بيوم من الأيام تُوفي رجل ما بإحدى قرى صعيد مصر، وبعدما أعدوه للقاء ربه من غسل وتكفين وصلاة عليه، حمله أربعة من الرجال حتى يوصلوه إلى مستقره الأخير وبقية الناس تتبعهم، وأول ما حملوه إذ النعش يجري بهم حتى أيقنوا بأن صاحبه ولي من الأولياء الصالحين، وأن هذه كرامة من كراماته وبالفعل أقاموا على قبره ضريحا، وأصبح الرجل الصالح الذي صار بعد موته من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون حديث أهل القرية ومثلهم الأعلى الذي يقتدون به، ولكن لا أحد يعلم حقيقته إلا ابنه الذي صار مذهولا من الأحداث الجارية أمام عينيه
فذهب إلى أمه مسرعا وفي حيرة من أمره يرجو من الله أن يضع حدا لكل ما يجول بخاطره، وسألها: “يا أمي كيف لأبي أن يصير ما هو عليه بعد موته وأنا أعلم الناس بحاله مع الله في حياته، يا أمي إن أبي لم يصلي ركعة واحدة لربه، لم يعرف طريقا للمساجد، لم يصم يوما، لقد كان يشرب الخمر كل يوم، ماله من الربا، يفعل كل ما يغضب الله؛ فكيف يا أمي صار وليا ولا أعلم عنه إلا كل سوء؟” فأجابته والدته:”يا بني إني أخشى عليك من معرفة حقيقة سره”
فأخذت بيده ومضت بالمنزل حتى أدخلته حجرة، ما عرفها من قبل، ونظرت إليه بحسرة وفتحت الباب، فإذا بصنم بوسط الحجرة، فأصيب الولد بصاعقة وقال بصوت متقطع يعلوه البكاء والنحيب:” ما هذا يا أماااااه؟!”، قالت:” هذا حال أبيك قبل موته، لقد كان يسجد للصنم من دون الله، وتأتيه الشياطين وتتصل به حتى جاء أمر الله وقضى نحبه، فقامت الشياطين بحمل نعشه ليظن الناس أنه ولي وأنها من كراماته”؛ فما كان من الابن إلا أن أخبر أهل قريته بحقيقة ما كان عليه والده ليعتبروا منها ويتعظوا.