تُعَدُّ الدولة العثمانية من أهمِّ الدول في تاريخ البشريَّة، وهذه ليست مبالغةً في الحقيقة؛ فتاريخها الذي يمتدُّ أكثر من ستَّة قرونٍ شمل مساحاتٍ شاسعةً في ثلاث قارَّات: أوروبَّا، وآسيا، وإفريقيا، ومن الصعب أن تدرس تاريخ دولة من دول غرب آسيا أو شرق أوروبَّا أو شمال إفريقيا دون أن تمرَّ على تاريخ الدولة العثمانيَّة، بل إنَّ تاريخ العالم بشكلٍ عامٍّ متقاطعٌ بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ مع هذه الدولة العريقة، فتقاطعاتها مع إنجلترا وفرنسا وألمانيا والنمسا كثيرةٌ ومتكرِّرة، وتقاطعاتها كذلك مع دول وسط آسيا وجنوبها والدول العربيَّة كلِّها، ودولٍ كثيرةٍ في إفريقيا، تقاطعات لا يُغفلها المؤرِّخون أبدًا، لذلك اهتمَّ جُلُّهم بهذه الدولة الكبيرة، وتعدَّدت الدراسات المتعمِّقة في أحداثها.
قبائل الأتراك قبل العثمانيين
العائلة العثمانيَّة التي أنشأت هذه الدولة الكبيرة هي عائلةٌ تنتمي إلى الأتراك، والأتراك شعبٌ كبيرٌ من شعوب وسط آسيا[1][2]، وقد هاجروا إلى مناطق واسعة من العالم، وانتشروا انتشارًا كبيرًا، ولهم الكثير من الخصائص المشتركة التي تُميِّز عرقهم.
والأتراك أسلموا قديمًا، وقدَّموا كثيرًا من العائلات التي حكمت أقطارًا عدَّةً في العالم الإسلامي، فكان منهم الطولونيون، والإخشيدية، والزنكيون، والخوارزميون، وغيرهم.
أمَّا أشهر قبائل الأتراك -قبل العثمانيِّين- فهي قبيلة السلاجقة، التي أسَّست دولةً إسلاميَّةً عظيمةً في وسط وغرب آسيا عام 1037م = 429هـ[3]، وخاضت صراعاتٍ عِدَّةً مع أعداء الأمَّة الإسلاميَّة، وكانت أشهر معاركهم هي معركة ملاذكرد Manzikert، التي حقَّقوا فيها انتصارًا ساحقًا على الدولة البيزنطيَّة في عام 1071م = 463هـ[4].
كان من نتيجة هذا الانتصار الأخير أن انساح السلاجقة الأتراك في منطقة الأناضول التابعة آنذاك للبيزنطيِّين، ومِنْ ثَمَّ أسَّسوا هناك دولةً ما لبثت أن انفصلت عن الكيان الأم في عام 1077م[5] لتُكوِّن ما عُرِف في التاريخ بدولة سلاجقة الروم، وسُمِّيت بذلك لأنَّها تسكن في أرض «الروم» وهي الأناضول.
أرطغرل والبداية
حكمت سلاجقة الروم أرض الأناضول أكثر من مائتي سنة، من سنة 1077 إلى سنة 1304م[6]، وفي أثناء حكمها توافدت القبائل التركيَّة المختلفة من وسط آسيا؛ لتُقيم عدَّة إماراتٍ في الأناضول تحت سيادة دولة السلاجقة، وكان من هذه القبائل قبيلةٌ صغيرةٌ على رأسها رجلٌ يُدْعَى أرطغرل، وقد أقطعه السلاجقة قطعة أرضٍ صغيرةٍ في غرب الأناضول على حدود ما تبقَّى من الدولة البيزنطيَّة، في منطقةٍ اسمها سوجوت Söğüt، وأرطغرل هذا هو أبو عثمان مؤسِّس الدولة العثمانيَّة[7].
في عام 1243م هَزَمَ المغولُ سلاجقةَ الروم في معركة جبل كوسه Kose Dagh شرق سيواس بالأناضول[8]، وكان من نتيجة ذلك أن صار سلاجقة الروم بكلِّ ما يتبعهم من قبائل تركيَّة تابعين لدولة المغول الإلخانية، التي كان مقرُّها في تبريز بإيران[9].
