بعضها تعلّمتها من البشر.. هل سمعت من قبل عن العنصرية في عالم الحيوان؟
كثير من التشابهات بين عالم الحيوان وعالم البشر، وكثيرًا ما كان للحيوان الفضل في تعليم الإنسان كيفية التعامل مع الطبيعة حوله، وحين نتحدث عن العنصرية، فقد نظن أنها أمر يخص البشر فقط، ولكن ما اكتشفه علماء سلوك الحيوان مؤخرًا أن هناك صورًا مختلفة من العنصرية في عالم الحيوان، هذا بالإضافة إلى العنصرية التي يعاني منها الحيوان أمام تصرفات البشر، فهل علّم الحيوان العنصرية للإنسان، أم أن الأمر سار بالعكس؟
هل بدأت العنصرية من عالم الحيوان؟
شعار «نحن ضد الآخر» يروّج له البشر منذ زمن بعيد، سواء بغرض التطرف الديني، أو إثارة مشاعر القومية والوطنية، أو حتى تفضيل عرق على الآخر لاقتناعهم بسموه، أو أي سبب وراء تصنيف الآخر؛ فالبشر يسعون إلى هذا التقسيم سعيًا مستمرًا وهو الأمر الذي لفت نظر بعض الباحثين، وطرح أمامهم السؤال عن جذور تلك الرغبة المتأصلة في الإنسان للعنصرة والتفريق، ولذلك اشتبه بعضهم بوجود تلك الخاصية في الرئيسيات غير البشرية مثل القرود، وعلى أساسها أجرى مجموعة من الباحثين البريطانيين والاستراليين دراسة للإجابة عن هذا السؤال، ونُشرت الدراسة في مجلة «Animal Behavior» بعام 2016.
خلال تلك الدراسة؛ حلل فريق الباحثين سلوك 15 فصيلة من فصائل القرود مثل قردة البابون، والمكاك، وتعاملهم مع الفصائل الأخرى، وطبيعة اللقاءات بين العشائر المختلفة والتي قد تحدث عن طريق الصدفة، وتُظهر نظرة القرد للقرد المُنتمي لفصيلة أخرى.
وحلل العلماء أيضًا طبيعة تصرفاتهم أثناء النزاعات فيما بينهم، أو في فترات الصيد؛ في محاولة لتحليل مقاييس شدة العداء خلال تلك اللقاءات ومستوى التعاون وفقًا لتشابه الفصائل واختلافها، ومعالم الإيثار والصداقة داخل الفصيلة الواحدة، أو المجموعة الواحدة داخل الفصيلة.
وما أكدته الدراسة أن الكراهية والعدوانية تجاه الفصيلة المختلفة، تعزز روابط التعاون والتوافق بين أفراد الفصيلة المحتكة بها، وتعاونها على كره الفصيلة المختلفة عنهم؛ يدفعهم إلى حبهم لبعضهم البعض؛ الأمر الذي يتشابه – بحسب الدراسة – مع السلوك البشري حينما تواجه مجموعة واحدة عدو خارجي أو عدو مختلف؛ فيجتمعون على كلمة رجل واحد بغرض حماية أنفسهم من هذا الغريب، ولذلك بشكل غير مباشر تشير تلك الدراسة أن ممارسة العنصرية بين القرود تساعد على تعزيز الروابط داخل الفصيلة الواحدة.
تلك الخاصية في القرود اعتبرها بونافينتورا ماجولو أستاذ السلوك البيئي بجامعة لينكولن والمُشرف على الدراسة؛ سمة رئيسة من سمات العنصرية والتمييز اللذين نراهما في تصرفات البشر الآن بوضوح، مؤكدًا أن تلك الدراسة كان لها الدور في إثبات تدرج تلك الخاصية وتطورها من القرود، مشيرًا إلى أن تلك الخاصية يُطلق عليها في عالم الحيوان «ضيق أفق التفكير» أو «parochialism» وهو الذي تطور مع البشر ليكون اسمه «عنصرية».
جمال النشارالكلب العنصري.. هل علّم البشر أوفى الحيوانات العنصرية؟!
