قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الثالث عشر
… انتهت ضغطة القبر وكأنها طالت سنينا وسنينا، فتركتني مكسر الأضلاع، مهشم العظام، لا أستطيع الحركة والنهوض، اصرخ صراخ الأطفال من الألم، ومما زاد الأمر عسرا أن وحوشا سوداء مخيفة دخلت القبر واستعدت للهجوم على بدني، وراحت تكشر بأنيابها المرعبة، وتنظر إلي بنظراتها الحاقدة، وتحت أقدامها ظهرت عقارب سوداء مخيفة، وفي جانب آخر انطوى ثعبان ضخم الهيئة مخيف المنظر كان يُخرج لسانه الملتهب مرة ويدخله أخرى، وكأنه يعطي تحذيرا باللدغ والافتراس، والذي يزيد المشهد وحشة أن جميعها كانت تصدر أصواتا مخيفة للغاية، وتخرج من أفواهها شرارات ملتهبة تنذر بافتراس قريب الوقوع، حينها سالت دموعي أسفا وحزنا على حالي وضعفي بين هذه الوحوش المفترسة والحيوانات المهولة.
أحسست أن الآفاق ضاقت بي وأزمتي بلغت ذروتها. هنالك انقطع أملي من كل شيء غير الله، فانطلق لساني مردداً: ياغياث المستغيثين، ياأنيس المستوحشين، ياأمان الخائفین (یامفزعي عند كربتي وياغوثي عند شدتي إليك فزعت وبك إستغثت وبك لذت لا الوذ بسواك ولا اطلب الفرج إلا منك)(1)، ثم أعقبت استغاثتي هذه بالتوسل بأصحاب المنازل العظمى عند الله: (يامحمد ياعلي ياعلي يامحمد اكفياني فإنكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران...).
بدأت الوحوش تتقدم نحوي بهيئتها المخيفة، وراحت العقارب تقفز هنا وهناك وكأنها سعيدة بفريستها التي اقترب موعدها.
يا له من أمر عجيب!
كانت بكل خطوة تقترب فيها تنكشف ظلمة القبر اكثر فاكثر حتى انجلت، وإذا بكائنات لطيفة منيرة ذات صور جميلة تدخل القبر، وتقف أمام هذه الوحوش المتقدمة لتعلن الحرب معها، حينها عادت لي أنفاسي وبقيت انتظر ماذا سيحدث...
بدأ الصراع العنيف بين المجموعتين، وكم كان شديدا لدرجة امتلأ القبر من غبرته، واختفى الثعبان على أثره، وبقيت الوحوش والعقارب بين الفر والكر حتى خرجت هاربة، ولحقتها العقارب إلا واحدا قفز نحوي، وعلق بقدمي، فلسعها لسعة شديدة مؤلمة، وغرز إبرته فيها ولم يخرجها منها، فصرخت صراخا عظيما من المها، واستنجدت بالكائنات المنيرة ولكن لا أحد يتجرأ على سحبها وإبعادها عني، فبقيت هكذا بين اللوعة والألم والصراخ والعويل...
اقترب مني أحدهم وكان أجملهم صورة وأكثرهم نورا وأعذبهم كلاما، فراح يمسح على بدني بيده اللطيفة الشفافة، ويهون علي ما لقيته من ألم ووحشة، حينها بدأ الألم يغادرني ويزول شيئا فشيئا، وأحسست بقوة تمكنني من النهوض والحركة حتى زالت جميع آلامي إلا ألم العقرب الذي لم يزل عالقا في قدمي.
شكرته كثيرا مع رفقائه وشكوت له ما لقيته فقال:
ــ إن كل ما رأيته وسوف تراه هو صور لمجسمات أعمالك السيئة وعقائدك الباطلة المنحرفة، وهي ستكون مؤذية مهلكة لا تتهاون عن جلب الشر إليك حتى تلقيك في قعر جهنم، وما رأيته من وحوش وعقارب وثعبان إنما كان جزءا بسيطا منها، لكن بمقابل هذه ستكون هناك جبهة أعمالك الحسنة وعقائدك الحقة، وهاتان الجبهتان في صراع دائم في عوالم ما بعد الموت، وهكذا كانت في عالم الدنيا، إلا أن الفرق بينهما انك كنت قادرا على نصر كفة على أخرى، أما في البرزخ وبعده فلا يمكن لك ذلك، ولا حول لك ولا قوة إلا برصيدك من الحسنات والطاعات وأعمال الخير التي ادخرتها لنفسك في دار الدنيا.
ماذا هذه الوحوش التي هاجمت سعيد وهل ستهاجمه وحوش اخرى.. هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء الرابع عشر ان شاءالله تعالى