عثمان الأول والتأسيس الأول للدولة العثمانية
في عام 1281م تُوفِّي أرطغرل، وتولَّى قيادة إقطاعيَّته ابنه عثمان، الذي ظلَّ تابعًا للسلاجقة التابعين بدورهم للإلخانيِّين، وفي عام 1300م = 699هـ أعطى السلاجقة لعثمان بن أرطغرل بعض أمارات الاستقلال كالرَّاية وعصا المـُلْك وغيرها؛ ليكون ذلك علامةً على شبه استقلالٍ لهذه الإمارة الصغيرة عن السلاجقة، وليس عن الإلخانيِّين، ومِنْ ثَمَّ يَعُدُّ العثمانيُّون هذا هو تاريخ تأسيس الدولة العثمانيَّة[10].
في عام 1304م مات غيَّاث الدين مسعود الثاني آخر حكَّام سلاجقة الروم، ومِنْ ثَمَّ صارت الإمارات التركيَّة في الأناضول تابعةً مباشرةً للدولة الإلخانيَّة في إيران، والتي كانت بدورها قد دخلت في طور الضعف[11].
زاد عثمان بن أرطغرل من مساحة إمارته الصغيرة، التي كانت تبلغ أربعة آلافٍ وثمانمائة كيلو متر مربع، حتى بلغت ستَّة عشر ألف كيلو متر مربع عند وفاته عام 1326م[12]، ومع أنَّ مساحة الإمارة حين موته كانت صغيرةً للغاية، فإنَّه رسم خطًّا لأبنائه وحفدته واضحًا يتلخَّص في تفريغ حياته وحياتهم للجهاد في سبيل الله، وتحقيق النصر على الأعداء، ومِنْ ثَمَّ تشرَّب أتباعه هذه الروح، وعليها نشأت الدولة العثمانيَّة، ومثَّلت هذه الروح الجهاديَّة عوامل جذبٍ للفرسان التركمان من القبائل المختلفة، الذين انضمُّوا إلى هذه الإمارة الصغيرة لتتوسَّع بهم، وتزداد قوَّةً في المساحة والجيش.
أورخان واستقلال الدولة العثمانية
في عام 1326م -وبعد وفاة عثمان- تولَّى ابنه أورخان Orhan -وهو الحاكم الثاني للعثمانيِّين- حُكْمَ الإمارة، ومثَّل حكمه الذي استمرَّ ستًّا وثلاثين سنة، من سنة 1326 إلى سنة 1362م، نقلةً نوعيَّةً في تاريخ الدولة العثمانيَّة؛ حيث حقَّق بعض الإنجازات التي أثَّرت بقوَّةٍ في مسار العثمانيِّين. كان من هذه الإنجازات أن استهلَّ حكمه بفتح مدينة بورصا Bursa المهمَّة في الأناضول، وذلك في عام 1326م[13]، وهي أهمُّ مدينةٍ بيزنطيَّةٍ في الأناضول، وقد اتَّخذها عاصمةً لدولته، ومنها انطلق لفتح بقيَّة مدن الأناضول.
ومن إنجازاته المهمَّة كذلك تكوين جيشٍ نظاميٍّ احترافيٍّ للدولة يكون منقطعًا للقتال وليس له أعمالٌ أخرى، وكانت الجيوش قبل عصر أورخان تُجمع وقت الحرب سواء تطوُّعًا أم بالأجرة، فكانت فكرة أورخان هي تكوين جيشٍ يكون عمله الوحيد هو الحرب، ولكي يُحقِّق هذه المهمَّة فقد بدأ في تكوين مؤسَّسةٍ عسكريَّةٍ تعتمد على الأطفال النصارى الذين يُؤخذون من المعارك، أو يُشْتَرَون من أسواق العبيد، فبعد أن يُسْلِم هؤلاء الأطفال، ويتعلَّمون اللغة التركيَّة، يُدَرَّبُون على أمور القتال ليكونوا جاهزين لذلك بشكلٍ احترافيٍّ عند بلوغهم السنَّ التي تسمح لهم بممارسة الحرب.
وقد أُطْلِقَ على هذا الجيش اسم «الجيش الجديد»، وهي تعني بالتركيَّة «يني چري»، التي حُرِّفت بعد ذلك إلى الإنكشارية[14]، وهي الفرقة العسكريَّة الأكثر تطوُّرًا في الجيش العثماني، وسيكون لها فضلٌ كبيرٌ في كثيرٍ من الفتوحات، وهي نفس فكرة تكوين المماليك في مصر والشام قبل ذلك، فكانت فكرة احتواء الأطفال النصارى الذين فقدوا أُسَرَهُم تُحقِّق المنفعة للطرفين؛ خاصَّةً أنَّ هؤلاء الأطفال في مستقبلهم يصلون إلى مناصب كبرى في الدولة، وإلى قيادة الجيوش، ولا يُعاملون معاملة العبيد، بل يُحقِّقون ما يعجز عن تحقيقه الكثير من الأطفال الآخرين في المجتمع.
