قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء التاسع



بعد أن رأيت الجنازة قد حملوها بعيدا عني فأسرعت للحاق بها ...
كانت السيارة تسير بسرعة بالغة بعد أن وضعت الجنازة فوقها، واستقلت عددا من الناس داخلها كان مؤمن أحدهم، وقد سررت كثيرا عند رؤيته وهو مشغولا بقراءة القرآن والدعاء حتى وصلنا المقصد، وهو مكتب الفحوصات الجنائية فحملوا الجنازة إلى إحدى الغرف الخاصة حيث تم أجراء الفحوصات اللازمة عليها من قبل أحد الأطباء، وقد اجتمع حوله عدد من معاونيه، أما أنا فكنت أحوم فوقهم واسمع كلامهم، وقد أصابتهم الحيرة فقلت في نفسي ليتهم كانوا يسمعون كلامي لأخبرهم بان جمالا هو الذي دفع بي من أعلى السقف الخامس، حينها لا يحتاج كل هذه الفحوصات والحيرة في الأمر، وعلى كل حال طال بقاؤنا حدود الساعتين في تلك الغرفة المغلقة بعدها اعطوا الأذن بحمل الجنازة لدفنها.
حملوها وأعلنوا أن مراسيم التشييع ستكون الساعة الخامسة بعد الظهر بعد أن أخبروا أقاربي بما حدث، واتفقوا معهم على موعد ومكان للتغسيل والتكفين والتشييع.
كنت أحس بعلاقة غريبة تشدني إلى جنازتي، وأينما كانوا يحملوها أسرع معهم للحاق بها، كما انه لن تغيب عن مخيلتي أنوار المعصومين والجنة التي تمثلت لي وقدح ماء الكوثر الذي تذوقته عند الاحتضار حتى نسيت ضغطة القبر التي تنتظرني، لذا كنت أنادي بمن يحمل جنازتي أن عجلوا بي إلى مثواي وغايتي(1).
انتهت مراحل التغسيل والتكفين على هذا البدن المسكين الذي كانوا يقلبونه يمينا ويسارا، ويلقون عليه الدلو تلو الآخر من الماء، بعدها طوي بالكفن الأبيض والناس شهود على ذلك بین مدهوش ومبهور، وبين من يستعجل الإنهاء ليلحق بعمله، ويغرق مرة أخرى في دنياه، وكان الموت كتب على غيره دونه!
وضعوا الجنازة مرة أخرى في التابوت وأرادوا حملها، وإذا بشخص يأتي مسرعا ليخبر الحاضرين بأن الدفن أجل إلى غد لحصول مشكلة في شراء أرض القبر وتحديد مكانه، وهنا بدأ النزاع واشتد الخلاف فيما بينهم، وحاروا بماذا يجيبون الناس وقد اخبروهم بأن التشييع والدفن سيكون اليوم وليس غدا، حتى قال كبيرهم أن لا فائدة من الجدال وأمر بحمل الجنازة إلى مسجد المحلة لتبيت هذه الليلة فيه. حملوها وتبعتهم وحلقت فوقهم وقد أصابني قلق واضطراب شديدين مما سيؤول إليه مصيري وكيف سأقضي هذه الليلة ومن سيكون مؤنسي، حتى وصلوا بي إلى المسجد فدخلوا فيه ووضعوا الجنازة في جانب منه، وبدءوا يأتون جمعا وفرادى ليقرئوا الفاتحة عليها، وكثير منهم يتمتم بلسانه رياء دون قلبه، فأشمئز منه إذ لا تنفعني فاتحته بشيء، وليته يفسح المجال لغيره فلعله يأتي من يعينني بنسمة أنس بقرائته.
ازداد سواد الليل وبدأ الحاضرون يغادرون المسجد شيئا فشيئا، وكلما قام أحد تبعه جماعته وكأنه قد فرج عليهم، فيسرعون للحاق به مما یزید وحشتي في عالمي الجديد، حتی خلا المسجد تماما إلا من شخص أجبروه على البقاء فيه، لكن أي شخص انتخبوا، بل أي حيوان مخيف وقبيح تركوه معي وهو لا يعرف آية من القرآن أو كلمة دعاء، فلم يكن فقط غير مؤنس بل ازددت وحشة وخيفة منه.
اخذ صاحبي نوم عميق وارتفع صوت شخيره، وبدأت أحوم في المسجد من مكان إلى آخر حتى جلست في زاوية منه أحسست باطمئنان وسکون اكثر فيها، وهو عين المكان الذي كنت أخلو فيه وحيدا لقراءة القرآن في عالمي الدنيوي. نظرت إلى جنازتي وإذا بوحوش مخيفة مرعبة قد اقتربت منها وأحاطت بها وتهيأت لافتراسها.



ماذا ستفعل الوحوش بجسد سعيد وهل سيستطيع ان ينقذ جسده هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء العاشر ان شاءالله تعالى من على