ما اُبتلي الإنسان بشيء أعظم من الجهل، فهو سبب كل بلاء ورأس كل خطيئة، فالجاهل عدو نفسه وعدو لكل ما ينفعه ويسره ويسعده ، الجاهل لا يعرف قيمة الأشياء ولا يضع الأمور في نصابها ، الجاهل يمشي باتجاه عقارب الساعة، لايعرف الصواب من الخطأ ولا يميز بين الجميل والقبيح ولا يفرق بين الحق والباطل ولا يعطي كل ذي حق حقه فتراه متخبطاً تائهاً يحسب العدو صديقاً والصديق عدواً، الجاهل لا صديق له وكيف يكون صديقاً للآخرين وهو عدو نفسه، فتجده لا يميز بين سفساف الأمور وجُلّها ، فالجهل قاتل، ونراه حين يحكم يهلك و يُهلِك من معه، فأعوذ بالله من الجهل والجاهلين .
الجهل داءٌ عُضال تفشى في المجتمعات، خاصةً مجتمعاتنا العربية التي يحكمها الجهل ويطبق عليها بكلتا يديه، فترى المواطن في البلاد العربية يجهل حقوقه ويجهل ما ينفعه وما يضره ، وتراه يهلل ويكبر ويمجد الجهل ويحارب العلم والمعرفة والتغيير، لم لا والجهل يحكم هذه الشعوب منذ عقود، والجهل عدو العلم والمعرفة والتقدم وحين يكون الحاكم جاهلاً يعمل على نشر الجهل في المجتمع الذي يحكمه بكل ما أُوتي من قوة وإمكانات، فتراه يحارب العلماء والمثقفين والمبدعين في مجالات الحياة المختلفة، لأنه لا مكان لهؤلاء في مملكته وبهم زوال ملكه ورئاسته ، الجهل يدمر ماهو موجود ويقضي على آمال وطموحات الأفراد والشعوب، الجهل فساد وإفساد لكل ماهو صالح ونافع، وحين يحكم الجهل تتأخر البلاد والشعوب والأفراد وينتشر في الأرض الفساد، ولا تسود غير ثقافة الكره والعناد، لأن الجهل يرى من نفسه وطناً وشعباً، ولا يجوز لأحد أن ينكر عليه ماهو فيه ولأن التغيير لا يتناسب وثقافة الجهل وحين يحكم الجهل بلاداً يخضع كل ما فيها لرغباته وميوله وإن برز عالم أو متعلم أو معارض في ذلك المجتمع خضع لثقافة الجهل مكرهاً وإلا فالموت مصيره ولا يملك ذلك العالم أو المثقف إلا أن يردد ما قاله الشاعر حين رأى الجهل قد انتشر بين الناس:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً
تجاهلت حتى ظُن أنّي جاهل.
فالجهل داء الأمة ولا علاج له إلا بإحلال العلم والمعرفة بدلاً عنه. نعم إن الجهل مصيبة، ولكن الأعظم من ذلك عندما يرتبط الجهل بالحماقة فتكون الكارثة خاصة عندما يكون الجهل حاكماً، فيهلك ويُهلِك من معه، لأن الجهل مع الحماقة لا يمكن علاجهما ، أسأل الله (سبحانه وتعالى) أن يبعد عنا وعن أمتنا الجهل والجاهلين.