التضمين:
في اللغة: ضمن الشيءُ الشيء: أودعه إياه كما تودع الوعاءَ المتاعَ...وكل شيء جعلته في وعاء فقد ضمنته إياه.... كل شيء أحرز فيه شيء فقد ضُمِّنه. ومضمون الكتاب كذا وكذا.(1 )
وجاء في المعجم الوسيط: " (التضمين) (عند علماء العربية) على معان منها إيقاع لفظ موقع غيره ومعاملته معاملته لتضمنه معناه واشتماله عليه، ومنها أن يكون ما بعد الفاصلة متعلقا بها، و (في علم القوافي) أن تتعلق قافية البيت بما بعده على وجه لا يستقل بالإفادة، و (في البديع) أن يأخذ الشاعر أو الناثر آية أو حديثا أو حكمة أو مثلا أو شطرا أو بيتا من شعر غيره بلفظه ومعناه "(2 )
وهذا التعدد في المعاني أورده ابن منظور في لسان العرب بشرح مفصل لكلمة ( التضمين)، وقد تجاوز المعنى اللغوي إلى بعض المعاني المجازية والاصطلاحية للكلمة، ولكنها كلها تخدم ما نحن بصدد تقريره. فلكلمة (تضمين) عدة معان:
الأول: المعنى اللغوي النّحوي، وهو الذي نجده في كتب النحو، وقد وضّحه ابن هشام في كتابه (المغني) في آخر الجزء الثاني في القاعدة الثالثة فيما سماه (في ذكر أمور كلية يتخرج عليها مالا ينحصر من الصور الجزئية)، وقال في هذه القاعدة: "قد يُشرِبون لفظاً معنى لفظ، فيعطونه حكمه ويسمى ذلك تضميناً وفائدته أن تؤدي كلمة مؤدى كلمتين "(3 )، وهو المعنيُّ في هذه الورقة، وسيأتي الحديث عنه.
الثاني: المعنى العروضي، وقالوا في تعريفه أن يُبنى بيت على كلام يكون معناه في بيت يتلوه من بعده مقتضياً لـه. وقد وضحه المرزباني في الموشح عندما قال: "التضمين أحد عيوب القافية الخمسة ـ وهذه الخمسة هي: الإقواء، الإكفاء، والسناد، الإيطاء والتضمين ـ وليس يكون فيه أقبح من قول النابغة الذبياني:
وهم وردوا الجفار على تميم ... وهم أصحاب يوم عكاظ إنى
شهدت لهم مواطن صالحات ... أتينهم بحسن الودّ منى "(4 ).
الثالث: المعنى الاقتباسي: وتسميه بعض الكتب (الاقتباس) ويقولون فيه:
"وقد تسمى استعارتك الأَنصاف والأبيات من شعر غيرك، وإدخالك إياه في أثناء أبيات قصيدتك تضميناً، وهذا حسن، وهو كقول الشاعر:
إذا دلّه عزم على الحزم لم يقل ... «غدا غدها إن لم تعقها العوائق»
ولكنّه ماض على عزم يومه ... فيفعل ما يرضاه خلق وخالق(5 )
الرابع: المعنى العام، وهو" حصول معنىً فيه، من غير ذكر لـه باسم أو صفة هي عبارة عنه"(6 ) وكثر هذا المعنى في الكتب التي أُلِّفت في إعجاز القرآن. ولذلك عقب الباقلاني بعد العبارة السابقة بقوله:
"وذلك على وجهين:
تضمين توجيه البنية كقولنا (معلوم)، يوجب أنه لا بد من عالم، وتضمين يوجبه معنى العبارة، من حيث لا يصح إلا به كالصفة بضارب على مضروب"(7 )
وقال الرماني: "والتضمين كلمة إيجاز، استُغنيَ به عن التفصيل، إذ كان مما يدل دلالة الإخبار في كلام الناس، وأما التضمين الذي يدل عليه دلالة القياس، فهو إيجاز في كلام الله، عز وجل خاصة؛ لأنه تعالى لا يذهب عليه وجه من وجوه الدلالة،.... وكل آية لا تخلو من تضمين لم يذكر باسم أو صفة، فمن ذلك (بسم الله الرحمن الرحيم)، قد ضمَّن التعليم لاستفتاح الأمور على جهة التبرك والتعظيم بذكره، وأنه أدب من آداب الدين وشعار المسلمين، وأنه إقرار بالعبودية، واعتراف بالنعمة، التي هي من أجلِّ نِعَمِه، وأنه ملجأ الخائف، ومعتَمد للمستنجح"(8 ).
والملاحظ أن كل كتب النقد والبلاغة وإعجاز القرآن لم تَعْدُ هذه المعاني الأربعة التي عددناها. وكلها تناولت التضمين تحت عنوان التضمين أو الاقتباس(9 ).
وقد تحدث النحويون عن التضمين النحويّ، وهو أن تشرب كلمة لازمة معنى كلمة متعدية، لتتعدى تعديتها، نحو: "ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله" ضمّن تعزموا معنى تنووا، فعدي تعديته ( 10)، فيكتسب الفعل معنيين ونقل الفعل أكثر من درجة كما يرى ابن هشام في قوله: " ويختص التضمين عن غيره من المعديات بأنه ينقل الفعل أكثر من درجة"(11 )
وينطوي التضمين في علم النحو ـ كما يرى سامي عوض ــ على مفهومين:
• تضمُّن الأسماء المبنية معنى الحرف وهو يشكل عند النحاة علة بناء تلك الأسماء.
• أن يؤدي فعل أو ما في معناه معنى فعل آخر أو ما في معناه ليتعدى تعديته فيعطى بذلك مجموع معنيين معا ( 12) .
والتضمين لا يلغي معنى الكلمة الأصيل، وإنما نلحظ فيه هذا المعنى الأصل الموضوع له الفعل مع وجود معنى يدل عليه الحرف الذي يتعدى به عادة فعل آخر فيجمعهما حقل دلالي واحد، ويرى المحققون أن حمل الفعل على التضمين أولى من حمل الحرف على معنى حرف آخر؛ لأن القول بنيابة حرف مكان حرف يفوت كثيرا من القيم الفنية، والدلالات البلاغية (13 ).
وقد اتخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة قرارات في مسألة التضمين قالوا:
أن يُؤَّدى فعل أو ما في معناه في التعبير مؤَدَّى فعل آخر أو ما في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم. "ومجمع اللغة العربية" يرى أنه قياسي لا سماعي، بشروط ثلاثة:
الأول- تحقق المناسبة بين الفعلين.
الثاني - وجود قرينة تدل على ملاحظة الفعل الآخر، ويؤمن معها اللبس.
الثالث - ملاءمة التضمين للذوق العربي.
ويوصي المجمع ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي