لقد نسيتُ كلَّ حبيباتي
كما لو أنني طفلٌ عائدٌ من المدرسةِ يطرحُ حقيبتَه و يستريح،
ونسيتُ كلَّ أصدقائي كما لو أنني شجرةٌ نفضت أوراقها،
إنني مجدبٌ جدا كجريدةٍ قديمةٍ على السطحِ العلوي لمكتبةٍ لم يعد يقرأ منها صاحبها حرفًا واحدًا منذ بداية الحرب،
لا تروقني الأمطار
ولا الأجواء الشتائية
ولا أحبُّ أيضا شمس الظهيرة في الصيف،
فقط أُحِبُّ السفرَ وحيدًا إلى البعيدِ المجهول ولا أصطحب معي سوى قارورةِ ماءٍ أسقي بها حمامَ تلك المدينةِ الظامئة و عصافيرها التي تشتهي قطرةَ ماءٍ،
أغادرُ وحدي كل مساءٍ
وأكتبُ الرسالةَ التي لا أنوي إرسالها إلى أحد
وأبكي مع الأغاني القديمة جدًا
ثم أنام في سريري كطفلٍ ينامُ تعبًا في حديقة ألعابه،
أحلامي غريبة جدا
وأمنياتي لم يطرقها عشاق الأماني من قبل و لا من بعد،
لا أحب المدنَ المكتضةَ بالمطاعمِ والفنادق والبرلمانات ...الخ
أحب قريةً مهجورةً دخلتها الحربُ أكثرَ من كل تلك المدن وأصلي فيها بكل الدموع،
لا أؤمن بكل الأديان فأنا الدين الوحيد الذي أحتاجه بعد كل هذا الخراب السماوي المقدس،
لا أحب القصائدَ المزينة كثيرا بالمجازات والتي تشبه المعلقات تماما سوى أن من كتبها شاعرٌ جاهلي بربطةِ عنقٍ وهاتفٍ ذكي جدا،
أعشقُ شاعرًا مغمورًا يهذي بحروفه بلا وزنٍ لحبيبته المفقودة،
نعم حبيبته المفقودة
فما أكثر حبيباتنا المفقودات في هذا الوقت،
أشعر بالقرفِ كثيرا عندما تزداد نسبة الحداثيين القِدام جدا والقصيدة عارية من الكون و الإنسان و الشعب؛
لهذا فأنا أفضل العزلة كثيرا
وأتنقل وحدي ممسكا سيجارتي التي لا تنطفئ بشفتيَّ المحترقتين
وأعيشُ في غربةٍ تمنعني من أنْ أكتبَ لأحدٍ سواي أنا الكثير جدا في هذا العدم الفارغ..
م