لا أعرف علمًا يُحقِّق الفائدة والمتعة كما يُحقِّقهما علم التاريخ! والأعجب من ذلك أنَّ هذه الفائدة والمتعة ليستا متحقِّقتين فقط لطائفة المتخصِّصين، أو طلبة العلم؛ إنَّما تتحقَّقان فعلًا لعموم الناس..
فكلُّ البشر «يستفيد» من القصَّة التاريخيَّة، وكلُّ البشر «يستمتع» بها كذلك، ولعلَّه لهذا السبب -الجمع بين الفائدة والمتعة- قصَّ الله علينا في كتابه العظيم -القرآن الكريم- مئات القصص من التاريخ البعيد، ودأب الأنبياء على استعمال الأسلوب نفسه مع أقوامهم، وسار على طريقهم جلُّ المفكِّرين، والمصلحين، والتربويِّين، وكلُّ من أراد أن يُصْلِح مجتمعًا، أو ينهض بأمَّة.
والتاريخ الإسلامي زاخرٌ بآلاف القصص المهمَّة والمشوِّقة، والمحقِّقة للفائدة والمتعة معًا، وليس من فراغ أن يقول الله عز وجل في حقِّ هذه الأمَّة الإسلاميَّة: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، فهذا النموذج الذي أخرجه الله للدنيا هو نموذجٌ رائعٌ بمعنى الكلمة، وأسباب الخيريَّة في هذه الأمَّة كثيرة؛ في عقيدتها، وفي أخلاقها، وفي نفعها للإنسانيَّة، وفي إصلاحها وتعميرها للكون، وفي سعيها لإيصال الخير لعامَّة الناس.
نعم هي في النهاية نموذجٌ لأمَّةٍ من البشر تجري عليها كلُّ أحكام البشر؛ من الخطأ، والنسيان، والجهل، وكلُّ أمور القصور المختلفة، ولكنَّها في المجمل تصلح لأن تكون نموذجًا للناس، بل هي كذلك، ولئن كانت قد مرَّت عليها فتراتٌ من الضعف والانكسار، فإنَّ هذا لا ينتقص من صلاحيَّة هذا النموذج الباهر، الذي ظلَّ محافظًا -على الرغم من العوائق الكثيرة، والتحدِّيَّات الضخمة- على عقيدةٍ سليمة، وأخلاقٍ حميدة، وفهمٍ لقيمة الدنيا بالقياس إلى الآخرة، وإدراكٍ لمهمَّة الإنسان على الأرض، وغير ذلك من أمورٍ عميقةٍ ابتعدت عن مفاهيم كثيرٍ من البشر.
ومع أهميَّة التاريخ الإنساني بشكلٍ عامٍّ، والتاريخ الإسلامي بشكلٍ خاص، فإنَّ هناك مراحل تاريخيَّة معيَّنة تبلغ درجةً من الأهميَّة القصوى بحيث لا ينبغي لعامَّة الناس أن يكونوا جاهلين بها. إنَّها فتراتٌ محوريَّةٌ تأتي كلَّ عدَّة عقودٍ من الزمن، وتكون فيها المفاهيم واضحةً تمام الوضوح، وحركة التاريخ سريعة، والتغيير ظاهرًا بشكلٍ لافت، والتطبيق العملي للقواعد النظرية جليًّا لكلِّ الناس.
إنَّها فعلًا فتراتٌ محدَّدةٌ يُمكن رصدها بسهولةٍ في مراحل التاريخ المختلفة، ووجه السهولة في هذا الرصد أنَّ الفارق بينها وما قبلها أو بعدها من الفترات كبيرٌ وعظيم، ممَّا يجعل عامَّة المؤرِّخين يُجْمِعون على أهميَّة هذه الفترة تحديدًا، ومِنْ ثَمَّ ينبغي دراستها بشيءٍ من التفصيل؛ لأنَّ دروسها وفوائدها أعظم بكثيرٍ من دروس الفترات الأخرى الكثيرة التي «تركد» فيها حركة التاريخ، وتُصبح فيها الأمور تقليديَّةً دون تجديدٍ وإبداع، ولقد لفت رسولُ الله ﷺ أنظارنا إلى هذه الفترات الزاهرة، فقال -فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه-: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»[1].
