طيور «انتحارية» وجرذان تحفر أنفاقًا.. أغرب سلوكيات الحيوانات التي حيرت العلماء

عالم الحيوان عالم مليء بالغرائب التي لم ينجح الإنسان بعد في فك شفرتها أو تفسير أسباب حدوثها، ورغم وجود بعض الفرضيات التي تحاول الوصول إلى تفسير لبعض تلك السلوكيات الحيوانية الغريبة، إلا أنها لم ترق بعد إلى إمكانية وصفها بالتفسيرات العلمية المثبتة بأدلة منهجية، وفيما يلي بعض من تلك السلوكيات.
طيور جاتينجا «الانتحارية»
يبدأ موسم هطول الأمطار السنوي في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) بشبه القارة الهندية، وتحديدًا تلك القرية الصغيرة والمسماة «جاتينجا»، بولاية «أسام» التي لا يتعدى عدد سكانها 2500 نسمة، ومع اقتراب رحيل شمس النهار يبدأ السكان في ترقُّب وصول موجات الرعب السنوي التي يستعدون لها بكلّ ترقُّب.
سرعان ما تبدأ أسراب الطيور في التحليق مقتربةً من القرية بسرعةٍ كبيرة ثم تندفع بكل قوَّتها إلى أضواء القرية ومشاعلها وتثير الفزع والرعب في قلوب الكبار قبل الصغار لعدة ساعات -عادةً ما تبدأ في السادسة مساءً وتنتهي قرب العاشرة-، قبل أن يبدأ أهل القرية في مقاومتها بعصي البامبو والإجهاز على من لم يلقَ مصرعه من الطيور الانتحارية.
لمدة أكثر من 100 عام
-بحسب موقع «أتلاس ابسكورا»– عانى أهل قرية جاتينجا من تلك الظاهرة الغريبة التي أسمتها بعض الدراسات «طيور الكاميكازي» نسبة إلى الطيارين الانتحاريين اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية، رغم أنه في أغلب الحالات لا «تنتحر» تلك الطيور بالمعنى المعروف عندما تندفع نحو ميادين وشوارع القرية، وإنما غالبًا ما يجهر عليها السكان بالعصي معتقدين أنها «أرواح شريرة» جاءت ترعبهم أو «لعنة» لحقت بقريتهم، وبينما عكف الكثير من علماء الأحياء والسلوك الحيواني لفترات طويلة.

قدم بعض الدارسين للظاهرة أكثر من فرضية، أو أطروحة لتفسير ذلك الحدث، مثل «
سودهير سنجوبتا» الباحث في علم الحيوان الذي افترض أن هناك تغيرات مناخية قد تكون هى العنصر الرئيسي وراء ذلك بما فيها تغيُّر «مغناطيسية» المياه الجوفية التي قد تقوم بتشتيت بوصلة الطيور الطبيعية، ومن ثم تتسبب في هذا التصرف، وقد يكون السبب في تشتيت الطيور أثناء هجرتهم السنوية بشكل محموم إلى تلك القرية هو «المشاعل النارية» التي تضاء في القرية، ولكن حتى اليوم لم يُقدم دليل علمي منهجي ومتوافق عليه من قبل غالبية الأكاديميين في علم الطيور.
غناء الحيتان يزداد عمقًا.. ولا أحد يعلم لماذا
من بين الكائنات البحرية يحتلّ الحوت الأزرق مكانة خاصة، كونه أحد أضخم الكائنات على الكوكب، بالإضافة إلى سلوكه الفريد الذي ينتهجه في عملية التآلف والتزاوج، من المعروف لدارسي الأحياء البحرية أن الحيتان الزرقاء مميزة بنداءاتها الصوتية الفريدة والتي أطلق عليها
غناء الحيتان، والتي ترتحل تحت سطح الماء لآلاف الكيلومترات وهي بمثابة نداء من ذكور الحيتان للإناث لبدء عملية التزاوج.
في عام 2009
نشرت جريدة «دايلي ميل» البريطانية موضوعًا يتناول اكتشافًا هامًا لعلماء الأحياء البحرية؛ وهو تلك النداءات الصوتية، أو «الغناء» الذي تزداد تردداته عمقًا بمعدَّل ثابت وبشكل سنوي، حيث غيرت حيتان شمال شرق المحيط الهادي ترددات أصواتها التي خفّت بشكل تدريجي ما بين الأعوام 1963 إلى 2008 بنسبة 30% وهو بمثابة تغيير نغمة مفتاح آلة البيانو ثلاث درجات.
غناء الحوت الأزرق

