وإن تعجب فعجبٌ قول بعد المؤلفين: إنه ينبغي على الباحثين دراسة ما توصلت إليه دراسات اللغة الحديثة من أن الحروف منها سواكن(Consonants)، وصوائت (Vowels)...!!
وليت شعري هل من لغة خلقها الله ليس فيها حروف متحركة، وأخرى ساكنة، هذا يا سيدي طبيعة آلات النُّطق، وخليقة أعضاء اللفظ، ولعمر الله أيَّةُ لغة تلك التي تضاهي العربية في التفريق بين المتحرك والساكن، وبين الصَّائت والصامت؟!
وآخر يقول: يرى معظم اللغويين المحدثين درس النحو والصرف تحت قسم واحد، ويسمون النحو في هذه الحالة( grammar) على أن يشمل:
أ- الصرف morphology.
ب- النظم syntax.
سبحان الله، وهل فعل الكاتب شيئًا سوى أنه ترجم كلمة( القواعد)، وكلمة(الصرف)، وكلمة( النظم) من العربية إلى الإنجليزية؟!
إن هذا لهو نذر يسير مما فعله الانخزال وراء كل غربيٍّ بدعوى الحداثة والمعاصرة، وترى أحدهم يخلد باللغة إلى الأرض وإنه عند نفسه لطائرٌ بها في طائرة من طراز بوينج..!
ولمثل هؤلاء يقول الأديب الرافعي:
(وليتهم اقتصروا على هذا في أنفسهم وأنصفوا منها، بل هم يدعون إلى مذهبهم ذلك، ويعتدونه المذهب لا معدل عنه، ويسمونه الجديد لا رغبة عن دونه، ويعتبرونه الصحيح لا يصح إلا هو، وكلهم يعلم أنه ليس بصاحب لغة ولا هو معنيٌّ بها، ولا كان ممن يتسمون بعلومها؛ ثم ينقلهم هذا العبث إلى آراء كآراء الصغار في الأمور الكبيرة فيحاولون أن يختلقوا في اللغة فطرة جديدة غير تلك الأولى التي وضعت عليها جبلتها واستقام بها أمرها وتحقق إعجاز الفصاحة العربية بخصائصها) .
لن نتحدث هنا عن مئات الألفاظ التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من اللغة العربية من مثل: راديو، أو تلفزيون، أو كمبيوتر، أو تليفون، أو فاكس...وهلم جرًّا من الكلمات التي قذفتها آلة التعريب في أرحام الألسن العربية حتى أصبحت تلوكها أكثر من آلاف الكلمات العربية الفصيحة..لن نتحدث هنا عن مثل هذا، بل عن تلكم الأساليب والتراكيب والجمل التي هي أقرب إلى الغربية منه إلى العربية.
انظر مثلًا إلى كلمة (أدبيات) فقد شاعت في أساليبنا المعاصرة شيوعًا مستفيضًا، وصارت تستعمل في سياقات لا علاقة لها بالأدب المعهود، وليست هي إلا ترجمة حرفية ليس لها ما يسوغها إلا أخذ المعنى القاموسي الأقرب للكلمة الإنجليزية (literature)، فكلمة (أدبيات) جمع لكلمة (أدبية)، وهي لفظة لا وجود لها، أما لفظة (أدب) فجمعها (آداب) وليس أدبيات، لكن كلمة (literature) في مثل السياقات التي شاعت في وقتنا فتعني الكتابات أو الدراسات التي تتناول موضوعًا ما..فهناك الأدبيات الطبية، والأدبيات السياسية، والأدبيات الثورية..أما الأدب فهو نوع متخصص من الـ (literature) .
فيقولون مثلًا: (وهذه من أدبيات الثورة)..يعنون: من الكتابات التي كُتبت في الثورة..،و(ليس هذا من أدبيات الجماعة)..يعنون: ليس هذا من منهجها وأفكارها،و...،و...
وانظر إلى تحريفهم أسلوب الاختصاص العربي الفصيح وإحلال الأسلوب المترجم عن الإنجليزية محله، فيقولون مثلًا: (نحن كمسلمين نعتز بديننا)، وهو أسلوب مأخوذ من ترجمة قولهم: (We as Muslims)، وماذا عليهم لو قالوا: (نحنُ المسلمينَ)؟! هل نقُصت عربيتهم قِيْد شبر؟!...وهل ازدُرِيَتْ فصاحتهم شيئًا؟!...
وايم الله لو التمسوا في زخائر العربية ألف شكل من أشكال معنى واحد ما عجزوا عن إيجادها، ولا عَزُبَ عنهم لُقياها...فلماذا إذا هذا التسربل بسرابيل الترجمات؟!...ولماذا ذلك الالتحاف بلحاف الغريب الأجنبي الغربي؟!