TODAY - September 25, 2010
مستلزمات العودة للمدارس، أسواق للأغنياء وأخرى للفقراء
شراء المستلزمات المدرسية هي كل ما كان يشغل ذهن فائق سلمان، حين كان يدور مع اولاده الاربعة في اسواق منطقة بغداد الجديدة المكتضة بالباعة الذين تحولوا في “موسم المدارس” من بيع الملابس النسائية الى بيع القرطاسية والزي المدرسي.
الداخل لأي من اسواق العاصمة بغداد قبيل انطلاق العام الدراسي الجديد 2010- 2011، يلاحظ تحولها الى بيع الوان محددة للملابس تلخص اطياف الزي المدرسي ما بين الابيض والازرق والرمادي، وهي الوان لها موسم محدد تكاد تختفي قبله وبعده من أمام أعين المتبضعين.
عدد الملتحقين بمدارس العراق سيتجاوز الستة ملايين و500 الف طالب، فيما سيدخل 900 الف طفل عامه الدراسي الاول يوم 29/9 وهو الموعد الذي حددته وزارة التربية لبدء الدراسة.
سلمان الذي يدور مع ابنائه لشراء مستلزماتهم يقول انه يلاحظ “فروقات كبيرة بين اسعار المستلزمات رغم انها جميعا تكاد تكون بمواصفات متقاربة”، وهو “أمر جيد، لان العوائل محدودة الدخل تعرف الى اين تتجه للشراء واين تكون المناطق المحرم عليها دخولها”.
هذا الاختلاف بالاسعار قاد أم علي مع ابنتيها الى سوق للتنزيلات في منطقة الرياض باطراف بغداد، حيث وجدت متسعا وفارقا كبيرا بالاسعار، وتقول ام علي لوكالة (أصوات العراق) ان “بعض محال الحسومات فتحت ابوابها امام المتبضعين من العوائل محدودة الدخل، لنجد فيها كل ما يتمناه الابناء”.
أم علي بدت مرتاحة لأنها تمكنت من صدريتين مدرسيتين مع القمصان البيضاء لكل واحدة من بناتها بدلا من واحدة، وبسعر عشرة آلاف دينار(نحو سبعة دولارات)، لكن أم علي لا تفهم بالتحديد “سر هذا الفرق الهائل”، ففي الاسواق الاخرى “تباع نفس الصدرية بما يقارب ال،20 الف دينار”.
أغلب المتبضعات في اسواق العاصمة بغداد يتوجهن الى اسواق التنزيلات، فالفوارق الطبقية أعطت عملية التسوق ابعادا أخرى، أبرز سماتها البحث عن اسعار معقولة.
على العكس من هذا، تبحث الطالبة الجامعية سمر عاطف عن ما يرضي ذوقها حتى لو كان “مكلفا”، لهذا توجهت الى اسواق منطقة الكرادة المعروفة بغلاء اسعارها، لان “فيها معروضات ذات جودة عالية ومن مناشئ عالمية”.
غلاء الاسعار ليس مهما بالنسبة لسمر، فالمهم أن تجد “الماركات العالمية” التي تفضلها.
الطقم الجامعي الذي كلف سمر اكثر من مائة دولار، جعل احمد عريبي الذي جاء برفقة زوجته وابنته يقف مذهولا امام الغلاء في منطقة الكرادة، مقارنة برخص الاسعار في منطقته الواقعة شرقي القناة.
عريبي الذي استجاب لالحاح زوجته وخاض تجربة الشراء من اسواق الكرادة بدلا من سوق منطقة الأمين الشعبية، تراجع اخيرا عن قراره وفضل العودة لشراء زي مدرسي لا يتعدى سعره 15 الف دينار بدلا من شراء نفس الزي بـ35 الفا في الكرادة.
ويعلل قصي حميد، وهو صاحب المحل الذي غادره عريبي بصمت، ارتفاع الاسعار في محله لان “الكرادة بشكل عام منطقة معروفة كسوق لكل من يبحث عن البضاعة ذات الجودة العالية والمناشيء الاصلية وليس البضاعة الصينية سريعة التلف”.
يعترف حميد أن “اسعار البضائع في الكرادة تكون مرتفعة نسبيا عن باقي الاسواق، وبالذات الاسواق الشعبية التي لا يتكلف فيها اصحاف المحلات والبسطيات ايجارات غالية كما في الكرادة التي تكون الايجارات والخدمات فيها مكلفة فعلا”.
لكن حميد لا يرى سببا يجبره على خفض اسعار محله، فهو لا يريد ان يعمل بخسارة، كما ان السوق احتفظ بسمعته كـ”جاذب لمواطنين من طبقة اجتماعية لها قدرة شرائية عالية وتبحث عن الجودة حتى لو كانت غالية”.
