في صباح ربيعي بديع تفتحت عيون النهار وراحت الاغصان تعانق بعضها بعضاً والازهار تفخر بألوانها .. وعلي هذا المنظر الرائع استيقظ العصفور الصغير وتأمل هذا الجمال وتطلع يمنة ويسرة بحثاً عن امه وابيه .. اصابه القلق عندما لم يستطع العثور عليهما للمرة الاولي يتركاه وحيداً .. يا الله ماذا افعل، قالها في خوف لنفسه .
نادي العصفور الصغير امه يرجوها فأجابه السكون بعد الصدي وكانت الريح تداعب اوراق الشجر والفراشات تلهو من زهرة الي زهرة والعصافير تبحث عن ارزاقها .. شعر العصفور بالجوع والعطش لقد اعتاد ان تحضر له امه الطعام دائماً، فكر العصفور الصغير قليلاً .. يبدو ان امه رحلت بعد ان اصبح يافعاً وتريد منه الاعتماد علي نفسه .
فهم العصفور هذا الدرس، سبح باسم ربه وحمده وسال الرزق ثم توقف علي طرف عشه وما هي الا لحظات حتي كان يسبح في الفضاء الرحب لوحده، وللمرة الاولي ادرك العصفور الصغير حكمة امه وابيه، لقد اصبح من الضروري ان يعتمد علي نفسه في تدبير شؤونه فالاعتماد علي النفس يعطيه ثقة وقوة واقبالاً علي الحياة .
وراح يبحث عن طعام يأكله، وكلما استراح على غصن كان يشدو بأعذب الألحان، ويشكر الله على نعمه الكثيره . تذكر العصفور الصغير ما أخبرته به أمه، بان الرسول صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه ولأمته بأنهم لو كانوا يتقون الله حق تقاته لرزقهم كما يرزق الطيور الجائعة، تترك أعشاشها في أشد حالات الجوع ثم تعود وقد ملأت بطونها من الطعام اللذيذ.
فرد العصفورة يا الله .. الرسول العظيم يضرب بنا الأمثال، یا لحظنا نحن الطيور، وهأنذا خرجت من عشي جائعا، ولم تمض سويعات حتى ملأت معدني، الحمد لله رب العالمين .. عاد العصفور الصغير إلى عشه فرحا جذلا.. وكانت المفاجأة الرائعة. أمه وأبوه بانتظاره، كانا يريدان الاطمئنان على ابنهما، بعد أول يوم من اعتماده على نفسه.
خفض العصفور جناحه أمام أمه وأبيه، متذكرا قوله تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة)، وراح يقبلهما ويشكرهما لفضلهما الكبير عليه .. كان العصفور الصغير يعلم أن بر الوالدين من أجل الأعمال عند الله وأن عقوقهما من الكبائر. عمل العصفور بوصايا الله ووصايا رسوله الأمين التي تدعو إلى إكرام الوالدين وبرهما، وراح يقدم لهما الطعام اللذيذ الذي أحضره. ويسألهما الرضا والدعاء له بالخير .
بعد مدة قصيرة، أحس والداه بأنه قد أصبح بالفعل مؤهلا للاعتماد على نفسه، اعتمادا كليا، فودعاه، وتمنيا له حياة سعيدة دائمة، فوعدهما أن يبقى كما ربياه، وألا يعمل الشر في حياته سر العصفوران بهذا الابن البار، فهو ثمرة زرع طيب، ثم قتلاه وتركاه ينعم بحياته الجديدة .