ويقول جون كولموكيديس خبير الحيتان الزرقاء في مركز «كاساديا كولكتيف»: «إنه لكشف مذهل، والأكثر تميزًا أيضًا أن تلك الأغاني تختلف بين حيتان المحيطات المختلفة أنفسها، قد يبدو أن التغييرات خاصة بحيتان المحيط الهادئ وحدهم، لكن التغيرات في الواقع تظهر تغيرًا في كل الحيتان».
ويضيف أنه ربما جاءت تلك التغيرات من قبل الحيتان من ارتفاع الضوضاء في المحيطات عما كانت عليه من قبل، ولكن هذا التغير من الأحرى أن يرفع الترددات أكثر لتزداد حدة بدلًا من خفضها لتزداد عمقًا، فيما طرح فريق آخر فكرة ازدياد «حموضة المياه» في المحيطات والذي قد يكون هو المؤثر في استقبالنا لدرجات التردد الصوتي التي تصدرها الحيتان.

«بوصلة» الأبقار تشير إلى الشمال
واحد من الاكتشافات التي لم تكن لتظهر في هذا العصر لولا ابتكار «
جوجل إيرث»، هذا البرنامج الذي قدم لنا منظورًا خارجيًا لكوكب الأرض، وسمح لنا بمشاهدة أي بقعة على هذا الكوكب عبر الأقمار الصناعية، ففي عام 2008 خرج بعض الهواة بكشفٍ قد يبدو عاديًّا في بداية الأمر، ولكن مع التأمل ومراقبة باقي أرجاء الأرض اتضح أن أغلب الماشية – الأبقار بشكل خاص – تتراص قطعانها دائمًا في المراعي المفتوحة بشكلٍ منتظم، وهو اتجاه رؤوسها نحو الشمال. بينما تشارك في هذا السلوك قطعان الغزلان البرية.
وبعدما ارتفع التساؤل بين الأوساط العلمية أجاب بعض العلماء من
الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة أن تلك الظاهرة ترتبط بالمجال المغناطيسي للأرض والذي يؤثر في «البوصلة الداخلية» للحيوانات، ويجعلها تتجه بشكل تلقائي إلى ناحية الشمال.


الأبقار تتجه إلى ذات الاتجاه بشكل دائم – المصدر providr.com
وفي تطور لدراسة الظاهرة قام
فريق علمي من جامعة «مساريك» في جمهورية التشيك بمراقبة أكثر دقة لقطعان الماشية والأبقار عبر «جوجل إيرث» أثناء الطعام والشرب، وحتى تتبع مسارات سيرها إلى الحظائر، وأوقات راحتها، التي أظهرت أن الأبقار تميل دائمًا في أوقات الراحة دون غيرها إلى اتجاه الشمال أو الشمال الشرقي، مما يؤكد على الأطروحة الأساسية بوجود بوصلة داخل الحيوانات ترشدها بطريقة ما إلى قطب الشمال.

