قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الحادي عشر
أحسست بشيء ما يجرني نحو بدني، فدخلت القبر معه ولم استوحش منه بالرغم من إحساسي بألم الفراق. وضيق الآفاق، وذلك العلمي بقرب مؤمن، وأنسي بقراءته للقرآن.
مضت ساعة على هذه الحالة حتى غادرني مؤمن وغادر النور معه، وبقيت وحيدا في منزلي، وازدادت ظلمة قبري، وعظم خوفي ووحشتي، وإذا بالنداء يأتي من فوق القبر وتحته وعن يمينه وشماله، فأطرق سمعي وشغل فكري وهو يقول: (أنا بيت الوحشة، أنا بيت الوحشة(1).
أصابني هول شديد، ووضعت يدي على رأسي، وصرخت بأعلى صوتي:
ــ من المنادي؟ ومن أين هذا الصوت الذي
أرعبني؟ عاد الصوت مرة أخرى ولكن بشدة اكبر، وصدى أكثر، ثم أضاف:
ــ ألا تعرفني من أنا؟ أنا بيت الوحدة والغربة، أنا بيت الوحشة والدهشة، ألم تكن تحسب يوما انك سوف تأتي وتنزل عندي، كنت مشغولا بالدنيا فنسيتني، وكنت تعمل وتجمع الأموال لبناء منزل فيها ولم تفكر في منزلك بعد موتك.
كنتُ خائفا منبهرا من كلامه، التفت يمينا ويسارا لعلي أعرف مصدرا لذلك الصوت، ولكن دون جدوى، فصرخت مرة أخرى:
ــ قل لي بالله عليك من أنت؟ وأين أنت حتى أجيبك؟
قال:
ــ أنا القبر الذي دُفن فيه بدنك.
قلت:
ــ عجبا وهل القبر الذي كله جماد يتكلم؟!
ــ نعم، ( أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ )(2)، ولا تتعجب فإن كل شيء في هذا العالم حي ينطق كما نطقت لك، ويشهد عليك بما فعلت ولكن الذين بقوا في الدنيا لا يعلمون ذلك، فهم يستخدمون الجمادات ولا يعلمون أنها سوف تشهد عليهم، وترى بعضهم يصنعون السياط ووسائل التعذيب ليؤذوا بها المؤمنين وهم لا يعلمون أن نفس هذه السياط سوف تشهد عليهم وعلى ظلمهم.
سكت قليلا ثم عاد ليقول:
انك سوف ترى العجائب والأهوال عندي أولها ضغطتي عليك.
قلت مع نفسي: بسم الله ، هذا ما اخبرنا به الرسول والأئمة الأطهار(عليهم السلام)، فكم قرأت في دنياي عن ضغطة القبر وأنها شديدة تخرج زيت البدن منه، وتهشم العظام وتكسر الأضلاع و ...
آه آه والويل لي، كيف سأتحملها، أم من ينقذني وينجيني منها؟ وبدوامة الأفكار هذه كاد يُغمى علي لولا أملي بالنجاة، وتذكري مقامي في الجنة الذي رأيته عند الاحتضار، لذلك عزمت على سؤاله فقلت له:
ــ وهل هناك سبيل النجاة من ضغطتك هذه؟
قال:
ــ الآن كلا، كان السبيل لديك في الدنيا فلماذا أهملته، ولم تعمل بما قرأته يوم ذاك.
سمعت ما قاله وتذكرت أني عملت بما قرأته في دنياي، فسألته متعجبا:
ــ لعلك نسيتها إذ إنني قد عملت بها، فهل ترغب بتذكيرك إياها، نعم كانت الأولى كفران النعم(3) وقد سعيت واجتهدت في شكر نعم الله ما استطعت، والثانية اجتناب النجاسات وقد اجتنبتها، والثالثة الغيبة والنميمة وقد تركتها، والرابعة سوء الخلق مع الأهل وقد كنت حسن الخلق مع زوجتي وطفلي فماذا تقول في ذلك؟
أجابني بصوته الخشن:
هل اعمال سعيد ستنجيه من ضغطة القبر هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء الثاني عشر ان شاءالله تعالى