فهذا يعني أنَّ هناك «فترةً» تاريخيَّةً ستأتي كلَّ مائة سنةٍ ينبغي أن تُدْرَس بعناية، وتُفْهَم بعمق؛ إنَّها فترة «التجديد» كما وصف رسولُ الله ﷺ، وفيها تتَّضح معاني الشريعة، وتُفْهَم مهمَّة الإنسان على الأرض، وتعود الأمَّة إلى أصولها، ويرى الناس من كلِّ الطوائف والشعوب الصورة الحقيقيَّة التي ينبغي أن تكون عليها الأمَّة «النموذج»: خير أمَّةٍ أُخْرِجت للناس.
ولا شَكَّ في أنَّ فترة حكم السلطان العثماني العظيم «محمد الفاتح» هي من هذه الفترات الرائعة التي جُدِّد فيها الدين، ووضحت فيها مقاصد الشريعة، وأدركت أمَّة الإسلام أهدافها، ورأى «الناس» -كلُّ الناس- صورةَ الأمَّة الإسلاميَّة كما ينبغي أن تكون.
إنَّها فترةٌ خالدةٌ حقًّا!
لقد حكم السلطان محمد الفاتح مدَّة ثلاثين سنةً من عام 1451 إلى عام 1481م (855هـ إلى 886هـ)، وكانت هذه «الحقبة» التاريخيَّة لافتةً لنظر كلِّ المؤرِّخين.
تقول المؤرِّخة الأميركيَّة ماري باتريك Mary Patrick: «إنَّنا لا ندرس تاريخ السلطان محمد الفاتح إلَّا وشعرنا شعورًا عميقًا بأنَّه كان أرقى بكثيرٍ من الزمن الذي وُجِد فيه»[2]!
هكذا لاحظت المؤرِّخة الأميركيَّة أنَّ «الحقبة» التي حكم فيها الفاتح مختلفةٌ كثيرًا عن الحقب الأخرى التي سبقت أو لحقت، ومختلفةٌ عن الأماكن الجغرافيَّة الأخرى التي تُحيط بالدولة العثمانيَّة؛ إنَّها حقبةٌ «راقية» بتعبير المؤرِّخة الأميركيَّة، وهذا الرقيُّ في الواقع هو رقيُّ الشريعة الإسلاميَّة التي حرص الفاتح على تطبيق بنودها في حياته وحياة دولته، وهذا هو الذي لفت نظر المؤرِّخين إلى هذا القائد العظيم؛ لقد رأى المؤرخون نموذجًا فريدًا لا يتكرَّر كثيرًا في مراحل التاريخ المختلفة، ولذلك وقفوا أمامه منبهرين، وفرَّغوا الأوقات الطويلة في حياتهم لدراسة تفصيلات هذا النموذج.
يقول المؤرِّخ القبرصي ثيوهاريس ستاڤريديس Theoharis Stavrides: «كانت فترة حكم محمد الفاتح نقطة تحوُّلٍ في التاريخ العثماني؛ حيث انتقلت الدولة العثمانيَّة بشكلٍ مؤكَّدٍ من مجرَّد إمارة حدوديَّة إلى إمبراطوريَّة، بل أعطاها الشكل الذي ستظلُّ محافظة عليه لمدَّة أربع قرون ونصف»[3]!
هكذا يُلاحظ المؤرِّخ ستاڤريديس أنَّ «فترة» حكم الفاتح كانت نقطة تحوُّل، وليس هذا فقط، ولكن ظلَّ أثر هذا التحوُّل باقيًا لعدَّة قرونٍ بعد انتهاء الحقبة التاريخيَّة المقصودة، وهذا عين ما نعنيه «بالتجديد» الذي صَاحَبَ حياة الفاتح؛ حيث بثَّ الدماء الجديدة في شرايين الدولة، فانطلقت نَشِطَة، ولعدَّة قرون.
