.
من الآخرةِ، نطّ أبي، إلى بيتي، من صورةٍ، في الأبيضِ والأسودِ، ضاعَت منذُ حينٍ، ثم صادفتُها عندَ بائعِ أنتيكاتٍ في وَسَطِ البلدِ، يعاتبُني أني لم أَزُرهُ من 10 سنين… وكانَ يُطلّ من عالَمٍ فوقَ خيالي، بأرجوحةٍ، لكأنهُ كِلمةٌ فوقَ طيرٍ تحقّقَ من كُفرِ الطبيعةِ، كيفَ جاءَ: هل ركِبَ قطاراً بمكّوكٍ، من بطنِ غَيمةٍ، في حنينٍ إلى امرأةٍ هجرته؟
لم يفتل أبي شاربَيه، كانَ مثالَه النازيُّ، في نمطِ الأربعينياتِ، عيناهُ كالنّسرِ أن ينقَضّ، بشفتَينِ حالمتَينِ كي يقرأَ، على ذَقنٍ تَهادَى كالحَمَلِ رويداً بحُبٍّ لم تُخضِعهُ موسيقَى، في قاعدةِ مثلّثِ الوجهِ، لو تقلِبهُ، لا يغلي غيظاً من تصاريفِ الإرادةِ في سماءٍ تحتفي بغاباتٍ بيضاءَ قد رآها، وتحتهُ: ستوديو زكي، 19 عبد الخالق ثروت بمِصرَ.
ينظرُ للأمامِ، ويلوي وَجهَهُ، أمي تُهدّدهُ أن يبتسمَ، ولم يَعفُ من جَبروتهِ أن يلينَ؛ 3 مارس 1956، إلى أن سقطَ من السماءِ على مصنعٍ، فكُسِرَ ذراعهُ، وهو يفرحُ، بإجازةٍ أهدَتهُ أن يُضحِكَ أختي كي تُضاحِكَني، وتقلي أمي لحمَ قِشرِ البطيخِ على بطاطسَ مع حُرقوفةِ الجَملِ، كانَ يظنّهُ الباهَ كلّه، وأنا وليدٌ بجِلبابٍ، على حِجري وَردٌ كالأملِ.
يستولدُ العذراءَ، أمي، مِن ثَقبها الذي وَهَبَ (16) قد طارَ نصفُهم خلفَ بابٍ خشبيّ، بيدٍ مَضمومةٍ، يحسَبُ الزمنَ مليئاً بالوعودِ، وكصاحبِ الزّنجِ لا يقوَى على الخُنوعِ، أو: “كيفَ ينفَحُنا اللهُ قلباً، ويردّهُ؟”، وبرائحةٍ حزينةٍ تحتَ المطرِ، كَفّنوهُ ليلَ ثورةِ الطلاّبِ في 1972، بالضبطِ، حينَ “دَقّت الخامسةْ/ وانفرطَ القلبُ كالمِسبَحةْ”…
منقوول