اسمه:
مصطفى بن حسن بن أحمد بن محمد بن عبد الرازق.
الميلاد:
وُلد في قرية أبِي جرج، من قرى محافظة المنيا، ولا يُعرف تاريخ مولده بالضبط، وأشهر الأقوال أنَّه وُلِد سنة 1885م، وهو الابن الرابع من أبناء المرحوم حسن باشا عبد الرازق.
نشأته ومراحل تعليمه:
حفظ القرآن الكريم في قريته وجوَّده ودرس مبادئ العلوم ثم أرسله والده إلى الأزهر وسِنُّه بين العاشرة والحادية عشرة، فواصل دراسته في جدٍّ واجتهادٍ، وظهرت بواكير نبوغه.
وكان والده يتدارس معه في الإجازات كتب الآداب ودواوين الشعراء فنمت موهبته وأينعت، وأحبَّ الصحافة فأنشأ مع إخوته وأقاربه صحيفة عائليَّة كان يطبعها على مطبعة (البالوظة).
ثم أنشأ جمعية (غرس الفضائل) من شباب أسرته وكانوا يتناوبون فيها الخطابة في مساء الجمعة من كُلِّ أسبوع، وكان هو أمين سر الجمعية واستمرَّت هذه الجمعية من سنة 1900م حتى 1905م.
ثم كانت الصحف العامة فنَشَرَت له المقالات الأدبية والقصائد، ثم انصرف عن الشعر إلى الدراسات الأدبيَّة، وكان بين والده وبين الشيخ محمد عبده مودَّة وصداقة وثيقة انعكس أثرها على نجله الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق.
فتأثَّر بالإمام محمد عبده تأثُّرًا كبيرًا، ووجَّهه توجيهًا رشيدًا، وتأثَّر -أيضًا- ببعض العلماء مثل الشيخ بسيوني عسل، أستاذه في الفقه، والشيخ محمد حسنين البولاني، والشيخ محمد شقير، والشيخ الإمام أبي الفضل الجيزاوي، والشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية.
ثم درس مع الشيخ أحمد أبي خطوة كتاب (طوالع الأنوار للبيضاوي)، وهو كتاب فيه ذكر لمذاهب الفلاسفة المسلمين وغيرهم.
وفي 29 من يوليو سنة 1908م تَقدَّم الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق لامتحان العَالِمية، فأدَّى الامتحان بتفوُّق، ونال شهادتها من الدرجة الأولى، ولم ينلها من هذه الدرجة إلَّا واحدٌ أو اثنان من المتقدِّمين معه، وكان عددهم كبيرًا، وبعد شهرٍ من نجاحه انتُدِب للتدريس بمدرسة القضاء الشرعي.
وكان الأزهر في هذه الفترة يموج بالثورة مُطالبًا بإصلاح مناهجه ونظمه، ومن مطالبه إلغاء مدرسة القضاء الشرعي؛ لأنَّ فيه عنها غناء بكليَّة الشريعة، وتألَّفت جماعة للمطالبة بالإصلاح أطلق أعضاؤها عليها اسم (جمعية تضامن العلماء).
وكان الشيخ مصطفى عبد الرازق في مقدِّمة أعضائها، فغضب الخديوي على هذه الجمعيَّة وأوعز إلى مدرسة القضاء الشرعي بالضغط عليه للاستقالة منها، فقدَّم الشيخ استقالته من المدرسة لا من الجمعيَّة.
سفره إلى فرنسا:
اتَّجه الشيخ مصطفى عبد الرازق إلى السفر إلى باريس لدراسة اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة السربون؛ ففي 23 من يونية سنة 1909م سافر إلى فرنسا، فدرس الفرنسية وحضر دروس الأستاذ (دوركايم) في الاجتماع، كما حضر دروسًا في الآداب وتاريخها.
ثم حضر في ليون درس الأستاذ (جوبلر) في تاريخ الفلسفة ودروسًا في تاريخ الأدب الفرنسي، ثم ندبه مسيو (لامبير) ليتولى تدريس اللغة العربية في كلية (ليون)، وأعدَّ رسالة الدكتوراه عن الإمام الشافعي، ثم أخرج مع المسيو (برنار ميشيل) ترجمة بالفرنسية لكتاب الشيخ محمد عبده (العقيدة الإسلامية) من رسالة التوحيد.