إنَّ المؤرِّخين يُلاحظون بقوَّةٍ أنَّ «حقبة» الفاتح حقبةٌ لها خصائصها المتميِّزة، وصفاتها الفريدة، وأحيانًا تأتي هذه الملاحظة بخصوص المرحلة التاريخيَّة بشكلٍ عامٍّ، وأحيانًا أخرى تأتي بشأن بعض الملامح لهذا العهد في مجالٍ معيَّن، فكلام ماري باتريك وثيوهاريس ستاڤريديس كلامٌ عامٌّ يشمل مرحلة الفاتح كلَّها، بينما يأتي مؤرِّخون آخرون متخصِّصون في بعض المجالات فيُلاحظون تميُّزًا واضحًا لعهد الفاتح عن غيره من العهود في هذا المجال المحدَّد الذي يدرسه هؤلاء المتخصِّصون.
مثال ذلك ما جاء في موسوعة أكسفورد للفلسفة والعلوم في موضوع نظام المدارس. تقول الموسوعة: «كانت نقطة التحوُّل في تاريخ تعليم المدارس، والانتقال من النظم التقليديَّة إلى النظم المؤسَّسيَّة الشاملة هو (عهد) محمد الفاتح»[4].
وفي مجال الأسلحة والمدافع يقول المؤرخ التركي سليم أيدوز Salim Ayduz: «من المعروف أنَّ عصر محمد الفاتح هو العصر الذهبي لصناعة المدافع المسبوكة من البرونز»[5]. وفي مجال الاقتصاد يقول الاقتصادي التركي شوكت باموك Şevket Pamuk: «يُعَدُّ عصر محمد الفاتح عصرًا فريدًا في تاريخ الاقتصاد العثماني؛ فقد جمع بعض الأمور النادرة مع سياسات استثنائيَّة للدولة»[6].
هكذا في كلِّ الشهادات السابقة يُعلِّق الجميع على أنَّ «الحقبة» التاريخيَّة التي حكمها الفاتح كانت متميِّزة وفارقة على المستوى العامِّ والخاص، وفي كلِّ المجالات تقريبًا، وهذا يعني شيئًا مهمًّا جدًّا، وهو قصور الدراسات التاريخيَّة التي تنظر إلى السلطان الفاتح على أنَّه فاتحٌ للقسطنطينيَّة وفقط! إنَّنا نجد أحيانًا بعض الكتب التاريخيَّة التي تأخذ عنوان «محمد الفاتح»، ثم لا نجد فيها شيئًا إلَّا عمليَّة فتح مدينة القسطنطينيَّة، وفي هذا إهمالٌ جسيمٌ «للحقبة» التي حكمها الفاتح رحمه الله، وهي ثلاثون سنةً كاملة، بل إنَّ التسعة عشر عامًا التي عاشها الفاتح قبل أن يتولَّى الحكم كانت مهمَّةً كذلك، وتحتاج إلى تحليلٍ عميق؛ لأنَّه ليس من فراغٍ يُمكن أن يأتي رجلٌ فريدٌ مثل الفاتح؛ فحياته من أوَّلها إلى آخرها ينبغي أن تُدْرَس بعناية.
نعم يُعَدُّ فتح القسطنطينيَّة واحدًا من أَجَلِّ أعمال الفاتح رحمه الله؛ فهو الذي حقَّق الحلم الإسلامي الذي دام أكثر من ثمانمائة عام، وهو الذي حقَّق البشارة النبويَّة بهذا الفتح العظيم، وهو الذي فَصَل بين القرون الوسطى والقرون الحديثة بهذا النصر الكبير؛ حيث يَعُدُّ كثيرٌ من المؤرِّخين أنَّ فتح القسطنطينيَّة هو أحد الأحداث المهمَّة التي فرَّقت بين التاريخين؛ أعني تاريخ العصور الوسطى والحديثة.
نعم كلُّ ذلك حقيقي، لكنَّ الفاتح ليس فاتحًا للمدينة العتيدة فقط؛ إنَّما هو نموذجٌ متكاملٌ قلَّ أن يتكرَّر في التاريخ!
الفاتح هو الذي حوَّل الكيان العثماني من دولةٍ إلى إمبراطوريَّة، وجعل فيها المقوِّمات التي تُمكِّنها لاحقًا من بسط سيطرتها على ثلاث قارَّات، وأعطاها الروح والعزيمة لكي تبقى عدَّة قرون، وحفر لها اسمًا في التاريخ من المستحيل أن يُمْحَى.