ومن إنجازات أورخان أيضًا أنَّه أوَّل من أعلن الاستقلال الرسمي للدولة العثمانيَّة عام 1335م[15]؛ وذلك بعد سقوط الدولة الإلخانيَّة التي كانوا يتبعونها في إيران، وهو الذي أعطى إمارة أبيه المحدودة شكل الدولة؛ من حيث كتابة القوانين، وصكِّ العملة، وما إلى ذلك من أمور الدولة[16]، وتبقى أعظم إنجازاته أنَّه هو الذي عبر بالعثمانيِّين إلى الشاطئ الأوروبِّي عام 1352م[17]، ثم فتح قلعة جاليبولي Gallipoli في شبه جزيرة جاليبولي عام 1354م[18]، وبذلك فتح الباب للعثمانيِّين ليبدءوا فتوحاتهم في أوروبَّا، ولتُكتب صفحةٌ جديدةٌ في تاريخ البشريَّة يعبر فيها المسلمون للمرَّة الأولى إلى شرق أوروبَّا.
تزامن عبور أورخان إلى أوروبا مع موت دوشان Dushan زعيم الصرب في عام 1355م، وهذا أدَّى إلى تحلُّل المملكة الصربيَّة، ومِنْ ثَمَّ سنحت الفرصة للدولة العثمانيَّة أن تتقدَّم بخطًى ثابتةٍ في شرق أوروبَّا بعد انهيار أعظم قوَّةٍ فيها في ذلك الحين[19]، خاصَّةً أنَّ الدولة البيزنطيَّة كانت قد وصلت إلى طور ضعفها، ولم تعد قادرةً على مجابهة أعدائها، سواءٌ من المسلمين العثمانيِّين، أم من القوى البلقانيَّة الأخرى كالصرب، والبلغار، وألبانيا.
وصلت مساحة الدولة عند وفاة أورخان عام 1362م إلى خمسةٍ وتسعين ألف كيلو متر مربع؛ أي أنَّه زادها أكثر من خمسة أضعافٍ عن حجمها أيَّام أبيه عثمان[20].
مراد الأول.. الحاكم الثالث في تاريخ الدولة العثمانية
تسلَّم مراد الأول -ابن أورخان- حُكْمَ الدولة العثمانيَّة بدايةً من 1362م، وهو بذلك الحاكم الثالث للدولة، وكما استهلَّ أبوه حكمه بفتح بورصا أهمِّ مدن الأناضول، استهلَّ مراد الأوَّل حكمه بفتح أدرنة Adrianople Edirne أهمِّ مدينةٍ في البلقان بعد القسطنطينية، وذلك في نفس السنة التي بدأ حكمه فيها[21]، وقد جعلها عاصمةً لدولته، وهذا الفتح كان من الأهميَّة بمكان؛ حيث إنَّه فَصَل القسطنطينيَّة عن بقيَّة الدولة البيزنطيَّة في اليونان، فحقَّق بذلك أولى الخطوات في إسقاطها، وأيضًا أعطى فتح أدرنة الفرصة للجيوش العثمانيَّة أن تنساح في البلقان؛ لأنَّ أدرنة تُسيطر على كلِّ محاور الطرق الرئيسة في جنوب شرق أوروبَّا.
انتصر مراد الأوَّل عدَّة انتصاراتٍ ضخمةٍ على جيوش أوروبَّا في البلقان، فحقَّق انتصارًا كبيرًا على الصرب في معركة ماريتزا Maritsa الأولى عام 1364م[22]، وأيضًا في معركة ماريتزا الثانية عام 1371م[23]، وفتح صوفِيا Sofia عاصمة بلغاريا عام 1385م، ثم مدينة نيش Nish المهمَّة في صربيا في 1386م[24]، وأخيرًا حقَّق انتصارًا ساحقًا على ملك الصرب لازار Lazar في موقعة كوسوڤو الأولى عام 1389م[25]، وهي المعركة التي استُشهد مراد الأول في آخرها[26]، لينهي بذلك فترة حكمٍ محوريَّةٍ في تاريخ الدولة العثمانيَّة استمرَّت سبعًا وعشرين سنة، أدخل فيها مراد الأول العثمانيِّين إلى خمسة دولٍ دفعةً واحدة؛ حيث بلغ سلطان العثمانيِّين: بلغاريا، وصربيا، وألبانيا، وكوسوڤو، ومقدونيا، وبذلك زادت مساحة الدولة العثمانيَّة من خمسةٍ وتسعين ألف كيلو متر مربع إلى خمسمائة ألف كيلو متر مربع[27]؛ أي زادها أكثر من خمسة أضعاف حجمها!
