قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الثامن
ازداد عدد الناس حول بدني الملقي على الأرض شيئا فشيئا، وارتفع الصراخ من كل حدب وصوب، فبقيت كالحيران لا ادري ماذا افعل وقد رأيت ملك الموت وأعوانه قد تهيئوا لمفارقتي، فناديتهم بأعلى صوتي:
ــ ياعزرائيل، ياملائكة الرحمة، إلى أين تذهبون وتتركوني وحيدا في هذا العالم الغريب، فأنا لا أعلم إلى أين المقصد، وكيف سيكون المسير.
التفت ملك الموت نحوي وقال:
ــ ياعبدالله اتبع جنازتك حيث حملوها، وستلاقي من يرشدك الطريق.
قلت له:
ــ ياملك الموت، ما هي العقبات التي أمامي، فإني أخاف الوقوع في الهاوية، وأرى الشياطين تحوم حولي.
ــ أمامك ضغطة القبر، إذ ستكون عليك شديدة وصعبة ومؤلمة لتنقي بها روحك مما علق بها حين وجودها في قالبك المادي، ولا بد من تطهيرها لتتمكن من عبور مراحل عالم البرزخ، وتنسجم معه.
قلت له وقد أصابني خوف من كلامه:
ــ وهل يمكن النجاة من ضغطة القبر؟
ــ كان هذا ممكنا لك في الدنيا، أما الآن فلا، إذ إن روحك من أول خلقك هي جوهر وجودك وهي من عالم المجردات، أما بدنك الذي تراه الآن ملقى على الأرض كان من عالم الماديات، وكلما تعلقت روحك به اكثر كان تقيدها بعالم الماديات اكبر، يقابلها ابتعاد عن عالم المجردات والملكوت، وذلك بمنعها من الانسجام معه عند الانتقال إليه، ولهذا ترى كثيرا من أولياء الله المخلصين قد جردوا أرواحهم من أبدانهم وحرروها، فاتصلوا بالملكوت قبل حلول أجلهم، ونعموا به قبل أن اقبض أرواحهم.
طأطأت رأسي وأوكلت أمري إلى الله ثم قلت إلى ملك الموت:
ــ وماذا بعد ضغطة القبر؟
ــ سيأتيك ملكان ويسألانك عن ربك ودينك ونبيك وإمامك وكتابك وقبلتك، فإن أجبتهما تنجو ويفتح لك باب من أبواب الجنة.
قلت له متعجبا:
ــ إن هذه الأسئلة في غاية من البساطة، وكل شخص يستطيع الإجابة عنها لسهولة
ــ كلا، ليس كما تتصور، فهنا في عالم الملكوت تظهر الحقائق كما هي، فإن كنت قد حفظتها في الدنيا ولم تكن قد صدقت بها عن علم وفهم وبحث وتدقيق، لم ينفعك ذلك، إذ إن أصول العقائد لا يكفي حفظها فقط، ولا يمكن التقليد بها، ومن كان مقلدا فيها لم ينطق لسانه حين سؤال الملكين منه أبدا.
قال هذا وأراد الذهاب فترجيته بسوال أخير فقال:
ــ لا بأس بذلك قل ما عندك.
قلت:
ــ كنا في الدنيا نخاف حتى من اسمك، ونتصور أنك تأتي لتقبض الأرواح بقسوة شديدة وصورة موحشة، أما ما رأيته الان خلاف ذلك.
ــ إن ما تقوله صحيح، بل اشد قسوة ووحشة مما كنت تتصوره، ولكن هذا حين وصول اجل الكافر والعاصي، إذ آتيه بهيأة موحشة ومرعبة، فيكون ذلك أول عذابه حين موته، وانزع روحه بسيخ من نار، فيصرخ ويستغيث ولا مغيث له(1).
أحسست بشيء من الخجل لكثرة السؤال منه وهو ملك موت كل الدنيا، وما أنا وما قدري حتى يستهلك كل هذا الوقت معي، لذا شكرته ثم فارقني، فأحسست بغربة ووحشة شديدة، وغرقت في تفكير عميق لم أفق منه إلا بعد أن رأيت الجنازة قد حملوها بعيدا عني فأسرعت للحاق بها ...
الى اين سيحملون جنازة سعيد وما هي العقبات التي سيبدا بمشاهدتها هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء التاسع ان شاءالله تعالى