والفاتح هو الذي ثبَّت دعائم الحكم الإسلامي في عدَّة دولٍ أوروبِّيَّة دفعةً واحدة؛ فقد ثبَّته في جنوب صربيا، وفي البوسنة والهرسك، وألبانيا، واليونان، والجبل الأسود، وكذلك في جنوب روسيا، وشرق أوكرانيا، وغرب چورچيا، بالإضافة إلى أماكن كثيرة في الأناضول، بل في الجنوب الإيطالي كذلك!
والفاتح هو الذي ضرب المثل في الحاكم الذي يجمع بين القدرات العسكريَّة الفائقة، والمـَلَكَات الإداريَّة الناجحة، والصفات القياديَّة البارزة.
والفاتح هو المثال الرائع لهذا القائد الذي يهتمُّ بكلِّ شئون دولته، فلا يَسْقُط عنصرٌ من عناصر التقدُّم، ولا تنهار جبهةٌ من جبهات العمل؛ فالدولة خليَّة نحلٍ نَشِطَةٍ تعمل في تقدُّمٍ في كلِّ المجالات؛ السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والعلميَّة، والاجتماعيَّة، والفنِّيَّة، وقبل ذلك وبعده في المجالات الدينيَّة الشرعيَّة.
والفاتح هو الذي وضع نظامًا للدولة واضحًا ومحدَّدًا يُمكن أن يسير عليه لقرونٍ متتالية، وحفظ هذا النظام في شكل قوانين ولوائح تصلح لزمانه، ولأزمانٍ متتاليةٍ من بعده. يقول المؤرِّخ الأميركي ستانفورد شو Stanford Shaw: «الفاتح هو أوَّل حاكمٍ عثمانيٍّ حاول أن يُمنهج الأنظمة الاجتماعيَّة والقانونيَّة، ويُنسِّقها في قانون، ليُعْمَل به في كلِّ الأراضي المفتوحة في الإمبراطوريَّة، مُدْخِلًا بذلك الممارسات الخاصَّة داخل أُطُرٍ عامَّةٍ للحكومة والمجتمع»[7].
والفاتح هو الذي حدَّد سياسات الدولة بشكلٍ واضحٍ تجاه غير المسلمين في الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، ووضع هذه السياسات في شكل اتِّفاقيَّات، ومعاهدات، وقوانين، يُمكن لخلفائه أن يسيروا عليها في العقود والقرون القادمة، وهي السياسة المستقاة بوضوحٍ من روح الشريعة الإسلاميَّة الغرَّاء.
تقول الدكتورة ڤيكي سبينسر Vicki Spencer، وهي أستاذة النظريَّات السياسيَّة بجامعة أوتاجو Otago، بنيوزيلندا New Zealand: «أسَّس محمد الفاتح أوَّل مجموعةٍ من الاتِّفاقيَّات بين المجتمعات المختلفة والدولة (تقصد المجتمعات غير المسلمة، كالأرثوذكس، والأرمن، واليهود)، وذلك ليضمن الأمان، والذاتيَّة، والحماية للمجتمعات غير المسلمة في مقابل الجزية.
استمرَّ السلاطين العثمانيُّون كحكَّامٍ مسلمين شرعيِّين، واستمرَّت الإمبراطوريَّة كدولةٍ مسلمة، ومع ذلك كان من المفهوم أنَّه لا حاجة لفرض دينهم على غير المسلمين الذين يعيشون في سلامٍ في أرضهم، ولا حاجة للتَّفرقة بين الرعايا. بهذه الطريقة -والكلام ما زال للأستاذة النيوزيلانديَّة- لم يكن السلاطين يقفون فقط على الحياد بين الديانات المختلفة ودين دولتهم؛ بل كانوا يختارون أن يقوموا بالحماية لهذه الديانات الأخرى»[8]!
انتهى كلام الدكتورة ڤيكي سبينسر!
وهو كلامٌ ينبغي أن يُكتب بحروفٍ من ذهب!
والفاتح هو الذي دعم نهضةً علميَّةً غير مسبوقةٍ في الدولة العثمانيَّة، وارتفعت في عهده عدَّة علومٍ بشكلٍ لافت، مثل: علوم الجغرافيا، والطب، والهندسة، والفلك، والعلوم العسكريَّة، فضلًا عن العلوم الشرعيَّة.
