.
جدي لم يكن قاتلاً
صدقنى .. خبأ الغيم أيضاً
كما خبأ الخراطيش فى جيوب الصِديري
و لم يكن ابن ليل كما زعموا
باختصار
كان الرجل صاحب مزاج
و حين أفلس و لم يجد ما يقتات به
باع عفش البيت
حتى فكَّك _ آخر الأمر _ جرامافونه
ثم دفن البوق النحاسي فى الحديقة
إذ ربما صانت الأزهار العِشرة
و أزعجت فى غيابه بالنفير
قلوب الراحلات
تأبط بعدها الصندوق
الذى جاهد ليفرّغه من أسماك الموسيقى
و خرج
…..
…….
فى ( الإسكندرية )
كان يملؤه كل صباح بالفريسكا
ليبيعها على الشاطئ
و آخر الليل يحصي وحيداً خيباته ونقوده
قالوا
إن أميرة علوية رأته مع شقشقة الفجر عارياً
و حورية البحر تغنج تحت جسده الأسمر
ثم انسلت فى النهاية إلى الماء
بعد أن سدّت جوعها بشئ من بضاعته
و لوّحت من بعيد
فنزلت بنت الأكابر من شرفتها الملكية
يحثّها الشوق
لتذوق العجينة
**
و فى ( تـعــــز )
كانت الأرض خربة
و على وجه الغمر ظلمة و روح الله يرف
هناك
اغتنم الفرصة جيداً
فخزّن أوراق ” القات ” و الماريجوانا
ليهرّبها للجمهوريين من بنى جلدته فى الخنادق و الجبال
وطئ دساكر و حقول دم و فلوات
حاملاً صندوقه
حتى تقرّحت قدماه
آمن أن للحرب فوجا و توكاتا
أن قمر اليمن السعيد
حجر توتياء
لن يشفي رمد القلب أبدا
**
و بينما كان يتكوَّر من شتاء قارس
عند جذع يوكاليبتوس
ألقى بقايا صندوقه فى النار
و جثا
تذكر امرأة من ( سرقسطة )
قال لها ذات يوم :
لنا الأندلسي و الكوفي
و الأحرف السبعة
..
أذَّنتُ للإقامة
فدعى الطّاق على هيئته
لتكبّ عصافير الدلتا زقزقاتها
نصنا المنقوش يا حبيبتى لا يحتمل الناسخ و المنسوخ
تذكر شرانق ( طنجة ) الإسمنتية
كيف تقبض على فَرَاشها
تذكر صليباً
صنعه بيديه من صندوقه المكسور
ليمسح بزيت البهجة جهات قائظه
تذكر الأمازيغية
التى تاجر بعطرها و آسها
لمّا علّمته آخر مرة و هو يتحسس هيولاها
كمِديةٍ
أن للجسد صوائتاً و صوامت
تذكر البوق
الذى أكله الصدأ و الحنين
و حين عاد بعد أربعة أوكتافات و نصف
قرر أن يغرزه فى شجرة مجاورة
و أقسمت جدتي
_ بمقصوصها الطاهر _
أنها شافت موسيقى قارتة
تخرج
قافزة كثعالب الفنك
و رأى كل ما عمله فإذا هو حسن جداً !
و كان مساء
و كان ..
حتى إذا مسّه طائف من البلاد
استراح.
منقوول