ڤيتامينات للعاطفة
بعد ان نتوقع قدومه، ونحسب ساعات تأخره على الحدود، وإجراءات التفتيش الجمركي، كنا ننتظر أبي المسافر على بعد ميلين من الشوق..نسلط أنظارنا على أول الشارع، نرقب السيارات القادمة من الجنوب، تلك المزينة برمل الصحراء الناعم، ذات الزجاج المعطّر بالسفر..وعندما يقترب صوتها الخشن من الحي .
نتأهب بكامل عواطفنا بانتظار ان تصطف أمام بيتنا ..وقبل ان يرتاح محركها المبحوح بالسفر..وينزل ابي منها بابتسامة شققها الغياب والتعب ..نركض عليه نرمي أنفسنا دون تفكير في حضنه نقبّل يديه المبللتين بملوحة عرقه الطيب..نحمل «فروته» التي رافقته طيلة يومي سفر، نختبئ فيها، نشمّ جاكيته المعتّق بالغربة والمسافة والدخان ثم نشرب من عسل عينيه الذابلتين طمأنينتنا!..
الأسبوع الماضي وبسبب الانشغال غبت عن البيت يومين متتاليين..اشتقت فيهما لشغب الأولاد، وحكاياتهم، لقبلاتهم،لمشاجراتهم، لطريقة نومهم العشوائية هنا وهناك ... عندما أوقفت سيارتي قرب البيت بعد العِشاء، وفتحت الباب، كانوا متسمّرين أمام الكمبيوتر..»مساء الخير يا أولاد!» قلتها بشوق ابوي رزين..لكن احداً لم يجب..وكأنني مجرّد قطّة تسللت الى داخل البيت لا أكثر.
نهرتهم أمهم - جزاها الله خيرا- على برودهم وأمرتهم ان يقفوا ويسلموا عليّ بعد غياب ..فرد كبيرهم الذي علّمهم « التطنيش»...»طيب بس تا أخلص اللعبة»..بينما صوت تفجير الدبابات وقذف القنابل تخرج من سماعتي كمبيوتره المنصوبتين كراجمات الصواريخ..أقوى من صوت قبلي الذابلة ...
***
ترى لِمَ كنا نحبّ اباءنا أكثر ؟!!..
آه... لو ان هناك فيتامنيات للعاطفة او مطاعيم دورية لصناعة «الحب»!!