عودته إلى مصر والأعمال التي عمل بها:
ظل الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق في فرنسا حتى قامت الحرب العالمية الأولى، فعاد مع كثيرٍ من زملائه المصريين إلى مصر.
وفي أكتوبر سنة 1915م عُيِّنَ مُوظَّفًا في مجلس الأزهر الأعلى بإشارةٍ من السلطان حسين كامل؛ لأنَّه كان وثيق الصلة بوالد الشيخ مصطفى وبأخيه حسن باشا عبد الرازق؛ ولأنَّه تعرَّف على الشيخ في بعض أسفاره إلى فرنسا فأُعجب به كلَّ الإعجاب، واستمرَّت الصلة بينهما في مصر، ممَّا دعا الأميرة قدرية بنت السلطان إلى تكليفه بتعريب كتابٍ لها بالفرنسية، فترجمه إلى العربيَّة بعنوان (طيف خيالٍ ملكي).
ثم بعد ذلك عيَّنه السلطان سنة 1916م سكرتيرًا للمجلس الأعلى للأزهر والمعاهد الدينية، واستطاع في هذا المنصب أن يصل حباله بكثيرٍ من علماء الأزهر، وأن يكسب مودَّتهم وإعجابهم، وفتح بيته ندوةً يؤمها رجال الفكر والثقافة وعلماء الدين يتدارسون فيه ويتباحثون في شئون الدين والفلسفة والآداب.
وفي سنة 1916م اشترك في الجمعية الخيرية الإسلامية، ثم انتُخب عضوًا بمجلس إدارتها سنة 1920م، ولم يزل انتخابه يتجدَّد حتى انتُخب وكيلًا لرئيس الجمعية ثم رئيسًا لها في 28 من فبراير سنة 1946م بعد وفاة رئيسها المرحوم الإمام المراغي، وبقي رئيسًا لها حتى توفَّاه الله.
وفي سنة 1917م أنشأ رجل سويدي اسمه (بروزدر) -كان موظفًا بصندوق الدَّين في مصر- ما سَمَّاه (جامعة الشعب) وضمَّ إليها كبار المثقفين من المصريين والأجانب لإلقاء محاضرات علميَّة في شتى المعارف، وضمَّ إليها الشيخ مصطفى عبد الرازق، فلقيت هذه المحاضرات رواجًا كبيرًا ولبثت بضع سنوات.
وفي 4 من سبتمبر سنة 1920م صدر قرار من مجلس الوزراء بتعيين الشيخ مصطفى عبد الرازق مُفتِّشًا بالمحاكم الشرعية.
وفي نوفمبر سنة 1927م نُقل إلى الجامعة أُسْتَاذًا مُسَاعِدًا، فبرزت مواهبه في هذا الأفق العلمي الفسيح، ولَمَّا خلا كرسي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة لم يختلف أصحاب الشأن في اختياره لشغل هذا الكرسي، ففاز بلقب أستاذ الفلسفة في أول أكتوبر سنة 1935م، كما نال رتبة البكوية في 2 من فبراير سنة 1937م، ثم اختير وزيرًا للأوقاف في الوزارة التي ألَّفها محمد محمود باشا في 27 من أبريل سنة 1938م، وظلَّ وزيرًا للأوقاف في هذه الوزارة وما تلاها من وزارات حتى 5 من فبراير سنة 1942م.
وفي أثناء عمله وزيرًا عُيِّن عضوًا بالمجمع اللغوي سنة 1940م، وفي سنة 1941م نال رتبة الباشوية، وفي 9 من أكتوبر سنة 1944م تألَّفت وزارة أحمد ماهر فدخل فيها وزيرًا للأوقاف، كما دخل وزارة النقراشي التالية لها أيضًا، وبقي وزيرًا للأوقاف حتى عُيِّين شيخًا للأزهر، فقد شغل الشيخ مصطفى عبد الرازق منصب وزير الأوقاف في سبع وزارات، وهو أوَّل شيخٍ أزهريٍّ يتولَّى هذه الوزارة.