بايزيد الأول.. الحاكم الرابع في تاريخ الدولة العثمانية
في عام 1389م تولَّى بايزيد الأول حكم الدولة العثمانيَّة بعد أبيه مراد الأول، وقد عُرِف بايزيد الأول ببايزيد الصاعقة، وهو الحاكم الرابع للدولة العثمانيَّة، وقد حكمها ثلاثة عشر عامًا من 1389م إلى 1402م، وحقَّق فيها عدَّة انتصاراتٍ مذهلةٍ مكمِلًا فتوحات البلقان؛ ففتح سكوبيه Skopje عاصمة مقدونيا عام 1391م[28]، ودخل شمال اليونان Thessaly عام 1394م[29]، وقام بعدَّة فتوحات في شمال بلغاريا، ممَّا أدَّى إلى دخول إمارة الإفلاق Wallachia -وهي جنوب رومانيا- في حمايته عام 1395م[30]، وهزَّ هذا أوروبَّا الغربيَّة؛ لأنَّ هذا يعني عبور العثمانيِّين لنهر الدانوب، ممَّا سيُعطيهم فرصةً للتقدُّم نحو وسط أوروبَّا وغربها، ولذلك حرَّك البابا بونيفيس التاسع Boniface IX حملةً صليبيَّةً كبيرةً لحرب العثمانيِّين، وهي أوَّل حملةٍ كاثوليكيَّةٍ تُواجِه الدولة العثمانيَّة، وكانت بقيادة ملك المجر سيجيسموند Sigismund، وبمساعدة جيوشٍ من فرنسا وألمانيا وإنجلترا، والتقت الجيوش في موقعة نيكوبوليس Nicopolis شمال بلغاريا عام 1396م[31]، حيث حقَّق العثمانيُّون نصرًا كبيرًا فَنِي فيه معظم الجيش الصليبي[32]، واستثمر بايزيد الأول هذا النصر بفتح إمارة ڤيدين Vidin عام 1398م[33]، وكان لهذه الانتصارات أصداءٌ واسعةٌ جعلت الخليفة العباسي القاطن في القاهرة في ظلِّ دولة المماليك آنذاك يُنْعِم على بايزيد الأول بلقب «سلطان»، فكان أوَّل من أُطْلِق عليه هذا اللقب من العثمانيِّين[34].
بعد هذه الانتصارات في أوروبَّا التفت بايزيد الأول إلى الأناضول، وللأسف قام بعدَّة حروبٍ فيها للإمارات التركيَّة المسلمة؛ فضمَّ بهذه الحروب إمارات: قرمان، وقسطموني، وسيواس، بل ضمَّ ملطية والبستان التابعتين لدولة المماليك المصريَّة[35]، وهذا بلا شَكٍّ أوغر صدور هذه الإمارات عليه، فكانت هذه بدايات ضعفٍ في البنيان الداخلي للدولة، كذلك بدأ ظهور الترف، وشاعت كثيرٌ من المعاصي في الدولة[36] ممَّا مثَّل مصدرًا جديدًا للضعف.
وصلت الدولة العثمانيَّة في عام 1402م بعد هذه الفتوحات في أوروبَّا والأناضول إلى مساحة تسعمائةٍ واثنين وأربعين ألف كيلو متر مربع[37]؛ أي ضعف مساحتها زمن أبيه مراد الأول، فكانت دولةً كبرى لها مكانةٌ كبيرةٌ في غرب آسيا وشرق أوروبَّا، ومع ذلك فقد تزامن هذا مع نموِّ الإمبراطوريَّة التيمورية التي أنشأها تيمورلنك الفاتح الآسيوي الشهير في آسيا، وقد أدَّت هذه التوسُّعات العثمانيَّة شرقًا في الأناضول إلى قرب التجاور مع إمبراطوريَّة تيمورلنك، التي كانت قد ضمَّت إيران بكاملها، وفي نهاية المطاف، وبعد تصعيدات على المستوى الدبلوماسي، وصل الأمر إلى الصدام العسكري، فدارت بين الفريقين معركةٌ هي من أكبر معارك القرون الوسطى، وهي معركة أنقرة عام 1402م[38]، وقد كانت هذه المعركة كارثة حقيقيَّة على الدولة العثمانيَّة؛ فقد هُزِمَت فيها هزيمةً ساحقة، وأُسِر السلطان بايزيد الأول نفسه وبعض أبنائه، ومُزِّقت الدولة العثمانيَّة إلى قطعٍ صغيرة[39]، وتقلَّصت بشكل كبير، وكان من أسباب هذا التفتيت للدولة أنَّ زعماء الإمارات التركيَّة في الأناضول أعطوا ولاءهم لتيمورلنك لكراهيَّتهم لبايزيد الأول لكونه غزا أرضهم وحاربهم، ممَّا أسهم في حدوث الهزيمة وتفتيت الدولة[40].