والفاتح هو السلطان الذي اهتمَّ اهتمامًا فائقًا برعاية الفنون والآداب، واستجلاب البارعين في هذه المجالات من ربوع الدنيا إلى دولته ليُحدث نقلةً نوعيَّةً في الحضارة العثمانيَّة والإسلاميَّة. يقول المؤرِّخ الأميركي چيمس كليفتون James Clifton: «دعا السلطان الفاتح -كراعٍ لمدًى واسعٍ من الاهتمامات الفكريَّة، والتنوُّعات في أكثر من مجال- الفنَّانين الإيطاليِّين إلى بلاطه في إسطنبول؛ لكي يُنافس الدعايات الأوروبِّيَّة المرئيَّة على طريقته الخاصَّة»[9].
الذي يقصده المؤرِّخ الأميركي أنَّ الأمراء الأوروبِّيِّين كانوا يستخدمون الفنَّانين في أعمالٍ دعائيَّةٍ كبرى خاصَّةٍ بدولهم، مثل: رسم اللوحات، وصناعة الميداليات، والأنواط، وتصميم الخرائط، وكتابة القصائد، وكان الفاتح حريصًا على التميُّز في هذا المجال على أعلى مستوى، فاستجلب لذلك عمالقة هذه الفنون إلى عاصمته!
والفاتح هو الذي سجد لله شكرًا عند فتح القسطنطينيَّة، وعندما دخل بجيشه إلى عمق المدينة ترجَّل عن حصانه، وركع على الأرض واضعًا حفنةً من التراب فوق عمامته تواضعًا لله الذي أتمَّ الفتح[10]!
ولم يكن هذا السلوك المتواضع من الفاتح حدثًا عابرًا في موقفٍ واحدٍ أمام الجموع؛ إنَّما كان سلوكًا مضطردًا يُمارسه في حياته ولو كان بعيدًا عن أعين الناس، وإنِّي لأدعو القرَّاء إلى قراءة هذه الشهادة التي يُقدِّمها لنا قسٌّ من لكسمبورج شاهد الفاتح بنفسه، ونقل لنا صورةً ينبغي أن تُعْرَف عن هذا السلطان العظيم. هذا القسُّ هو چورچ، قسُّ مدينة مولينباخ George of Mühlenbach في لوكسمبورج Luxembourg.
يقول القس الكاثوليكي:
«رأيت الحاكم -السلطان الفاتح- متبوعًا فقط باثنين من الشباب في طريقه من قصره إلى المسجد البعيد عنه، ورأيته كذلك يذهب إلى الحمَّامات العامَّة بالطريقة نفسها، وعندما يعود من المسجد إلى قصره لا يقترب أحدٌ من أتباعه أو منه لتحيَّته، كما يحدث في بلدنا! ولا ينفجر الناس صارخين: (عاش الملك)، أو مثل هذه العبارات، كما يحدث عندنا!
رأيتُ السلطان في الصلاة في المسجد، إنَّه لا يجلس على كرسيٍّ أو عرش، ولكنَّه كالآخرين أخذ مكانه على سجَّادةٍ مبسوطةٍ على الأرض، ولا توجد حوله زينة، لا معلَّقة ولا مفروشة، ولا توجد علامات خاصَّة على ملابسه أو على حصانه لتمييزه عن الآخرين» [11]!
من مقدمة كتاب: «قصة محمد الفاتح» للأستاذ الدكتور راغب السرجاني.
[1] أبو داود: كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة (4291)، والحاكم النيسابوري، 1990م (8592)، والطبراني، 1995م صفحة 6/324، وصححه الألباني، 1995م (599).
[2] باتريك، 1986م صفحة 35.
[3] Stavrides, 2001, p. 3.
[4] Kalin, et al., 2014, vol. 1, p. 393.
[5] Ayduz, 2007, p. 858.
[6] Pamuk, 2000, p. 40.
[7] Shaw, et al., 1976, vol. 1, p. 62.
[8] Spencer, 2018, p. 91.
[9] Clifton, 2009, p. 32.
[10] Crowley, 2005, p. 233.
[11] Freely, 2009, pp. 53- 54.