قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) :
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ .
اللَّهُمَّ يَا مَنْ دَلَعَ لِسَانَ الصَّبَاحِ بِنُطْقِ تَبَلُّجِهِ ، وَسَرَّحَ قِطَعَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ بِغَيَاهِبِ تَلَجْلُجِهِ ، وَأَتْقَنَ صُنْعَ الْفَلَكِ الدَّوَّارِ فِي مَقَادِيرِ تَبَرُّجِهِ ، وَشَعْشَعَ ضِيَاءَ الشَّمْسِ بِنُورِ تَأَجُّجِهِ .
يَا مَنْ دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ ، وَتَنَزَّهَ عَنْ مُجَانَسَةِ مَخْلُوقَاتِهِ ، وَجَلَّ عَنْ مُلَائَمَةِ كَيْفِيَّاتِهِ ، يَا مَنْ قَرُبَ مِنْ خَطَرَاتِ الظُّنُونِ ، وَبَعُدَ عَنْ لَحَظَاتِ الْعُيُونِ ، وَعَلِمَ بِمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ، يَا مَنْ أَرْقَدَنِي فِي مِهَادِ أَمْنِهِ وَأَمَانِهِ ، وَأَيْقَظَنِي إِلَى مَا مَنَحَنِي بِهِ مِنْ مِنَنِهِ وَإِحْسَانِهِ ، وَكَفَّ أَكُفَّ السُّوءِ عَنِّي بِيَدِهِ وَسُلْطَانِهِ ، صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى الدَّلِيلِ إِلَيْكَ فِي اللَّيْلِ الْأَلْيَلِ ، وَالْمَاسِكِ مِنْ أَسْبَابِكَ بِحَبْلِ الشَّرَفِ الْأَطْوَلِ ، وَالنَّاصِعِ الْحَسَبِ فِي ذِرْوَةِ الْكَاهِلِ الْأَعْبَلِ ، وَالثَّابِتِ الْقَدَمِ عَلَى زَحَالِيفِهَا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ ، وَعَلَى آلِهِ الْأَخْيَارِ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَبْرَارِ ، وَافْتَحِ اللَّهُمَّ لَنَا مَصَارِيعَ الصَّبَاحِ بِمَفَاتِيحِ الرَّحْمَةِ وَالْفَلَاحِ ، وَأَلْبِسْنِي اللَّهُمَّ مِنْ أَفْضَلِ خِلَعِ الْهِدَايَةِ وَالصَّلَاحِ ، وَاغْرِسِ اللَّهُمَّ بِعَظَمَتِكَ فِي شِرْبِ جَنَانِي يَنَابِيعَ الْخُشُوعِ ، وَأَجْرِ اللَّهُمَّ لِهَيْبَتِكَ مِنْ آمَاقِي زَفَرَاتِ الدُّمُوعِ ، وَأَدِّبِ اللَّهُمَّ نَزَقَ الْخُرْقِ مِنِّي بِأَزِمَّةِ الْقُنُوعِ .
إِلَهِي ، إِنْ لَمْ تَبْتَدِئْنِي الرَّحْمَةُ مِنْكَ بِحُسْنِ التَّوْفِيقِ ، فَمَنِ السَّالِكُ بِي إِلَيْكَ فِي وَاضِحِ الطَّرِيقِ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْنِي أَنَاتُكَ لِقَائِدِ الْأَمَلِ وَالْمُنَى ، فَمَنِ الْمُقِيلُ عَثَرَاتِي مِنْ كَبَوَاتِ الْهَوَى ، وَإِنْ خَذَلَنِي نَصْرُكَ عِنْدَ مُحَارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ ، فَقَدْ وَكَلَنِي خِذْلَانُكَ إِلَى حَيْثُ النَّصَبِ وَالْحِرْمَانِ .
إِلَهِي ، أَتَرَانِي مَا أَتَيْتُكَ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الْآمَالِ ، أَمْ عَلِقْتُ بِأَطْرَافِ حِبَالِكَ ، إِلَّا حِينَ بَاعَدَتْنِي ذُنُوبِي عَنْ دَارِ الْوِصَالِ ، فَبِئْسَ الْمَطِيَّةُ الَّتِي امْتَطَتْ نَفْسِي مِنْ هَوَاهَا ، فَوَاهاً لَهَا لِمَا سَوَّلَتْ لَهَا ظُنُونُها وَمُنَاهَا ، وَتَبّاً لَهَا لِجُرْأَتِهَا عَلَى سَيِّدِهَا وَمَوْلَاهَا .