أخلاقه وصفاته:
قال عنه الأستاذ فريد وجدي في رثائه واصفًا أخلاقه: «لم أرَ فيمن قابلت من القادة أكرم خُلقًا في غير استكانة، ولا أهدأ نفسًا في غير وهن، ولا أكثر بشاشةً في غير رخوةٍ من الشيخ مصطفى عبد الرازق، وكلُّ ذلك إلى حزمٍ لا يعتوره لوث، واحتياطٍ لا يشوبه تنطُّع، وأناةٍ لا يُفسدها فتور، وإدمانٍ على العمل ينسى معه نفسه، وهي صفات كبار القادة وعِلْيَة المصلحين».
مؤلفاته:
- التمهيد لتاريخ الفلسفة.
- فيلسوف العرب والْمُعَلِّم المثالي.
- الدين والوحي في الإسلام.
- الإمام الشافعي.
- الإمام محمد عبده.
- مذكرات مسافر.
- مذكرات مقيم.
- بحث في دراسة حياة البهاء زهير وشعره.
- من آثار مصطفى عبد الرازق، وهو مجموعة مقالات وأبحاث ودراسات جمعها أخوه الشيخ علي عبد الرازق بعد وفاته في أكثر من خمسمائة صفحة، وكتب لها مقدمة طويلة عن حياته.
- رسائل موجزة بالفرنسية عن الأثري الكبير المرحوم بهجت بك.
- رسائل موجزة بالفرنسية عن معنى الإسلام ومعنى الدين في الإسلام.
- ترجمة فرنسية لرسالة التوحيد للشيخ محمد عبده، كتبها بالاشتراك مع الأستاذ (ميشيل برنارد)، وصدَّرَهَا بمقدمة طويلة بقلمه.
وله كتب أخرى لم تنشر، من أهمها:
- مؤلف كبير في المنطق.
- مؤلف كبير في التصوف.
- فصول في الأدب، تقع في مجلدين كبيرين.
- مذكراته اليومية.
ولايته للمشيخة:
في 27 من ديسمبر سنة 1945م تولَّى الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق مشيخة الأزهر الشريف، وهذا الأمر لم يرض به مجموعةٌ من كبار العلماء في الأزهر؛ لأنَّ شيخ الأزهر ينبغي أن يكون من هيئة جماعة كبار العلماء، ولا يُعيَّن بالهيئة إلَّا من تولَّى وظائف معيَّنة في القضاء الشرعي، أو درس بالأزهر مدَّةً معيَّنة.
ولم يكن الشيخ مصطفى عبد الرازق قد باشر التدريس بالأزهر، ولم يعترف كبار علماء الأزهر بتدريسه بالجامعة المصرية، فحلَّ أولياءُ الأمور هذه المشكلة بإصدار قانونٍ جديدٍ يقضي بأن يكون التدريس في الجامعة مُسَاويًا للتدريس في الكليات الأزهرية في الترشيح لمشيخة الأزهر.
ولم يمضِ عليه حولٌ كاملٌ في مشيخة الأزهر حتى اختير أميرًا للحج، فخرج لأداء الفريضة في 28 من أكتوبر سنة 1946م، ولبث في رحلته شهرًا وأيَّامًا ثم عاد ليتفرَّغ لاستئناف وجوه الإصلاح في الأزهر، ولكن الأمر لم يطل به.
وفاته:
ذهب الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق في 15 من فبراير سنة 1947م إلى مكتبة الأزهر فرأس جلسة المجلس الأعلى للأزهر، ثم عاد إلى بيته فتناول طعامه ونام قليلًا، ثم استيقظ فتوضَّأ وصلَّى، ثم شعر بإعياءٍ شديدٍ فاستُدعي الطبيب فوجد أنَّ الشيخ قد وافته المنيَّة، فقد نفذ قضاء الله فيه، ولا رادَّ لقضائه، ولا معقِّب لحكمه، ولكلِّ أجلٍ كتاب.
مصادر ترجمته:
- الأزهر في اثني عشر عامًا، نشر إدارة الأزهر.
- الزركلي: الأعلام، 7/231.
- أشرف فوزي: شيوخ الأزهر.
- علي عبد العظيم: مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن.
- من آثار مصطفى عبد الرازق، جُمعت بعد وفاته، طبع دار المعارف بمصر.
موقع دار الإفتاء المصرية.