تقول له السيدة: «أشك أن كلب ابنتي عنصري»، ثم توضح لأستاذ علم النفس السلوكي بجامعة كولومبيا ستانلي كورين، أنها حينما تسير بكلب ابنتها في الطرقات، لا ينفك يعوي على أي شخص أسود البشرة، وعليه سألها ستانلي عن التجربة السيئة التي مرت بها ابنتها مع شخص أسود؛ لتحكي له السيدة عن واقعة سرقة حدثت أمام كلبها؛ حينما سرق رجل أسود حقيبتها، وأوقعها على الأرض مُصابة بجروح.
في دراسة حديثة عن سلوك الكلاب، أكد الباحثون من خلالها أن الكلب لديه القدرة على مراقبة أدق التفاصيل السلوكية لمالكه، ولذلك موقف الإنسان صاحب الكلب تجاه باقي البشر يحدد موقف الكلب نفسه تجاههم مع الوقت، ويؤكد ستانلي أنه قابل اكثر من كلب يمارس تصرفات عنصرية وتفرقة، سواء بناءً على السن أو الجنس أو اللون وفقًا لنوع العنصرية الذي يمارسها صاحبه.
في تلك الدراسة اختار الباحثين بالمختبر النفسي المعرفي التابع للمركز الوطني للبحوث العلمية بجاكمة إيكس بفرنسا؛ 72 كلبًا جميعها حيوانات أليفة تنتمي إلى عائلة تقليدية، واشتملت التجربة على تسجيل سلوك الكلاب في حين يواجه صاحبها ثلاثة أشخاص، ويمنح كل شخص منهم رد فعل مختلف اختلاف طفيف للغاية، فالأول يصافحه بحفاوة ويتقدم تجاهه ثلاث خطوات، والثاني يقف صاحب الكلب ساكنًا أمامه دون أي حركة، بينما مع الطرف الثالث يتراجع مالك الكلب ثلاث خطوات للوراء.
ما اكتشفه الباحثون في تلك الدراسة أن هذا التراجع الطفيف للوراء قد أحدث فرقًا في تقبل الكلب للطرف الآخر، وأظهر الكلب حركات جسدية واضحة لإحساسه بعدم الأمان تجاه هذا الشخص، وأقبلت بعض الكلاب على محاولة حماية صاحبها منه، بينما بعض الكلاب رفضت الاقتراب من الطرف الذي ابتعد عنه صاحبها ثلاث خطوات فقط، الأمر الذي يوضح أن تصرفات الإنسان العنصرية؛ يمكنها بسهولة شديدة نقل تلك الصفة إلى الكلب المدلل، وأن الكلب يكون عنصريًا بقدر عنصرية صاحبه.
قبل البداية في هذا الجزء من التقرير، وجب التنويه أنه من الناحية الفلسفية ثمة نقد لهذا المنظور في رؤية العنصرية بين الحيوانات، باعتبار أن العنصرية، والتمييز ضد الأجناس أو الأنواع هي صفات لا تنطبق إلا على الإنسان، إذ أنه يصعب منطقيًا وصف أسد في الغابة بأنه غير رحيم لأنه يأكل الحيوانات الأليفة ويفترسها، لكن ههنا، وفي الأجزاء القادمة من التقرير سنتعرف على وجهة النظر الأخرى والتي يتبناها عادة علماء سلوك الحيوان.
بين البشر ظهر مفهوم النسوية، ومراكز حقوق المرأة، والكثير من الحركات، سواء في المجتمع العربي أو الغربي، والتي كلها تسعى للمساواة بين المرأة والرجل، مؤكدين أن المرأة لا تحصل على حقوقها كاملة، خاصة حينما يتعلق الأمر بالأجور في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تحصل المرأة على راتب أقل لمجرد كونها أنثى، والبعض يُطلق على هذا الأمر عنصرية بناءً على الجنس، وتمييزًا ضد المرأة، في المقابل؛ بمملكة الحيوانات الأمر يختلف.
حينما يأتي موسم التزاوج لدى الحيوانات على الذكور سن أنيابها، وشحذ أسلحتها، والاستعداد للموت حرفيًا؛ فالذكر بنسبة كبيرة من مملكة الحيوان ليس لديه حق اختيار الأنثى التي يتزاوج معها، بل عليه المصارعة والقتال مع باقي الذكور، والذي ينتصر يفوز بالأنثى ويعيش نسله من خلال تزاوجه معها.
