.
لماذا تركتَ العالمَ وحيداً ؟!
سيسألك اللهُ ذات يوم ، كان من الممكن أن تكتب قصيدةَ نثر ،قصيدةً تحاول إعادة التوازن للعالم ، بأن تكتشف قوانين أخرى للفيزياء ، بأن تنفى الجاذبية فيمكننا أن نعلوا فى الهواء كآلهة خرافية ، وأن تنفى كل قوانين السقوط والحركة والكهرومغناطيسية ، تخيل …أنك يمكنك تسلق السماء دون أن تحتاج لمحركات طائرة ، وأن ترسل خطابات عشقك لإمرأة تضع ماكياجها من حدائق ملونة بالشهوة ،معلقة على الغيم ، وأن تُسرِّح شَعرَها بالنخيل النائم بين ضلوع الجبال ، وأن تشم عطرَها من مسافة ألف عُرْىٍ لأعضائها التى سوَّتها لك كخبز شهى، من القمح المزروع مجانا على سفوح الغابات ،
تخيل أنك شاعر ،
لك قدرة التحكم فى التاريخ والفلسفة والمنطق وعلم النفس ،
وحدك من تمتلك الحقيقة كماء يسيل زلالا من بئر أصابعك المسحورة ،
أنك نبىٌ يوحى إليه بالحكمة ، وهو يقطف ثمار الله من شجرة ذاته المسكونة بكلمته الحية ،
اللغة أيضا ، تلك الحفريات من اللاوعى ،
السجادة التى مشى عليها كل أباطرة الحرب ،
كل قياصرة الدم ، كل جنرالات المذابح ،
كل الفلاسفة والصوفيين والشعراء والقديسين ،
وعلماء الأنثروبولوجى ، وصيادى السلالات البشرية العتيقة ،
اللغة ، ذلك الحبر المستخرج من دم عروقنا الغائرة فى جسد الأرض ،
سأتكلم الآن ،
وأستلقى على أريكة الليل ، أنمق أزهار النجوم التى قطفتها من مجرات منفية ،فى فراغ اللانهاية ،
الكون ، يسقط بين كفىَّ مثل أرشيفٍ من الغبار ،
لا أسماء ، لا هويات ، لا مسافات بين أجسادنا وبين حافة المعنى التى لا تأتى
نمشى كأننا فى غابة من الخطوات التى تتكاثر ذاتيا ،
لا ننتهى من قرع طبولِ حربِ الأسئلة ،
ونمشى ،
كغرباء ، لم يملُّوا من الهجرة المجانية فى أرضٍ خُلقتْ صدفةً بين ضلوعهم ،
ولكنهم لا يستطيعون الوصول إلى أطرافها التائهة بين مفاصلهم ،
هم أولائك الغرباء الذين يتلون فى أذن الله آيات الحيرة ،
ويبحثون فى كفه عن كسرة خبز لجوعهم الوجودىِّ ،
ولا يجدون سوى اللاشئ،
لأنهم لم يكونوا يبحثون سوى فى أكفهم الخاوية ،
التى لا تملُّ من الدعاء
منقوول .