قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الرابع
ــ سعيد، قل لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقد يكون آخر كلام يجري على لسانك، هل تسمعني ياسعيد؟
سمعت كلامه، وأردت نطق ما قاله لي ولكن ظهر فجأة عدة مخلوقات بوجوه قبيحة سوداء فهي كالقير الأسود، أصابني خوف شديد منهم وقد اجتمعوا حولي فأمسكوا بلساني عن النطق، وكلما أردت نطق لا اله إلا الله منعوني من ذلك، عندها سمعت مؤمنا مرة أخرى ينادي:
ــ سعيد هل تسمعني؟
مرة أخرى أجبته بصوت ضعيف:
ــ نعم.
ــ سعيد ألم تستطع قول لا اله إلا الله؟
ــ بلى.
ــ سعيد، يبدو أن الشياطين قد اجتمعت حولك لتمنعك من النطق(1)، والملائكة حولك يرشدونك إليه فأستعن بهم، انك في حالة احتضار، سعيد، لقد بدأ سفرك الطويل الذي تنبأ به إمام الجمعة، هل تفهمني؟ سعيد، هل تفهمني؟
لم يكن مؤمن يرى ما أرى، لكن على اثر كلامه بدأت أدرك ما أعيش، نعم إنها سكرات الموت، وهذا الذي لم اعرفه ملك الموت مع أعوانه قد جاء ليقبض روحي، نعم وهذه ملائكة الرحمة عن يميني، وهؤلاء الشياطين عن يساري، الهي ماذا افعل، الهي يا من انطق عيسى في مهده انطق لساني بذكرك ...
التفت لي أحد ملائكة الرحمة وقال:
ــ انك كنت كثيرا ما تذكر الله في دنياك، وسنحاول أن نجد لك شيئا يبعد الشياطين عنك.
التفت إلى أصحابه ليقول لهم:
ــ هل تجدون من أعماله شيئا ينفعه في أزمته هذه؟ ادعوا أعماله وأوقاته لتتجسم أمامة.
هول لا يمكن وصفه، ولو صب على أهل الدنيا لغشي عليهم ولم يفيقوا، لقد تجسمت أمامي كل الأفعال القبيحة التي فعلتها منذ أن بلغت سن التكليف وحتى يومي هذا، آه كم كانت موحشة وكم كانت قبيحة وبشعة، وكذلك الأوقات والساعات التي ضيعتها خالية أو مملوءة بالذنوب، ياحسرتي على مافرطت في جنب الله، ياحسرتي على كل لحظة ضاعت من عمري ولم املأها بالزاد ليومي هذا، ياحسرتي على كل عمل خالطه الرياء، وياويلتي على كل مال أخرجته لغير الله، وعلى كل كلمة تفوهت بها أو كتبتها لغير الله، وعلى كل تبسم أو فرح لم يخالطه ذكر الله، وياويلتي على المال الذي تركته والأثاث ذي القيمة العالية التي بقيت ساكنة البيت، فبماذا تنفعني الآن، آه وما هذه الوحوش المخيفة المظلمة في سوادها، وهل سترافقني ؟ والى متى؟ وما ذلك الأسود المكشر أنيابه، وما هذا السوط الذي بيده؟ آه آه ...
لشدة الهول والحسرة أغمي علي، ولم أفق إلا بسياط الشيطان الذي كان قد أمسك بلساني، وابرز أنيابه ضاحكا ومقهقها بصوت عال وشكل قبيح وهو يقول:
ــ ياعزيزي لا تتحير وقل ربي الدنيا، ألم
تر أن الدنيا كانت زهية بهية، ألم تر أن الشريف من شرفته أمواله، ولو كنت مطيعا لها بما أمرتك ما وصلت إلى هذه الحال، فذلك جمال لا يزال يترفه ويتنزه ويأكل ويشرب مايشتهي ويتلذذ بما يريد، فهل تعلم كيف وصل إلى ذلك؟ أنا أقول لك، أنه أطاع الدنيا فأوصلته إلى هذا المقام، إذن فهي الرب لا غيرها، وأنا أنصحك بأن تعترف بذلك، فلعل حالك يتحسن، ولعلي مع أعواني الذين تراهم نستطيع أن نخرجك مما أنت فيه..
هل سيطيع سعيد الشيطان لما يقوله له ام ستساعده ملائكة الرحمن هذا ما سنرويه لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء الخامس ان شاءالله تعالى