قصة من عالم البرزخ
رحلة البقاء
الجزء الاول
كان هناك ثلاثة أصدقاء مؤمن وسعيد وجمال
كان جمال يحب الحياة الدنيا وجمالها وبعيدا عن الله اما سعيد كان أيمانه ضعيفا وكان بحاجة إلى من يقوي إيمانه،
فصديقه مؤمن هو الذي أرشد سعيد للألتزام بدينه، بعد أن أخذه إلى عالم جليل، قائلا له:
ــ أرجو أن تسمح لي أن أشغل وقتك قليلا فقد ضاق صدري ولا أجد من يفتح قلبه لي ويستمع بتمعن لما أقول.
فبقينا حيارى في الميدان نظر ألي بتأمل عميق وظهرت عليه ملامح التأثر والأهتمام بي فقال:
ــ بني العزيز ماهي مشكلتك؟
ــ قلت: إن الدنيا صغُرت في عيني وحقرت في نفسي، حتى أصبحت كالصفحة السوداء تمنعني من الوصول إلى الله،
وكانت كلماتي ممزوجة بالبكاء الذي منعني من الأستمرار في الكلام مما جعل العالم الجليل أن يؤخر اللقاء إلى يوم غد بعد صلاة المغرب.
غادرت المجلس الى بيتي مشيا على الأقدام لأتمكن من التفكير بالمسائل والمطالب التي سوف أعرضها على العالم الجليل يوم غد.
وبعد وصولي الى البيت وخلال طرقي للباب فتحه ولدي مرتضى الذي يبلغ السنة الرابعة من عمره وهو مرتبكا ولونه مصفرا ودموعه جارية
ويقول: أن والدته خرجت لتشتري بعض الحاجيات ولم تعد الى الآن ، اصطحبت مرتضى لنبحث عن أمه ما إن وصلنا الدكان الذي نشتري عادة احتياجاتنا منه
ظهر الأرتباك على وجه البائع فعلمت أن أمرا ما قد حصل وبعد السؤال عن ام مرتضى أخبرنا عند عبورها الشارع تعرضت إلى حادث دهس وهي الآن في المستشفى، حين وصول سعيد للمستشفى أُخبر بوفاة زوجته.
كان ما يشغلني أثناء إقامة الفاتحة هو لقائي مع العالم الجليل في هذه الليلة، وإذا بالذي كان يشغل فكري يقدم بنفسه ويطل بوجهه النوراني، نعم، انه هو مع صديقي مؤمن، فتقدمت بخطوات مرتبكة نحوه حتى وقفت أمامه. فوجئ برؤيتي فقام معزيا لي بكلامه المذكر بالله ورحمته مشفوعا بجمل من الدعاء لي وللطفل الذي بقي وحيدا معي، شكرته على تفضله ذلك وطلبت منه الجلوس مع صديقي مؤمن، فجلس وجلست عن يمينه، وأردت أن أؤكد له أنني على وعدي في الحضور إليه على الرغم مما حدث، لكنه سبقني بالحديث مبادرا بلهجته الحوزوية المحبوبة عندي، والتي كثيرا ما لاحظتها على ألسنة طلبة العلوم الدينية فقال:
ــ أنا اعتذر من عدم تمكني لاستقبالكم هذه الليلة لحدوث أمر طارئ يحتم علي السفر، ولا أظنني سأتمكن من ذلك عن قريب أو بعيد لأنكم على أبواب سفر طويل.
لا اعلم إن كان قد أتم كلامه معي أم لا، فقد جاءه وفد للسلام عليه وتجمعوا حوله، فانقطع كلامنا ولم استطع التحدث معه مرة أخرى حتى نهض وأراد الخروج من المسجد، وكان آخر كلامه معي أن قال:
ــ اعلم يابني أن خير الزاد في السفر التقوى، فاسع لتحصيلها هذه الأيام. ثم غادرنا وذهب... لا ادري ما الذي عقد لساني عن سؤاله عن معنى أنني على أبواب سفر طويل، مع انه حاليا ليس عندي قصد السفر إلى أي مكان! لا ادري!
انقضت الأيام الثلاثة لمراسيم الفاتحة، وقد اختلفت فيها مع عدة أشخاص من الأقارب بشأن الإسراف والمصروفات الزائدة عن الحاجة، والتي افنوا وقتهم واجهدوا أنفسهم من اجلها رياء في رياء. أنا أعلم أن أعمالهم كانت رياء، وهي عند الميت لا تنفعه بشيء ولا تخفف عنه قسوة اللحظات التي يعيشها الآن(1)
… نعم انه بحاجة الى ركعتين خفيفتين، او اية من القرآن بحضور قلب، أو صدقة قليلة، أو دعوة مستجابة، لكن لا أحد لديه الأيمان الحقيقي بذلك.
على أية حال انقضت، ولكن لم ينقض تفكيري بكلام العالم الجليل وجمله الأخيرة، فهل يا ترى كان يقصد سفر الآخرة؟! نعم، لعله كذلك وإلا فما معنى وصيته بأن خير الزاد التقوى، وهل التقوى تكون متاعا لغير الآخرة،
نعم انه كان يقصد ذلك، ويؤكده قوله (فأسع لتحصيلها هذه الأيام).
آه الويل لي، إذن أيامي في الدنيا قليلة، آه
.. كيف بالصكوك التي لم يصل وقتها، وكيف بحساب العمال الذي كله في دفتري الخاص ولا يكتبه ويقدمه للشركة أحد غيري، أم كيف بالأسرار التي في صدري والتي طالما ترددت في كشفها متأملا أن يعود جمال لرشده ويتوب من أعماله، إنها أسرار سرقاته من الشركة وقد لا يعلم بها أحد غيري، أم كيف بـ ..
أحسست بصداع في رأسي، فقمت من مجلسي وقررت الذهاب إلى بيت جد مرتضى لجلب مرتضى منهم، فلعل برؤيته وملاعبته تسكن نفسي وتهدأ أعصابي، فأستطيع التفكير بما يجب عمله.
ماذا سيفعل سعيد فيما هو بذمته سنرويها لكم ..؟
فانتظرونا مع الجزء الثاني ان شاءالله تعالى