إذا كنت ممن يتملكهم الشغف لمعرفة القدرات الخاصة لبعض فصائل الحيوانات؛ فإن هذا الحيوان شديد التميز هو بالطبع واحد من أكثر الحيوانات غرابة على الإطلاق، «
جرذ الخلد العاري – Naked mole» هو حيوان من فصيلة القوارض التي تستوطن أجزاء من غرب أفريقيا، وهو واحد من أكثر القوارض تَكيفًا مع بيئته، الخلد العاري عادة ما يعيش في أنفاق يحفرها بنفسه تحت الأرض، وهي البيئة الأكثر أمانًا له، ولكن للمصادفة أيضًا، هي البيئة الوحيدة التي أقر علماء الأحياء بأنها الأقرب للنجاة في حالات الإبادة الشاملة؛ حتى بالنسبة للبشر.
الخلد العاري يحفر أنفاقًا منظمة ومزودة بتجاويف مميزة ونظام تهوية تمتد لمساحة توازي «20 ملعب كرة قدم»، و تتسع لأكثر من مستعمرة للجرذان – من 20 لـ 300 جرذ- ، كما تحتوى على أماكن لتخزين الطعام، وحتى التخلص من الفضلات، و«طرق سريعة» تربط المستعمرات ببعضها البعض، كما أنه يتميز بزوجين من الأسنان القارضة شديدة التعقيد؛ المتعددة الأغراض مثل «سكين الجيش السويسري» والتي تساعده في عمليات حفر الأنفاق، بل إن عملية مراقبة الخلد العاري بالتصوير البطيء أظهرت قدرته على تحريك أسنانه السفلية بشكلٍ مستقل – كل سنّ أمامي يتحرك بشكل مستقل- والتي تمكنه أيضًا من حمل وتقطيع أنواع مختلفة من الطعام.

ولكن الأكثر إثارة للدهشة على الإطلاق في هذا القارض «الخارق» هي
قدرته الفريدة على الركض بشكل عكسي، أي إلى الخلف بسرعة تفوق ركضه إلى الأمام في الاتجاه التقليدي مستخدمًا الشعيرات الشوكية على جسده بمثابة مُستشعر للاتجاهات، بالإضافة إلى إمكانيته أن يظل دون أكسجين مدة 18 دقيقة كاملة، وهو يعيش –عكس القوارض كلها- لأكثر من 30 عامًا مع احتفاظ إناثه بالخصوبة ذاتها.
الغراب.. أكثر تعقيدًا من مجرد طائر شؤم
الغراب واحد من أكثر الطيور إثارة للدهشة في مملكة الطير، بداية من ذكره في الديانات الإبراهيمية، فهو مبعوث الله لقابيل ليكون دليلًا له ليواري جثة أخيه المقتول التراب، وهو الذي قيل إنّ النبي «نوح» أرسله هو وحمامة أثناء إبحاره في الطوفان ليعود بخبرٍ عن وجود أرض فلم يعد وعادت الحمامة بغصن الزيتون، ولكن ما لم يذكره القصص الديني هو ذكاء الغراب الشديد، وقدرته الفائقة على تذكُّر الوجوه البشرية التي يراها.
في
مقال عن سلوك طيور الغربان نشره موقع «لايف ساينس» العلمي عن بحثٍ مطوَّل عن الغربان ومراقبتها ودارسة سلوكها؛ فقد وُجد بعد فحص أدمغتها أنَّ عقول الغربان «تضيء» مثل عقول البشر عند رؤية وجه تعرفه، وأن الغربان محل الدراسة لم تنسَ الأشخاص الذين قاموا بإمساكها أو القبض عليهم في البرية، كما أنها تستطيع أن تحمل «الضغينة» تجاه الأفراد والغربان الأخرى.

هذا بالإضافة إلى سلوكها الغريب -شديد الشبه بالبشر- وتحديدًا في أنها تقيم مراسم «جنازة» لموت أو دفن أفرادها، ليس هذا فقط، لكن الأكثر إدهاشًا هو «المحاكمات»، حيث تقيم أسراب الغربان
محاكمات للطيور المذنبة –دون نظام قانوني مثل المتعارف عليه بل التجمّع على إدانة الجاني-، بالإضافة إلى أن بعض فصائلهم تتخذ شريكًا واحدًا لا يغيرونه حتى بعد موت الشريك