القُدسُ تبكي فراحت تَنفُثُ الغَضبا
على الذي استعذب الإغفاء ما وثَبا
فشمعةٌ القُدسِ يخبو ضوءُ شُعلتِها
فغرغر الحزنُ في الأحداقِ وانسكبا
فخاصــرت ألــم الأعــوام يُؤلمُـهــا
قيدٌ على مِعصـــمٍ ذُل الهــوانِ أبَـى
توسدت نزقَ الأحـــــلامِ خِفقتُـهـــا
لما تَبـدﱠى لهــا الإصبــاحُ مُنسحـبا
ريــــحٌ شَــــآميةٌ تــأبى مُـداعبتِـي
فطــائِرُ الشعــــرِ ما غنى وما طَربا
كُـــلٌ القَـــوافي تأبت أن أُروِضُها
صارت حروفاً كأن الشعرَ قـد صُلبا
فكـــلٌ بحـــرٍ عصى أوزانه ثَمــلٌ
من دمعِ قَـافيتي الحسناءِ قـد شـربا
فقد عصتني بُحورُ الشعـرِ أجمعُها
في قــولِ مَرثيةٍ والقـلـبُ مـا وَجَــبا
أنَـاتُ رِيحِ الصَبا مـا زِلتُ أسمعُها
زفِيـــــرُها حَرَكَ الأشجَانَ فاصطحبا
فمهبِطُ النُــــورِ يمشي في منَاكِبها
مَـن يشـرَبُ الدمعَ للأخلاقِ قد سلبا
هذي عُيونُ الثَكـالى هدبُها فضحت
مــا كان في جَفنِها بالحُزنِ مُختضبا
يــا قُــدسُ يـا قِبلةَ العُشاقِ أرقنــي
فُــؤادُك الغضُ بـات الليلُ مُضطـربـا
فأنت بين خِضـــمِ الــزَيفِ ســابِحةٌ
ونَجــــمُ يَعــرُبِ نــامت عينُـه فـكـبـا
فالعُـربُ صاروا دُمىً يلهو بها نزِقٌ
مُــربَـدٌ وجهٌ علا حتى ارتقى الشُهبا
فالقُدسُ ترزح تحت الحُزنِ يُؤلمهـا
أن العـرُوبةَ صـارت تعشـقُ اللـعِـبــا
هذي فلسطينُ قد ضَـاعت عروبتها
فالأرضُ لم تُنجب الفُـرسانِ والنُجـبا
فأين سعــدٌ وعمـــروٌ وابن حارثــةٍ
وأين خـــالـدُ كيما يُــوقظوا العَــربـا
هذي المـــــآذنُ واقدساه ســــاهمـةٌ
تئنُ والجَفــنُ بــات الليــــلُ مُنتحبـا
كُــلُ المســـاجدِ وا قُدســاه تسـألُنــي
هل منهـلُ القُـدسِ للباغين قد عذبا
قـد هَــودوا القُـدسَ لكن اسمَهــا أبداً
طُولَ المَــدى عَــربياً ظـل مُنـتـسبا
فـدارَ سَـاعـةَ دار العُــربِ مُـذ خُلَقــت
بُنيـانُـها لطُــلابِ المجــدِ قـد رحـبـا
مَحــــو تـــوَارِيـــخَ أحلامي وذاكرتي
فنحــنُ نجهــلُ مِنـا العِرقَ والعَصبا
لكنَـهــم مـــا مَحـــوَا أن النبـــي بــها
أم الهُـــــداةَ جميــــعــاً فَــاقهم رُتَبَا
في ليلـــةٍ مـن ليـالي العُمــرِ يعشقُهـا
تَـــارِيخُـنـا ودَها التاريــخُ قـد خَطبا
يـــا ليلـــةً قـد سمـت قَــدرُهــا فـأتــت
بخيـــرِ دِينٍ إلى الأكــوانِ قـد وُهبــا
عشِــقتُــها ليلـــةَ الإســراءِ قد سمقـت
هــامتُـنا طــاولت في شـأنِها السُحبا
دين الهُـــدى يعتلي عـرشَ الورى أبداً
ونجــــــمُ كُـــلُ دَعِـــيٍ للعُـــلا غَـرُبا
لم تبقـى إلا شُمُــــوسُ النُــورِ ساطعـةٌ
والكــــونُ ينظـــــرُ للإصباح مرتقبا
في القُــدس كان لقــــاءٌ زادنـي أمـــلا
أن الجِهــــادَ المُفـــدى يــــومُه قَـرُبـا
فكـــــلُ مِئـــذَنَـــةٍ تُعلِـــــــــي مُــــرددةً
الله أكبـــــــرُ تعلــــــــو تهتِـك الحُجُبا
فالقُــــدسُ لحــنٌ حــزينٌ زادني شجناً
والشِعــــرُ عــاند منـي الحِبرَ والكثبـا
متـــــى رنَــــةَ النَـــاقُـــوسِ تُخبــرُنــا
أن ابنَ مـريَـمَ كــم عَـــانى وكـم تَعِبَــا
وقُبـــةُ الصَخـــرةِ السمحـــاءِ تُنـبـئـنا
أن الهُــــــدى للقــــاءِ الحــقِ قـد طلبا
متـى نُعِـيـدُ إلــى المحـــرابِ جَلـــوتـه
متى سنُــرجــعُ يـا قُـدساه ما اغتصبا
عيـــــدُ القِيــــامةِ صِـرتُ اليومَ أجهلُه
وعيــــدُ اســــراءِ طــه صـار مُكتـئـبا
لما رأى القدسَ في الأصفـــادِ أدمتهَــا
تنهـــلُ مِـــن جَفنـهـا تبكـي الذي ذهبا
فالقُـدسُ يجعلُـها التَــــاريخُ وردتُــــــه
ونحــنُ نجعــــــلُ مِـن دُراتِنَـا حَـطَـبــا
فنحـــــــنُ فَضـــلُ القُـــدسِ نجعـلُهــــا
تئــنُ والجَــفـنُ بـــاتَ الليــــلُ مُـلتهـبا
فلا جُيـــــوشٌ يسـرُ العـــينَ ثَـــائِــرُها
ولا دِمــــــــاءُ أُسبِـــلت تسـتــردُ رُبـى
ولا صليلُ سِيـــــوفٍ صـــوتُــها نَغـــمٌ
إني أُســـائِــــلُ هــل سيــفُ الوليـدِ نَبا
فالسهمُ صُــوبَ صَـوبَ النحـــرِ تكتمه
جــِــراحُهـــــا مُـثـخَـنـاتٍ تسـتحِثُ ظبا
فالطفـلُ والشيـخُ صاروا يجهلون دمي
كأنَهــــــــم وُلِــــــدُوا لا يعـرفـون أبَـا
فالقُـــدسُ مِـــن حُـزنِهــا بـاتـت مُؤرقةٌ
فـالقُـــدسُ أمٌ حنــــونٌ درهـــا نضبـا
فالقُــدسُ بــاكيـــــةٌ ضـنت بـــأدمُـعـهـا
فالقُــدسُ طُولَ المدىَ ما أُنعمت بصبا
فالقـــدسُ تـكتـمُ الحُـــــزن صـــامتـــةٌ
ولا تبـــــوُحُ بِســرِ الآهُ مِـــن رغِـــبا
فالقُــدسُ مَهــد الهُــدى والنور منبعه
هُنــا فــلا شَــــكَ فــي هــذا ولا ريـبـا
شريف جاد الله