيهما نكير فقلت:
ــ إذن الذي على يميني منكر والذي على يساري نكير.
قال منكر:
ــ بقيت أمامك أسئلة إن نجحت في الإجابة عنها نجوت، وإلا هلكت وبقيت في عذاب وبلاء إلى ما شاء الله. والآن أخبرنا من هو الرسول الذي أرسله الله إليكم وبأي دين جاء فأطعتموه(1)؟
كان لدي اليقين الكامل بنبوة الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وبرسالته، فقد طالعت الكثير من الكتب التي كانت تثبت ذلك، وتعطي الأدلة الشافية على صحة رسالته التي جاء بها، لذا لم تكن هناك صعوبة في الإجابة إذ قلت وأنا أظهر الاتزان والاطمئنان في كلامي:
ــ إن نبينا هو محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آمنت به بالدليل دون أن أراه، واتبعت رسالته دون أن أكون معاصرا له واتبعت خليفته من بعده علي ابن أبي طالب الذي كان حجة الله على خلقه، ثم تلاه في الإمامة أحد عشر كوكبا معصومون من الزلل، أمرنا بطاعتهم، فكانوا هم سفينة النجاة وسبيلا للهداية، وإذا شئت ذكرت لك أسماءهم واحدا تلو الآخر.
كنت خلال حديثي مع الملكين انظر لمن حولي فرأيت القبيح يشتعل غضبا ويمتلئ غيضا لدرجة أنه لم يحتمل البقاء، فترك موضعه واختفي فلا أثر له!
أما منكر ونكير فبعد انتهاء كلامي سمعتهما يتحدثان معا بصوت خافت لم أفهمه، بعدها توجه نكير إلي بالكلام وقال:
ــ انك سبقت سؤالنا حول الإمامة بحديثك فلا نسألك عنها، ولكن قل لي بأي دين جاء نبيكم وأي كتاب؟ وأي قبلة أوصاكم بالتوجه إليها؟
كنت في الدنيا احب قراءة القرآن كثيرا وأنس به، إذ كنت اشعر بأن الله تعالى هو الذي يخاطبني، وكلما تدبرت في آياته ازددت يقينا، وبدت لي معجزات عظيمة فيه، وظهرت لي حقيقة الدين الذي اعتنقته وهو الإسلام، ولشدة حبي لتلاوة القرآن كنت أحمله معي إلى موقع عملي، فأتلو ما تيسر منه في وقت فراغي، وبسبب هذه العلاقة بيني وبينه تمكنت من النطق بطمأنينة فقلت:
ــ نبينا الكريم جاء بدين الإسلام وهو اكمل الأديان وخاتمها، وكتابنا القرآن وهو ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ).
وقبلتنا الكعبة فهي محور توجه المسلمين إلى الله الذي أمرنا بها بقوله ( وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ ).
ماذا سيفعل منكر ونكير بسعيد بعد ان اجاب عن الاسألة.. هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء السادس عشر ان شاءالله تعالى