قصة من عالم البرزخ رحلة البقاء
الجزء الثاني عشر
فسألته متعجبا:
ــ لعلك نسيتها إذ إنني قد عملت بها، فهل ترغب بتذكيرك إياها، نعم كانت الأولى كفران النعم وقد سعيت واجتهدت في شكر نعم الله ما استطعت، والثانية اجتناب النجاسات وقد اجتنبتها، والثالثة الغيبة والنميمة وقد تركتها، والرابعة سوء الخلق مع الأهل وقد كنت حسن الخلق مع زوجتي وطفلي فماذا تقول في ذلك؟
أجابني بصوته الخشن:
ــ صحيح ما تقول، ومن جعله الله شاهدا عليك لا يخطأ ولا ينسى، ولكن شكر النعم الذي قلت انك أديته، إنما كان الكثير منه لقلقة لسان فقط، فعندما كنت تقول الحمد لله، لم تكن تستحضر في قلبك ذلك، ولم يختلط معه الخشوع والذل بمقابل المحمود عندما تحمده، أما مع إنسان آخر مثلك، فعندما يُقدّم لك خدمة صغيرة تشكره وفي قلبك إحساس بمنته عليك وكأنك تستحي منه، وقد تشعر أن شكرك إياه لا يعادل خدمته لك، فتنوي منحه هدية ما، أو تجازيه بخدمة أخرى. والآن قل لي هل كانت كل هذه الأحاسيس لديك عندما كنت تقول: (الحمد لله)؟
تحيرت في إجابته، وماذا عساي أن أقول له، لذا التزمت الصمت ولم اجبه، فعاد مرة أخرى ليقول:
ــ ولا يكفي ما ذكرته، لان شكر النعم لا يكون كاملا إلا بأداء حقها العملي، فمن رزقه الله المال عليه التصدق ومساعدة الفقراء وأداء الحقوق الشرعية المترتبة عليها، ومن رزقه العافية فعليه صرف قدرته وعافية جوارحه في الله ومن اجل الله وفي خدمة الدين والناس، ومن رزق الجاه والمنصب فعليه العدل بين الناس وأداء حقوقهم بما يتناسب مع منصبه ومنزلته...
التزمت الصمت مرة أخرى، فليس عندي شيء أدافع به عن نفسي، وأصابني اليأس من النجاة منه، ولكن في هذه الأثناء تذكرت أنني قرأت ذات يوم في كتاب منازل الآخرة أذكارا تخفف على الإنسان ضغطة القبر، وقد التزمت بها وداومت عليها فلعلها تشفع لي الآن، حينها رفعت رأسي قائلا:
ــ ماذا تقول في الأذكار التي كنت أداوم عليها وهي مما يؤمنني منك ومن وحشتك وضغطتك، فأنني كنت اقرأ سورة النساء في كل يوم جمعة(1)، وأداوم على قراءة سورة الزخرف(2) و..
قاطعني في كلامي على الرغم من أن لدي ما أقوله أيضا إذ قال:
ــ إن ملائكة ربي قد سجلوا لك كل ذلك صغيره وكبيره، وأيا منها كان بإخلاص ونية صادقة لله، وأياً منها كان رياء، وأياً منها كان لقلقة لسان، كما سجلت لك درجة كل منها، وبناء على ذلك جاءني الأمر من العلي الأعلى، ولولا أعمالك وأذكارك تلك التي كانت خالصة لله، لكانت ضغطة القبر وعذابه اشد بكثير وكثير مما سوف تلاقيه.تيقنت أن لا جدوى من النقاش معه، فأنه مأمور من الله تعالى لا أكثر، وإنما هي أعمالي وأذكاري سوف أجازى بها وألاقيها، وما اصدق الإمام علي(عليه السلام) عندما يقول في الديوان المنسوب إليه:
يامن بدنياه اشتغل قد غره طول الامل
الموت يأتي بغتة والقبر صندوق
العمل
انقطع الصوت فلم يعد له اثر يُذكر، وبدأت اسمع بدلا منه أصواتا غريبة مخيفة، يرافقها إحساس بضغوط عظيمة مؤلمة على بدني الذي ما زالت روحي مرتبطة به، وكأن القبر قد كبس علي من جميع جهاته بمكابس زيتية. وفي ذلك الوقت سادت ظلمة شديدة، فصرخت وما من مجيب حتى انقطع نفسي، وبدأت اسمع أصوات تكسر عظامي، وزادت شدة آلامي بدرجة لا توصف، ولو جمعت كل آلامي في الدنيا لما عادلت جزءاً يسيرا مما يصيبني الآن...
ماذا سيحصل لسعيد بعد ضغطة القبر وماذا سيشاهد.. هذا ما سنرويه لكم .؟
فانتظرونا مع الجزء الثالث عشر ان شاءالله تعالى