محمد الأول.. الحاكم الخامس في تاريخ الدولة العثمانية
دخلت الدولة العثمانيَّة بعد معركة أنقرة في حربٍ أهليَّةٍ طاحنةٍ بين أبناء بايزيد الأول للتَّصارع على ما تبقَّى من الدولة، ولم يكن للدولة حاكمٌ معروف، لذلك عُرِفَت هذه المرحلة بدور الفترة Interregnum؛ أي الفترة التي ليس فيها حاكمٌ للدولة، وقد استمرَّت أحد عشر عامًا؛ أي من عام 1402 إلى 1413م، والجدير بالذكر أنَّ بايزيد الأول مات في الأسر عام 1403م[41].
في عام 1413م انتصر أحد أبناء بايزيد الأول وهو محمد الأول -الشهير بمحمد چلبي Mehmed Çelebi- على إخوته، وتمكَّن من الصعود بمفرده إلى كرسي الحكم[42]، وقد بدأ بهدوءٍ في إعادة الأمور إلى نصابها، وأعاد من جديد بناء الدولة، وضمَّ كثيرًا من الأراضي التي فقدها العثمانيُّون بعد موقعة أنقرة، وقضى على كثيرٍ من الثورات الداخليَّة، ولذلك يَعُدُّه الكثيرون المؤسِّس الثاني للدولة العثمانيَّة بعد عثمان الأول[43].
استمرَّ محمد چلبي -وهو الحاكم الخامس في تاريخ الدولة العثمانيَّة- في الحكم ثمانية أعوام، من 1413 إلى 1421م، وسلَّم الحكم عند وفاته لابنه مراد الثاني، الذي حكم الدولة وهو في السابعة عشرة من عمره[44].
مراد الثاني.. الحاكم السادس في تاريخ الدولة العثمانية
كان مراد الثاني هو الحاكم السادس للدولة العثمانيَّة، وهو من الحكَّام المتميِّزين الذين ساعدوا على استقرار وضع الدولة العثمانيَّة بعد كارثة أنقرة، ودور الفترة، وبذلك كان مكمِّلًا لدور أبيه في إعادة بناء الدولة العثمانيَّة. حقَّق عدَّة انتصاراتٍ على الدولة البيزنطيَّة ممَّا اضطرَّها إلى عقد هدنةٍ معه في عام 1424م[45]، وحقَّق انتصارًا كذلك على المجر وصربيا عام 1427م[46]، وعلى البندقيَّة في حرب السنوات الخمس من 1425 إلى 1430م[47]، وانتهى الأمر بعقد هدنةٍ واتفاقيَّاتٍ تجاريَّةٍ مع البندقيَّة عام 1430م[48]، وأعلنت البوسنة قبولًا لتبعيَّة الدولة العثمانيَّة عام 1436م[49]، وهدأت الأوضاع في الأناضول بعد إخماد عصيانٍ لإمارة قرمان عام 1439م[50].
حَكَم مراد الثاني الدولة العثمانيَّة لمدَّة ثلاثين سنة، من عام 1421 إلى 1451م، ويُمكن القول: إنَّ السبع سنوات الأولى -أي من سنة 1421 إلى سنة 1428م- كانت معنيَّةً بتثبيت الأقدام واستقرار الأمور، ثم أخذت الدولة في التوسُّع واستعادة أملاكها المفقودة[51].
[3] ابن الأثير: الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1997م، 7/784-785.
[6] محمد سهيل طقوش: تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى، دار النفائس، بيروت، لبنان، 2002م، ص53-367.
[10] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة عدنان محمود سليمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، تركيا، إستانبول، 1988م، 1/91.
[11] محمد سهيل طقوش: تاريخ سلاجقة الروم في آسيا الصغرى، ص367.
[12] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/92.
[20] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/97.
[27] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/101.
[34] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/111.
[35] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/106.
[36] ابن حجر العسقلاني: إنباء الغمر بأبناء العمر، تحقيق: د حسن حبشي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - لجنة إحياء التراث الإسلامي، مصر، 1969م، 2/226-227.
[37] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/111.
[43] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/116.
[50] يلماز أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، 1/123.
[51] هذا المقال من كتاب "قصة السلطان محمد الفاتح" للدكتور راغب السرجاني .