قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الرابع عشر

إنني في عالم الدنيا لم اكن اصدق بدرجة اليقين ما اقرأه في بطون الكتب من تجسد الأعمال في عوالم ما بعد الموت، وكنت اعتبر ذلك غير قابل للتصور، إلا أن ما أشاهده الآن وألاقيه أثبت لي صحتها وصدقها، فقلت له:
ــ هل لك أن تخبرني عن أعمالي السيئة التي تجسمت بهذا الشكل المرعب من الوحوش والعقارب والثعبان؟
قال:
ــ إن كل مؤمن لا يقضي حاجة أخيه المؤمن وهو قادر عليها، يسلط الله عليه في قبره ثعبانا يعرف بالشجاع، ولأنك في مندوحة وبعد عن مثل هذه الموارد لذلك كان ثعبانك ضعيفا، وقد يظهر لك فيما بعد في المراحل القادمة من مسيرتك في عالم البرزخ(1). أما العقرب الذي علق بقدمك ولم يزل يؤذيك، فهو دين عليك لم تؤده إلى صاحبه.
قلت متعجبا:
ــ ولكني أديت كل الذي كان علي من أموال الناس، ولم يبق شيء في عنقي.
قال:
ــ قبل أحد عشر عاما اقترضت من صديق لك في الجامعة اسمه احمد مبلغا قدره ۳۰۰ دينار، ولم تره مرة أخرى بسبب انتهاء الدراسة، كما أنك لم تسجله في دفتر ديونك ولم توده له حتى الآن.
كنت أتلوى من الألم، وبين الحين والآخر يغرز العقرب إبرته في قدمي، فأصرخ صرخات عظيمة تقطع حديثي، لذلك وبعد انقطاع قليل عدت إلى الحديث فقلت له:
ــ بالله عليك اخبرني كيف السبيل للنجاة من هذا العقرب الخبيث؟
ــ إن العقرب سوف يبقى عالقا حتى يؤدي عنك شخص ما دينك في عالم الدنيا، أو يبرئك صديقك منه.
أصابني غم عظيم، وغمرني الحزن على نفسي، وأخذتني الحسرة على تلك التبعة المؤلمة، فليس هناك شخص يعلم بها وينقذني بأدائها عني، ولا أنا كتبتها في وصيتي ولا ...
وبينما أنا في تلك الدوامة من الفكر الذي اختلط به أنين الألم، وإذا بصوت مرعب مهول يملا القبر، فهو كصوت الرعد في السماء. نظرت إلى صاحبي الذي كنت أتحدث معه، فإذا به مبهورا من ذلك واتخذ جانبا من القبر مع رفقائه ليراقبوا ما سيحدث، أما أنا فكنت اكثر اضطرابا عندما رأيت كائنين دخلا القبر بهيئة ذات ملامح عجيبة غريبة وهيبة عظيمة مخوفة توحي إلى عظم شخصيتهما، فلم أر مثلهما مخلوقا قط في عالم الدنيا، كانت أبصارهما كالبرق الخاطف وأصواتهما كالرعد القاصف(2).
بادرني أحدهما بالسؤال قائلا:
ــ اجبنا من ربك؟
تذكرت ما قرأته سابقا في بعض الكتب عن الملكين منكر ونكير، وأنهما يختصان بسؤال الميت عن عقائده، حينها سألتهما:
ــ هل أنتما منكر ونكير؟
قال الآخر:
ــ نعم، ولا بد لك من الإجابة عن أسئلتنا كي نعلم صحة عقائدك، وأنها نابعة من الأيمان القلبي بها، لا عن تقليد ولقلقة لسان. والآن أجب عن السؤال الأول دون تأخير، من ربك؟
كان سؤاله للمرة الثانية بغضب اكثر وصوت أعلى، حينها أسرعت بالإجابة فقلت:
ــ ربي .. ربي ..
يا الهي إن لساني غير قادر على نطق ما أردت نطقه، بل نسيت ما أردت قوله ونويت الإجابة به، فأصبحت انظر إليهما تارة والى الكائنات المنيرة تارة أخرى لعل أحدهم يسعفني، وبدلا من ذلك رأيت شخصا اسود اللون كالقير، قبيح الشكل، موحش المنظر، قد برزت أنيابه فزادته قباحة فوق قباحته، وبدت منه رائحة كريهة زادتني نفورا منه. بدأ يقترب مني حتى استقر أمامي وقال:
ــ أراك كل لسانك عن النطق وتعثرت في الإجابة، ولكن لا بأس عليك فأنا سوف أنقذك من مأزقك، قل إن ربي هو أنتما الملكين، وكل شيء بيديكما، ألا ترى قوتهما وتسلطهما عليك، فلو شاء أحدهما أن يحرقك الآن لفعل. وعلى فرض أنني اكذب عليك كما تظن، ففي جميع الأحوال إن أجبت بما قلته لك، فسوف تنجو منهما لأن أي شخص تمجده وتمدحه فسوف تغمره نشوة الكبرياء والسلطة، وسوف يعفو عنك، بل قد يكرمك ويكافئك على تمجيدك إياه.
كنت متحيرا في أمري بين كلام هذا القبيح الأسود، وبين ما كنت أؤمن به من توحيد الله، فتساءلت مع نفسي لماذا لا يبرز هذا الأيمان بهيئة جواب للملكين، فهل أن توحيدي لله لم يكن خالصا في الدنيا؟ ام انه كان سطحيا لم يتوغل إلى أعماق قلبي، ولم يُعجن مع روحي التي لم تفنى حين موتي ولن تفنى حتى الأزل.




ماذا سيحصل لسعيد هل سيجيب عن اسألت الملكين ام سيتعثر بالاجابة.. هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء الخامس عشر ان شاءالله تعالى