ولكن جودة المنشأ لا تعتبر حجة مقنعة بالنسبة لأم امل التي ترافق ثلاثة من اولادها الستة بمنطقة الكاظمية في جانب الكرخ من بغداد، لأنها ترى ان “الابناء يكبرون بسرعة وبالتالي لا فائدة من شراء شيء يدوم اكثر من عام لهم”".
أم أمل التي رزقها الله بأربعة ذكور، تقول “لا يكاد يمر شهر الا وتتلف ملابس الاولاد بسبب شجاراتهم او لعبهم مع اطفال آخرين”.
تعتقد أم أمل انها اذا ارادت ان تشتري لأولادها ملابسا باسعار غالية طوال العام، فعلى زوجها أبو امل “أن لا ينام، ويواصل العمل ليل نهار كي يوفر لنا المال اللازم لذلك”.
تواقفها الرأي ام عصام، فهي ترى أن “لا حاجة الى طرق ابواب المحال الغالية، فهناك اماكن في كل سوق تبيع باسعار مخفضة، وهي ما اتجه اليه عند دخولي الى السوق”.
لا تحتاج أم عصام الى “التبجح بشراء الاشياء الغالية من اسواق معينة، لان الظروف المالية الصعبة للعوائل محدودة الدخل لا توفر متعة أغاضة الجارات عند بداية كل موسم دراسي”.
الزحام لم يقتصر هذه الايام على اسواق الملابس، فمستلزمات المدرسة تتضمن الدفاتر واقلام الرصاص والملازم الدراسية وزمزميات المياه وغيرها، وهو ما يسبب لعامل البناء حسين علي “هموما تلازمه مع بداية كل عام دراسي”.
علي الذي كان يحمل اكياسا مليئة بالمستلزمات المدرسية لاودلاده الاربعة ، قال إنهم “يطالبونه بالكثير من الدفاتر والقرطاسية رغم أن دخله المحدود يفرض عليه في كل مرة بالقبول بنصف احتياجاتهم”، وايضا “بنوعيات عادية رائجة في السوق وليس من مناشيء عالية لأن الاستجابة لهم قد تعني الغرق في ديون انا في غنى عنها”.
الاشياء التي يرغبها الابناء “تتعلق اغلبها بالبهرجة والالوان وشخصيات كارتونية معينة”، ورغم ان علي يتمنى ان يشتري كل ما يرغب به ابناؤه الاربعة، لن يكون “عمليا، فانا استطيع شراء خمس برايات اقلام عادية بسعر 500 دينار، في حين أن هناك برايات يرغب بها اولادي يصل سعر الواحدة منها الى 1500 دينار”.
الفروقات بأسعار القرطاسية لم تكن حاجزا امام مصطفى الذي لا يتجاوز عمره ثمان سنوات، فهو وحيد والدته الموظفة التي تعمل في احد المصارف الحكومية.
“أي شيء يطلبه مصطفى يتم الاستجابة له فورا”، هذا ما قالته ام مصطفى وهي تدفع للبائع اربعين الف دينار ثمنا للقرطاسية التي اشترتها بكميات مضاعفة ومن نوعيات جيدة.
وقد يكون صحيحا، كما تقول أم مصطفى، ان ما تفعله “يعد تبذيرا لا ضرورة له، ولكن كل شخص يشتري بحسب امكانياته المادية”، اما تأثير ذلك على سلوك ابنها او علاقته باقرانه الاقل حظا فهو أمر لا تفكر فيه بحساسية لانهم “مجرد اطفال”.
اسعار القرطاسية تختلف بحسب اختلاف مناشئها، بحسب مناف العبيدي وهو احد اصحاب محال بيع الجملة، كما انه يأتي بحسب “الاغلفة والصور وعدد الورق ونوعه وطريقة كبس الدفاتر المدرسية”.
ولا ينكر العبيدي ان الاسعار أكثر قليلا من المعتاد، الا انه يعلل الامر بـ”رفع الاسعار من المستورد الرئيسي وطبيعة الموسم الذي يعتبر المصدر الرئيسي لجني الارباح، تليه حالة من الركود لأسابيع طويلة”.
لكن العبيدي يشير الى الحجم الكبير للقرطاسية المعروضة هو نابع من “عدم التزام وزارة التربية بتوزيع القرطاسية مع بداية العام الدراسي وهي تتاخر احيانا حتى منتصفه”، وهو ما يعني “حاجة الطلبة الى القرطاسية بالسرعة الممكنة لان العام الدراسي حين يبدء لن ينتظر احد”.