.
(1)
لا تفزعْ أيُّها الجارُ؛ أنا أحمد
أسكنُ الشقةَ التي فوقكم مباشرةً
أحمد .. أبو فارس
تستطيعُ أن تتأكدَ من ذلك بنفسك؛
هذه الخبطاتُ لأقدام ابني الصغير،
وتلك الرطوبةُ التي تنشعُ في سقفكم هي تسريباتُ حمَّامِنا
أحمد.. يا رجُل!!
قُلْ لمدام كاميليا: “أحمد.. جوز أميمةْ”
ويا مدام كاميليا قولي لزوجك العزيز إن السكينَ الذي في يدي هو السكينُ الذي غرسوه بيننا يوم أن سَكنّا هُنا..
أنا الآن أنزعُهُ
نعم؛ لم نكن بحاجةٍ إليه..
وقد قامت الثورة.
(2)
هذه الغيوم ترحلُ إلى مكانٍ
ليس مُهمًّا هذا المكان؛
إنها تتحركُ، ويراها الأطفالُ موجًا
وقد كنت طفلاً أملكُ لونًا، وأرسمُ الأمواج بحرًا
أنا الآنَ خمسون عاماً تنظرُ منّي
فترى الموجَ أكبر مني؛
ما الذي تغيّر؟
أنا لم أضعْ يدي في الغيوم!
(3)
الأسى ممشَى،
وليس سوى ابنٍ ينامُ في حضنِه؛
ينظرُ للشارعِ.. في كلِّ خطوةٍ جثَّةٌ
وينظرُ للشارعِ.. في كلِّ خطوةٍ جثَّةٌ
ينظر ولا يبكي؛
لأنَّ أحدًا لا يبكي!
(4)
هذا الرجلُ المتقدِّمُ في السنِّ
في هذه الساعةِ المتأخِّرةِ
يُشعلُ سيجارةً
لا ينتظرُ شيئًا ولا يفكِّرُ في شيء
هو فقط.. يشعلُ سيجارةً تلو أخرى؛
لا ينتظرُ شيئًا، لا يفكر في شيء!
وهكذا كلَّ ليلٍ؛ يطفئُ آخرَ سجائره في خيطِ الفجر
ثم يُحدِّثُ نفسه: “أنا كده.. فعلتُ ما أردت”؛
لم أنتظرْ شيئًا
لم أفكرْ في شي.
(5)
.. ولا يدري إن كان صاحيًا أم نائما
مثل مريضِ الغُضروف يعيشُ المِقعـد
ونعيشُ مثل مؤخرة.
(6)
كانت الأصابعُ خمسةً- كما هو مُـتَّـبَع-
والكفُّ سامرًا من الدمِ واللحمِ والأعصاب
لم ترضَ الأصابعُ بنصيبِها؛
كلُّ أصبعٍ نَفَضَ عُقلتيه واستقوى بهامتهِ اللامعة
وكان الإبهامُ يبحثُ عن البصماتِ
مثلَ يمامٍ يلقطُ الحَبَّ من الرُكام
يقولُ بحزمٍ: اليد التي تقوى على الهدمِ تبني!
وكان يبني وحيدًا بعُقلةٍ وحيدةٍ، ويصنعُ يدي..!!
(7)
.. والأصابعُ للكفِّ
كفَّانِ للذراعِ
ذراعانِ للساقِ
ساقانِ للمقعدةِ
مقعدةٌ للظهرِ
ظهرٌ للرقبةِ
رقبةٌ للقلبِ
قلبٌ للنبض؛
“النبضْ نَفَسْ داخل ونَفسْ خارج”:
يا الله..
كلُّ هذه التضحيات من أجل رأسٍ واحدة!
(8)
.. وأنظرُ أصابعي
تدُّل على كفِّي
وكفِّي تدُلُّ على ذراعي
أرفعُ ذراعي بالتحيةِ فتعاجلُها ذراعُ أخي بالتحية.
أُنزلُ ذراعي تؤولُ إلى كفِّي
وكفِّي أصابعي؛ تطرقُ البابَ
فتسبقُها أصابعُ أخي بالهديةْ.
“كانت جميلة.. واللهِ”
ولستُ أدري أصابعُ مَنْ رسَمَت السكينَ في كفِّي
ورفعتْ ذراعي لتهوى على أصابعي.
(9)
يقولُ عقربُ الثواني لعقرب الدقائق:
تعبتُ من المُلاحقة؛
أقطعُ ستين وحدةً كي أعانقَك ثانيةً..
هذا كثير.
ويقولُ عقربُ الدقائق لعقرب الساعات:
تعبتُ من المُضاجعة؛ أربعًا وعشرين مرةً في اليوم..
هذا كثير!
وإذ ينظرُ عقربُ الساعات ساعتَهُ، يهتفُ:
“العضو المُهمل يضمُر؛ أنا أعمل إذنْ أنا موجود”.
فتدقُّ الساعةُ:
الأقسى من العمل أن تخضع للميقاتي.
ويقولُ الميقاتيُّ: أنا أعملُ وفقَ نظامٍ يُشتتكم في اليوم أربعًا وعشرين ساعةً كي تجتمعوا ثانيتين؛
واحدةً في منتصفِ النهار،
وأخرى في منتصفِ الليل.
منقوول