علماء يخترعون لقاحًا مضادًا للأخبار الكاذبة
هل تشتكي من كثرة ما يبث في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية من أخبار ومعلومات لا تعلم مدى صحتها أو دقتها، والتي غالبًا ما يكون جزء كبير منها غير صحيح. حسنًا.. قال علماء إنهم تمكنوا من تطوير لقاح نفسي مضاد للأخبار الوهمية والكاذبة، والذي يمكن استخدامه لتحصين الناس ضد المعلومات المضللة.
وقال الباحث الرئيس وراء هذا الاختراع، «ساندر فان دير ليندن»، من جامعة كامبريدج، إن المعلومات المضللة يمكن أن تكون لزجة وتتكاثر وتنتشر مثلها مثل الفيروس. وأضاف «أردنا أن نرى ما إذا كان يمكننا العثور على لقاح يساعد الناس على حمياتهم من هذه الأخبار والمعلومات المضللة، وذلك عبر تعريض الناس لكمية صغيرة من نوع المعلومات الخاطئة التي قد يواجهونها أو يتعرضون لها. وبالتالي تصبح هذه الكمية الصغيرة من المعلومات بمثابة تحذير يساعد على الحفاظ على الحقائق».
وقبل التطرق للتفاصيل، علينا أن نعرف أن اللقاح – في الطب – هو مستحضر بيولوجي يمنح جسم الإنسان نوعًا من المناعة تسمى المناعة المكتسبة، وهي تلك المناعة التي لا تولد مع الطفل، بل يكتسبها بعد التعرض لتجارب وأمراض مختلفة. وغالبًا ما يصنع اللقاح من نفس الجراثيم (بكتيريا أو فيروسات) المسببة للمرض المراد الحماية منه، لكن بعد أن يجري تضعيفها أو قتلها، كما يمكن أن تستخدم كمية ضئيلة من سموم هذه الجراثيم أو أحد البروتينات المكونة لغلافه الخارجي.
الفكرة وراء اللقاح هي أن تعريض جسم الإنسان لكمية ضئية أو جزء ضعيف من مسبب المرض، يؤدي إلى تنبيه مناعة الإنسان تجاهه، فيقوم ببناء أجسام مضادة تقتل هذه الكمية الضئيلة. تظل هذه الأجسام المضادة موجودة في جسم الإنسان، ويطبع نوع هذه الجراثيم في ذاكرة جهاز المناعة، بحيث إذا ما هاجمت الجراثيم الحقيقية جسم الإنسان، تمكنت المناعة من التعرف عليها والقضاء عليها نهائيًا، دون مساعدات خارجية.
المعلومات تحدد رأيك
واستخدم العلماء نفس هذه الفكرة، لكن على المستوى النفسي، وليس بيولوجيًا. وجمع الفريق البحثي أكثر من ألفي ممثل وطني من سكان الولايات المتحدة، من مختلف الأعمار والأجناس والميول السياسية ومستويات التعليم.
وبدأ الباحثون بدراسة أفكار هؤلاء الأشخاص بشأن تغير المناخ، وهي قضية مشحونة سياسيًا في كثير من الأحيان؛ مما يجعلها هدفًا لكثير من المعلومات المضللة، على الرغم من وجود قاعدة متينة من الحقائق والأبحاث.
وعرض الباحثون على هؤلاء مجموعة من عدد من الحقائق التي يبدو أنها معلومات سليمة علميًا في شكل بيانات، على سبيل المثال، عرضوا عليهم معلومة تقول إن «97% من علماء المناخ قد خلصوا إلى أن ظاهرة الاحتباس الحراري الناجمة عن الإنسان تحدث بالفعل».
كما عرض الباحثون مجموعة مع المعلومات الخاطئة المأخوذة من عريضة ولاية أوريغون التي من المعروف عنها أنها مزورة، والتي تنص على أن «31 ألف من العلماء الأميركيين يذكرون أنه لا يوجد أي دليل على أن غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يطلقه الإنسان في غلافه الجوي يتسبب في تغير المناخ».
وبعد سماع هذه التصريحات، طلب من المشاركين تقدير مدى اعتقادهم بمستوى الاتفاق العلمي الحالي بشأن تغير المناخ، وذلك لنرى كيف يمكن أن يؤثر سماع معلومات مختلفة على آرائهم الشخصية. ووجد الباحثون أن مجموعة الأشخاص الذين عرضت عليهم المعلومات الدقيقة – في شكل مخطط دائري – وصفوا الإجماع العلمي حول الاحتباس الحراري بأنه «عالي جدًا»، بينما ذكرت تلك المجموعة التي عرض عليهم فقط التقارير المضللة بأن الإجماع العلمي «منخفض جدًا»، وهو أمر يبدو سليمًا؛ لأن هذه هي الحقائق الوحيدة التي كانت تسيرهم.