إِلَهِي ، قَرَعْتُ بَابَ رَحْمَتِكَ بِيَدِ رَجَائِي ، وَهَرَبْتُ إِلَيْكَ لَاجِئاً مِنْ فَرْطِ أَهْوَائِي ، وَعَلَّقْتُ بِأَطْرَافِ حِبَالِكَ أَنَامِلَ وَلَائِي ، فَاصْفَحِ اللَّهُمَّ عَمَّا كُنْتُ أَجْرَمْتُهُ مِنْ زَلَلِي وَخَطَائِي ، وَأَقِلْنِي مِنْ صَرْعَةِ رِدَائِي ، فَإِنَّكَ سَيِّدِي وَمَوْلَايَ وَمُعْتَمَدِي وَرَجَائِي ، وَأَنْتَ غَايَةُ مَطْلُوبِي وَمُنَايَ فِي مُنْقَلَبِي وَمَثْوَايَ .
إِلَهِي ، كَيْفَ تَطْرُدُ مِسْكِيناً الْتَجَأَ إِلَيْكَ مِنَ الذُّنُوبِ هَارِباً ، أَمْ كَيْفَ تُخَيِّبُ مُسْتَرْشِداً قَصَدَ إِلَى جَنَابِكَ سَاعِياً ، أَمْ كَيْفَ تَرُدُّ ظَمْآنَ وَرَدَ إِلَى حِيَاضِكَ شَارِباً ؟! كَلَّا ، وَحِيَاضُكَ مُتْرَعَةٌ فِي ضَنْكِ الْمُحُولِ ، وَبَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلطَّلَبِ وَالْوُغُولِ ، وَأَنْتَ غَايَةُ السَّئُولِ وَنِهَايَةُ الْمَأْمُولِ .
إِلَهِي ، هَذِهِ أَزِمَّةُ نَفْسِي عَقَلْتُهَا بِعِقَالِ مَشِيَّتِكَ ، وَهَذِهِ أَعْبَاءُ ذُنُوبِي دَرَأْتُهَا بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ ، وَهَذِهِ أَهْوَائِيَ الْمُضِلَّةُ وَكَلْتُهَا إِلَى جَنَابِ لُطْفِكَ وَرَأْفَتِكَ ، فَاجْعَلِ اللَّهُمَّ صَبَاحِي هَذَا نَازِلًا عَلَيَّ بِضِيَاءِ الْهُدَى ، وَبِالسَّلَامَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَمَسَائِي جُنَّةً مِنْ كَيْدِ الْعِدَى وَوِقَايَةً مِنْ مُرْدِيَاتِ الْهَوَى ، إِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى مَا تَشَاءُ ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ .
مَنْ ذَا يَعْرِفُ قَدْرَكَ فَلَا يَخَافُكَ ، وَمَنْ ذَا يَعْلَمُ مَا أَنْتَ فَلَا يَهَابُكَ ، أَلَّفْتَ بِقُدْرَتِكَ الْفِرَقَ ، وَفَلَقْتَ بِلُطْفِكَ الْفَلَقَ ، وَأَنَرْتَ بِكَرَمِكَ دَيَاجِيَ الْغَسَقِ ، وَأَنْهَرْتَ الْمِيَاهَ مِنَ الصُّمِّ الصَّيَاخِيدِ عَذْباً وَأُجَاجاً ، وَأَنْزَلْتَ مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً ، وَجَعَلْتَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لِلْبَرِيَّةِ سِراجاً وَهَّاجاً ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُمَارِسَ فِيمَا ابْتَدَأْتَ بِهِ لُغُوباً وَلَا عِلَاجاً . فَيَا مَنْ تَوَحَّدَ بِالْعِزِّ وَالْبَقَاءِ ، وَقَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الْأَتْقِيَاءِ ، وَاسْمَعْ نِدَائِي ، وَاسْتَجِبْ دُعَائِي ، وَحَقِّقْ بِفَضْلِكَ أَمَلِي وَرَجَائِي ، يَا خَيْرَ مَنِ دُعِيَ لِكَشْفِ الضُّرِّ وَالْمَأْمُولِ فِي كُلِ عُسْرٍ وَيُسْرٍ ، بِكَ أَنْزَلْتُ حَاجَتِي فَلَا تَرُدَّنِي مِنْ سَنِيِ مَوَاهِبِكَ خَائِباً ، يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ يَا كَرِيمُ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ﴾ .
ثُمَّ اسْجُدْ وَقُلْ :
﴿ إِلَهِي ، قَلْبِي مَحْجُوبٌ ، وَنَفْسِي مَعْيُوبٌ ، وَعَقْلِي مَغْلُوبٌ ، وَهَوَائِي غَالِبٌ ، وَطَاعَتِي قَلِيلٌ ، وَمَعْصِيَتِي كَثِيرٌ ، وَلِسَانِي مُقِرٌّ بِالذُّنُوبِ ، فَكَيْفَ حِيلَتِي يَا سَتَّارَ الْعُيُوبِ ، وَيَا عَلَّامَ الْغُيُوبِ ، وَيَا كَاشِفَ الْكُرُوبِ ، اغْفِرْ ذُنُوبِي كُلَّهَا بِحُرْمَةِ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، يَا غَفَّارُ ، يَا غَفَّارُ ، يَا غَفَّارُ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ﴾ .
*
المصدر : (البحار : ج91، ص242. عن اختيار السيد بن الباقي)