.
مقاطع مختارة من إخوانِيجُـولا
أبانا الذي في المقطم ، نحنُ ضحاياكَ ، قشرْتَنا رويدًا ، وغرستَ النسيانَ فيما يشبهُ الذكرى ،فأصبحنا لا نشبهُ صورَنا القديمة ، و لا نحنُّ إلى ذكرياتِنا معًا ، و لا ننشغلُ عنكَ إلا بك .أرضعْتَنا مراوغاتٍ في الليل ،و هجرًا على هجر !و…عزلتنا …، ننظرُ ولا نبصرُ، نسمعُ استغاثاتٍ ولا نلتفتُ ،و كلما مشينا جاءتنا بيوتٌ بلا نوافذ ،و أشجارٌ ميتة تسقطُ عبرَ الأهداب ! وأقمارٌ أشبهُ ما تكونُ بجلطةٍ ، ولم نفهمْ حينئذٍ أنكَ تقطعُ حبالنا السُّرية ،وجذورَنا المخبأةَ في الطمْي،في الوقتِ الذي تجعلنا فيه أبناء شرعيينَ
للسهو!
بينَ المدنس و المقدس ، بين الممكن والذي لن يكون ،أهتزُّ كَبندولٍ و أخفقُ كقلبٍ ارتجفَ فيه خفاشٌ ماثلُ للقنص ،خفاشٌ وحيدٌ بأذنين كسيحتين .
الحقائقُ طافيةٌ كجثةٍ بلا رأس ،الحقائقُ مخبأة في سهو الشوارع الجانبيةِ .الحقائقُ ليستِ المرآة َفوقَ الحجارةِ المصقولة ،لكنها الظلُّ . ليست الخيط لكنها الوخزُ المتتالي كلسعاتِ النحل .الحقائقُ لا يمكنُ أن تمسكَها بأهداب قلبك . تتفلتُ كالحنين في معركةٍ .هي في النهايةِ دودةُ قز تفرزُ مشنقة من حرير .
…
الجدران تكتشف ذاتها في الجرافيتي ، أول الدهشة لم تكن تصدق أنهم يزيلون جحيم الرماد عن رئاتها التعسة ، أو أنهم التفتوا إليها أخيرا ؛ لتصبح المكان الوحيد الآمن لتخبئة الذاكرة ، إنها لا تصدق و كطائر يجرب جناحيه أولَ مرة ، ترتعد أمام الهجوم المباغت لليد العازفة بكل ألوان الطيف ، و تبتسم كعجوز تتحسس ما تبقى من صدى صدرها الضامر .
الجدران ها هي في ثوبها الخرافي الجديد …، لقد عاشت عمرها كله كمهرج في هذه الغابة السوداء المرصعة بالنيون ! ، كان جلدها المتقشف شركَ السياسيين للعامة ، و فخَّ الرأسماليين للفقراء ، كان وجهها يُجبَر على الابتسامة بكل ألوان العالم ،و يُحقَن ” بالسيليكون ” كأي شمطاء اعتقدت أنه بإمكانها مخالسة الوقت بينما تحت الجدران يرقد شحاذ بمعطف نفايات و شعر كثيف هائج و مكتظ بالكائنات ، لا أحد يراه ، ولا موت يطلبه !
الجدران عاشت حبيسة في هذا الفضاء اللانهائي ، كانت تئن في آخر الليل ، لا عسكري الدرك انتبه إليها ، ولا أي عاشق وحيد علق محبته على شرودها، عاشت كما تعيش الأحجار المنفية في الجبال التعسة ،و كأنها منبوذة أو ابنة سفـاح . الجدران كانت تبصر أخواتها من الأحجار عديمة الخبرة المرصوصة تحت البنايات الجديدة وهي تتسامر ببلاهة و لا تعي خطورة أن تكون حجرا في مدينة ،أن تكون حيا كميت، أو أن تكون حيا في حكم الميت ! الجدران اليوم لا تكلموها ؛ إن الكاميرات تدغدغ عواطفها ،و قنوات كثيرة تركع تحت أرجلها الخشنة ، وأطنان من الصور المثيرة للتعاطف . إنها تشعر كما لو أنها تولد من جديد . كأنها عادت للتو إلى حضن أبيها الجبل .ها هي تلقي كلماتها المقدسة في البحيرة الآسنة ،ها هي تخبر أي ديكتاتور أن العاصفة قد تولد في الجدار ، و أن الموتى قد يعودون إلى الحياةعبر ” صورة في جدار!!” الجدران نطقت ، صرخت في وجوه السفلة ، الجدران لولا أنها مشلولة القدمين لتحركت معنا !الجدران بكت و هم ينتزعون الوشم من فوق صدرها .الجدران انتحبت و هم يطلونها بالأبيض المميت و البازلت المقرف.الجدران ارتجفت وتشنجت ثم اكتشفتهم على حقيقتهم ثم صمتت للأبد!!
….
تنهش الكائناتُ الكائناتِ التي تدافع عنها !تلتهمها كما تلتهم الأناكوندا الوعول البرية
الغارقة في السهو . الكائنات التي تفتح الطريق أمام الكائنات قد تموت في التدافع المباغت
تحت أقدام الكائنات التي تستميت لتفتح لها الطريق !
الكائنات التي تفتح النوافذ لتغني للريح ، تموت مشنوقة في خفقة عاصفة ما بأنامل الستائر نفسها ،وتظل معلقة كبندول جاحظ العينين ، و جارح كصرخة !
الأشياء عالقة ثمة استغاثات فوق التوقع ،البهجة عالقة في النسيان.هناك شعب يُدَوَّخ في الباب الدوار لفندق المقبرة الانتقالية ، المصائر عالقة في زيت مصبوب بعناية عند مطلع الجسر ،الأحلام نائمة على مقود الشاحنة – أغلب الظن جرعة زائدة – . ≠النسيج الميتافيزيقي ≠ عالق و ينتظر من يحرره من مخالب كائنات النهايات المرعبة . برامج ” التوك شو “عالقة في مزبلة الشرعية . الصحف عالقة في وحل الرياء . اللعب على المكشوف وعما قليل سنجد الشعب كله وراء القضبان بتهمة الخَرَف !.
الهُتاف المظلة و الهتاف المهر والهتاف الممر والهتاف الصدمة والهتاف الصمت الذي هو أعلى من أي تسونامي والهتاف الرجفة والهتاف الرعد والهتاف حائط الصد و الهتاف الذي يرفع رأسه عاليًا رغم نزيفه و الهتاف الفراشة و الهتاف الشوكة و والهتاف الحربة و الهتاف النافذة ،و الهتاف النهر،والهتاف اليد الواحدة ، و الهتاف الأمومة ، و الهتاف الجسر ،
و الهتاف الشجرة ، كل تلك هتافات خرجت ولم تعد !!
أريد أن أفر بطفولتي المعرضة للسطو ، ثمة لصوص – يا سادة – بهواجس ملثمة ، ليسوا بمتحرشي ليل و لا عازفين على قيثارة الجسد ، إنما يمر عليهم المرء أسود الشعر ، فيدلف بعد حين مرتديا معطف تجاعيد ،وقد شاب بلحظة … !، طفولتي… معي ،و أريد أن أهربها، وهذا صعب ،لأن الملثمين هنا يسمحون بتهريب السلاح والمقابر الجماعية والخيانات الميدانية ، ولا يسمحون بأن يمر المرء بوردة أو حلم !. … … ..هنا يسمحون بتهريب الخيانات الميدانية و المقابر الجماعية و السلاح فقط !
منقوول