لكن ظهر أمر مقلق للباحثين عندما عرضوا على إحدى المجموعات شكل المخطط الدائري الصحيح علميًا، ثم عرضوا عليهم مجموعة المعلومات المضللة. فقد اكتشف العلماء أن رؤية كل البيانات يؤدي إلى إلغاء بعضها البعض بشكل فعال؛ مما يؤدي إلى وضع الناس في حالة من التردد.
وقال «فان دير ليندن» إنه أمر غير مريح على الإطلاق أن تعتقد بأن المعلومات الخاطئة فعالة جدًا في مجتمعنا، ويمكن أن تغير رأينا وتشتتنا عن المعلومات الصحيحة. وأضاف «كثير من مواقف الناس تجاه قضية تغير المناخ ليست حازمة جدًا. وهم يدركون أن هناك نقاشًا يدور، لكنهم ليس بالضرورة متأكدين حول ما يعتقدونه. فالرسائل المتضاربة يمكن أن تتركهم في ظل شعور محير في المربع رقم واحد».
لقاح نفسي
وفي حين كان الفريق البحثي يجمع هذه البيانات ذات الإجماع، قاموا بإعطاء مجموعتين في الدراسة، نوعين مختلفين من اللقاحات النفسية.
النوع الأول – الذي يسمونه «التلقيح العام» – جاء في صورة بيان إنذار، فيما يلي نصه «بعض الجماعات ذات الدوافع السياسية تستخدم تكتيكات مضللة في محاولة لإقناع الرأي العام بأن هناك الكثير من الخلاف بين العلماء».
وكان النوع الثاني أكثر ريادة قليلًا، وذلك عبر اختيار جزء من المعلومات أو البيانات المضللة وإظهار كيف أنها مضللة ومخادعة وليست حقيقية. على وجه التحديد، أن نذكر أن 1% فقط من الموقعين على عريضة ولاية أوريغون كان لديهم خلفية في علم المناخ (وبالتالي هم ليسوا مؤهلين للتحدث عن التغير المناخي والاحتباس الحراري). وقد أطلق على هذا النوع اسم «التلقيح التفصيلي».
في النهاية، وجد الباحثون أن التلقيح العام زاد من دقة المشاركين في التخمين حول نسبة الإجماع العلمي بنسبة 6.5%. ومع إضافة التلقيح التفصيلي، قفز هذا الرقم إلى 13%.
هل تستطيع التفرقة بين المعلومة الحقيقية والمضللة؟
وهذا يشير إلى أن التلقيح عمل على المساعدة في وقف انتشار المعلومات المغلوطة من خلال منحهم الأدوات اللازمة لتحديد الأمور العلمية بدقة. وكانت هذه النتائج حقيقية أيضًا عبر الأحزاب السياسية، التي تعد هي القضية الرئيسة الآن في العديد من دول العالم، ومنها الولايات المتحدة.
وذكر فان دير ليندن أنهم وجدوا أن رسائل التلقيح كانت فعالة بنفس القدر في تحويل آراء الجمهوريين والمستقلين والديمقراطيين في اتجاه يتفق مع استنتاجات علم المناخ، وبالتالي إقناع هؤلاء أن التغير المناخي هو حقيقة فعلية. وأضاف «ما يلفت النظر هو أنه، في المتوسط، لم نعثر على أي أثر لنتائج عكسية خاصة برسائل التلقيح بين الجماعات الميالة إلى رفض علم المناخ، فإنه لا يبدو أن هذه المجموعة تراجعت فيما يتعلق بنظريات المؤامرة».
هذا يعني أنك إذا لم تكن قد حسمت رأيك بسبب تشتتك بين معلومات صحيحة وأخرى مضللة، فإن عملية التلقيح ستساعدك كثيرًا على التمييز بينهما، بينما إن كان لك رأي مسبق مقتنع به يسير في الاتجاه الخاطيء، فإن التلقيح لن يساعدك.
ومع ذلك، فإن الفريق لا يقول أنه سيكون هناك دائمًا بيننا من لا يرغبون في تغيير وجهات نظرهم. وذكر فان دير ليندن أنه سيكون هناك دائمًا أشخاص مقاومين تمامًا للتغيير، «لكننا نميل للعثور على أن هناك مجالًا لمعظم الناس لتغيير عقولهم، حتى قليلًا».
يقول الفريق البحثي إنه عندما نتحدث عن مواضيع مشحونة سياسيًا، مثل تغير المناخ، يجب على الباحثين أن يقدموا بيانًا يوضح المعارضة السياسية المعقدة لذلك، والتي من شأنها أن تشجع المزيد من الناس على التعرف على القوة العلمية للبحث.
وكي نكون أكثر وضوحًا، فلا توجد كلمة حاليًا تتعلق بكيف يمكن لهذا النوع من التلقيح أن يعمل في صفحة الأخبار الخاصة بك على «فيسبوك»، على الرغم من أن عرض الحقائق العلمية للناس سيجعلهم يتقبلون الحقيقة بشكل أفضل، لكن يبدو أن الأمر يحتاج لمزيد من البحث، حتى يمكن استغلال هذا التلقيح بصورة فعالة.