قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء السادس
اقترب مني ملك الموت وسلم بقوله:
ــ السلام عليك أيها العبد المؤمن.
فوجئت بسلامه علي، ولكني تمكنت من جوابه فقلت:
ــ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
ــ إننا مأمورون من الجليل الأعلى بأخذ روحك ونزعها من بدنك الدنيوي.
ــ آه، الويل لي، هل تسمح لي بأيام قليلة أعيشها في الدنيا مرة أخرى لأستكثر من أعمالي، وأثقل ميزاني، وأودّع أحبائي؟
ــ هيهات من ذلك، فالله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، وقد أعطاك من الوقت في الدنيا ما يكفي للرقي إلى كمالات الأولياء، ونيل درجاتهم، فأين كنت من ذلك؟
سمعت ذلك منه فجزعت جزعا عظيما، وأصابتني حسرة كبرى، ودعوت بالويل على نفسي، فبأي أعمال سأقابل بها ربي، وما هي إلا أعمال خمس سنين، أما ما قبلها فقد كانت محاطة بالجهل والغفلة، محفوفة بالشك والرياء، استحضرت ذلك في نفسي فبكيت بكاء شديداً، فتدارك ملك الموت حالي وقال:
ــ على كل حال، إن كفة ميزان أعمالك الحسنة قد غلبت على كفة سيئاتك بعد أن أبدل الله بعضها حسنات، وقد تقبل توبتك النصوح قبل خمس سنين، فلا تخف ولا تحزن، فوالذي بعث محمدا (صلى الله عليه واله) لأنا أبر بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك(1)، افتح عينيك جيدا وانظر إلى هؤلاء الأنوار هل تعرفهم؟
إنني كنت قد قرأت في دار الدنيا أن المؤمن عند الاحتضار يتمثل له الرسول والبتول والأئمة الإثنا عشر عليهم سلام الله جميعا، وهؤلاء الأنوار هم بلا شك، نعم، إن عدتهم أربعة عشر، وذلك رسول الله، وتلك الزهراء الطاهرة، وذاك أمير المؤمنين علي وبجنبه الحسن والحسين(2)و...
التفت إلى ملك الموت وأجبته:
ــ نعم اعرفهم، إنهم رسول الله (صلى الله عليه واله) وبنته الزهراء وابن عمه علي والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين صلوات الله عليهم أجمعين.
قال ملك الموت:
ــ صدقت ياعبدالله، فهل تحب أن يكونوا رفقاءك في الجنة؟ أم تريد العودة إلى الدنيا؟
أجبته فورا:
ــ لا والله، لا أريد الدنيا، فخذ روحي وعجل بها، فأنا لم أفارقهم بقلبي في الدنيا، فكيف الآن وقد تمثلوا أمامي، ورأيت أنوارهم وحقيقة صورهم.
التفت ملك الموت إلى الملائكة وأمرهم بجلب شي من ماء الكوثر، فأتوني به واجتمعوا حولي، وبيد كل واحد منهم كأس منه، تناولت أحدها وشربت قليلا منه، لكن أي شراب وأي طعم كان، هو ماء ليس كماء الدنيا، فشتان بينهما، شربته على عطش شديد، فأحسست بارتواء عظيم وطعم لذيذ ما تذوقت في الدنيا ماء بلذته، وقد وهبني قوة ونشاطا، وأزال عني النحول والكسل والاضطراب، فسألت أحد الملائكة قائلا:
ــ من أين أتيتم بهذا الماء؟
ــ انه من ماء الكوثر(3).
ــ وهل حوض الكوثر قريب من هنا؟
ماهو ماء الكوثر وهل سيخفف عن سعيد خروج روحه هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء السابع ان شاءالله تعالى