في مملكة النحل تتميز الأنثى بعنصرية شديدة بحسب وصف بعض الباحثين، فالمُسيطر في هذا المجتمع المُنظم هي الملكة، ولذلك تسيطر النزعة الأنثوية على الخلية، وليس على ذكر النحل سوى القتال مع باقي ذكور النحل حتى يموتوا جميعًا ويتبقى الأقوى منها، ويتزاوج مع النحلة الملكة؛ لينفجر عضوه الذكري داخل جسدها بمجرد القذف، فأين حقوق الرجل في هذا المجتمع الأنثوي؟
وداخل عالم البحار، هناك نوع من السمك يحتاج ذكوره الكثير من محاميي حقوق الحيوان لينظروا في أمره، وهي سمك أبو الشص، وأنثى هذا النوع من السمك أكبر حجمًا من الذكر، ولهما طريقة غريبة في التزاوج. يقترب الذكر من جسد الأنثى ويلتصق بها وكأنه إحدى زعانفها، ويبدأ في اختراق جسدها، ومع كل جزء يخترقه الذكر في جسد الأنثى، يذوب جسده ويمتزج مع جسدها ويفنى فيها حتى يتحولا إلى كائن واحد حرفيًّا، وبهذه الطريقة تنتقل بذور التزاوج داخل السمكة الأنثى، ويفنى الذكر.
أما أنثى طائر الفرقاط فهي تمارس عنصرية أقل قسوة؛ فهي تميز بين الذكور وفقًا للمظهر الخارجي، وفي موسم التزاوج تتوقع الأنثى العرض الأكثر إغراءًا من ذكر الفرقاط، وهذا الطائر الأسود له رقبة حمراء اللون، يستطيع الذكر النفخ فيها بموسم التزاوج حتى تتحول إلى قلب أحمر كبير، وتختار الأنثى الذكر ذا القلب الأحمر الأكبر لتتزوجه، بينما تلفظ من خلقوا بقلب أحمر صغير دون أن يكون لهم ذنب.
اختبار عنصرية الحيوانات
تخيل أن هُناك طفلًا وقطة في موضع الخطر نفسه ويمكنك إنقاذ واحدًا منهما فقط؛ فمن ستختار؟ ثم تخيل أن هذا الموقف تبدل لتكون هناك قطة شارع، وقطة شيرازي من نوع غالي الثمن ومملوكة لإنسان في موضع الخطر نفسه؛ فمن تختار منهما لتنقذه؟
الإجابة عن تلك الأسئلة تندرج تحت بند نوع من التفرقة والعنصرية يسمى الـ«speciesism» أو التمييز بين أنواع الحيوانات، بمعنى أن المنطقي هو اختيار الطفل في السؤال الأول، وفي السؤال الثاني عادة ما يختار الإنسان القطة الثانية لسببين؛ نظرًا لكونها قطة أليفة لإنسان وهو ما يمنحها نفس الأفضلية – كما قرر الإنسان – بين قطة الشارع والتي لا يمتلكها بشري، أو في مثال أكثر بساطة، هي ذبح الدجاج لتناولها طعامًا، وتدليل القطة بوضع قطعة من تلك الدجاجة في طعامها.
والـ« speciesism» تعني أن الإنسان هو الكائن الأفضل بين جميع الكائنات الحية وعليه؛ الكائن الحي الذي ينتمي إليه يكتسب تلك الأفضلية، ولذلك تجد أن الممارسات العنصرية التي يُقبل عليها البشر لا تتوقف عند الآخرين من البشر فقط، بل تمتد لعالم الحيوان أيضًا.
وظهر هذا المصطلح للمرة الأولى على يد عالم النفس البريطاني ريتشارد رايدر في العام 1970، في إطار كتيب نشره على نفقته الخاصة، وكان ريتشارد عضوًا في جماعة تتضمن بعضًا من مثقفي جامعة أكسفورد وكانوا يطلقون عليها «المنظمة الفتاة لحقوق الحيوان»، والتي تُعرف الآن باسم جماعة اكسفورد، وكان من نشاطتها المميزة هي نشر كتيبات مماثلة لنشر الوعي عن حقوق الحيوان والتمييز بين الأنواع، ومناقشة التفوق البشري على الحيوان ومدى صحته.
وشرح رايدر في الكتيب الذي تضمن هذا المصطلح للمرة الأولى قائلًا: «أن طالما أكد داروين هو وبقية العلماء من خلال نظرية التطور، أنه ليس هناك فرق جوهري بين البشر والحيوانات الأخرى، فلماذا نتعامل بتمييز شبه تام بين الإنسان والحيوان من الناحية الأخلاقية؟».