قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الخامس
ازدادت حيرتي، واسودت ظلمتي، وانشل فكري عن التفكير، فأصبحت انظر لما حولي يمينا ويسارا، وإذا بأحد ملائكة الرحمة يقول:
ــ انظر إلى هناك، إنها أعمالك الحسنة الخالصة لله وأفكارك الطيبة وأوقاتك التي ملأتها بطاعة الله، وتلك مساعداتك لإخوانك، وتلك نفقاتك في سبيل الله...
كنت انظر إلى خلاصة أعمالي الحسنة واحدا واحدا وحسبما يعرفني به الملك، فاستبشرت وفرحت بذلك كثيرا على الرغم من الحسرة التي لم تزل ترافقني على عدم الإكثار في كل واحد منها، حينها توجه أحد الملائكة نحو ملك الموت وقال له:
ــ لقد وجدنا في أعماله ماينفعه في عدم العدول عن دينه وفي نطق الشهادتين.
قال ملك الموت:
ــ وما هي تلك الأعمال التي يمكنه الاستغاثة بها؟
ــ لقد كان يؤدي الصلاة في أول وقتها، ويصل رحمه، ويحسن بوالديه (1)، وكان كثيرا مايقرأ دعاء العديلة وسورة يس والصافات ودعاء (رضيت بالله ربا...) بعد كل صلاة، وأيضا كان يقرأ زيارة آل يس، ويكثر من ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(2).
قال ملك الموت:
ــ نعم إنني كنت أنظر إليه حين وقت الصلاة فأراه يقيمها في أول وقتها، وقد سجلت له ذلك كله.
كنت لا ارغب في النظر إلى الشيطان حولي، لكني أردت أن أرى اثر كلام الملائكة مع ملك الموت عليه، فرأيته قد اشتعل غضبه بعد أن ترك لساني وقال لأعوانه:
ــ لا فائدة من الجلوس هنا والحديث معه، إن لديه من الأعمال ما لا نستطيع بوجودها تغيير عقيدته ومنعه من نطق الشهادتين، اذهبوا جميعا وسوف انتقم منه في مكان آخر، سأنتقم منه...
ذهبوا عني وهم يجرون بأذيال الخيبة، ونيران الغضب تتطاير منهم، لا أعادهم الله علي ولا أراني صورهم مرة أخرى، حينها سمعت وللمرة الثالثة نداء مؤمن وهو يقول:
ــ سعيد، هل تسمعني؟
هذه المرة دون أن أقول له نعم، نطق لساني بقول لا اله إلا الله محمد رسول الله، هنالك رأيت الابتسامة على وجه صديقي مؤمن والدهشة على كل من كان حولي من الحاضرين، فقد بدأوا يسألونه عما يجري، ولماذا تبسم بعدما كان قلقا خائفا، وقد ابتل وجهه بالعرق الذي اختلط بالدموع، نعم حقا أنه صديق مخلص، ولم يتخل عني حتى في اللحظات الأخيرة من حياتي. أما أنا فبعد أن نطقت كلمة التوحيد أصبحت لي الجرأة على التكلم مع الملائكة، فقلت لأحدهم:
ــ هل أستطيع أن أخبر من حولي بما يجري لي كي يعتبروا ويؤمنوا بعالم ما بعد الموت؟
ــ كلا انك لن تستطيع النطق والكلام مرة أخرى مع أهل الدنيا، وهذه سنة الله في خلقه، وله الحكمة في ذلك.
اقترب مني ملك الموت وسلم بقوله:
ــ السلام عليك أيها العبد المؤمن(3).
فوجئت بسلامه علي، ولكني تمكنت من جوابه فقلت:
ــ وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
ــ إننا مأمورون من الجليل الأعلى بأخذ روحك ونزعها من بدنك الدنيوي.
ماذا سيفعل ملك الموت لسعيد وهل سيقبض روحه هذا ما سنرويه لكم..؟
فانتظرونا مع الجزء السادس ان شاءالله تعالى