(أميديا)
ذَكَرَتْ أَنَّها تَشتاقُ لِلمَندِيِّ هُناكَ على الضِّفَّةِ اليُمنى مِن نَهرِ (دِجلَةَ) و لِ(الكنزابرا) وزَوجَتِهِ و لَيلَةِ عرسٍ تَقلِيدِيَّة
ذَكَرَتْ أَنَّها تَشتاقُ لِلمَنصورِ و الكَرخِ و شَهرزادَ و كهرمانَة الشَّقِيَّة
ذَكَرَتْ أنَّها تَشتاقُ لِلحَيِّ و الزُّقاقِ و البـيوتِ و الشَّناشيلِ البَغدادِيَّة
ذَكَرَتْ أنَّها اِنسانَةٌ عادِيَّةٌ لا تَزالُ تَحلُمُ بِالأُسرَةِ و شَيءٍ مِن الدِّفءِ و الحُبِّ و الهَوِيَّة
قالَتْ أشتاقُ يا (بَندي) لِطفولَتي ، لِلَيلَةِ ميلادِي و استِحمامي في النَّهرِ و كوبِ قَهوَةٍمِن يَدِ أُمِّي و فِنجانِ شاي
كانت الكَلِماتُ تَخرُجُ مِن شَفَتَيها و الدّموعُ تَسقُطُ قَطرَةً قَطرَةً مِن عَينَيها و أنا أُحاوِلُالاِمساكَ بِيَدَيها دُونَ جَدوى
قالَتْ : كَيفَ لَنا أنْ نَتَزَوَّجَ يا (بَندي)؟! أنتَ مُسلِمٌ و أنا مَندائِيَّة
قُلتُ: أنتِ في السّويدِ يا (أَميديا) و لَستِ في البِلادِ الشَّرقِيَّة
هُنا الحُرِّيَّةُ سَيِّدَتي لا فَوارِقََ بَينَ البَشَرِ فَكَيفَ و نَحنُ عِراقِيّانِ في المَهجَرِ لَيسَ لَنا اِلاّبَعضَنا لمَ يَرحَمنا زَمانُنا مِن قَبلُ و لمَ نَرحَم نَفسَينا
فَتَعالَي
سَأبني لَكِ مَنديّاً هُنا و نتَعَمَّدُ في نَهرِ المَدينة
سَأكونُ الشَّيخَ و الكاهِنَ و القِدِّيس و نُعلنُ الحُبَّ وَطَناً و دَستوراً أبدِيّا
هيّا (أميديا) وافِقِي
فَأنا قادِمٌ مِن شَتاتي اِلَيكِ
دَعيني أعودُ (نَبو خُذ نصر) مِن جَديد
دَعيني على شَفَتَيكِ أكتُبُ قِصَّةَ عِشقي الجَديد
أنتِ السَّكَنُ لِقَلبي و مَملَكَتي و حَياتي
دعيني فيكِ أُلَملِمُ ذاتي المُبَعثَرَة
أنا أضعَفُ الخَلقِ بينَ يَدَيكِ و الآنَ حانَتْ ساعَةُ الاِعتِراف
أعترِفُ أنِّي أحبَبتُكِ مِن أوَّلِ نَظرة
مَلايينُ خَلايا جَسَدي تُناديكِ للحُبِّ و مَعَكِ سَأُعيدُ عَرشي و تاجي
تَعالَي يا( أميديا) و خُذيني اِلى جَنَّةِ حَنانِك
أنا و أنتِ هُنا المَلِكُ و المَلِكَةُ و لا أُنثى في مَملَكَتي سِواكِ
لا يُفَرِّقُنا في اِنسانِيَّتِنا عُرفٌ أو قَوانينَ و لا يَحكُمُنا مَنطِقُ العُقَلاءِ و الحُكَماءِ فَالحُبُّفَوقَ مَنطِقِ الجَميعِ و لا مَنطِقَ لِلمَجانين
تَعالَي و نامي على كَتِفي ، يَكفي صِيامَنا لِسِنين
تَعالَي نَلتَقي كَما اِلتَقَيا كَأسانا
لِنَتَزَوَّجَ يا (أميديا)
قالَتْ: هَل أنتَ شاعِرٌ يا بَندي؟
قُلتُ : لِماذا تَسأَلين؟
قالَتْ: اِنَّكَ تَحلُمُ كَثيراً و الأحلامُ لَن تتَحَقَّقَ أبداً
قُلتُ: اِنَّ الأحلامَ بِحاجَةٍ اِلى أبطالَ يُحَقِّقونَها و المُستَسلِمونَ يَخسرونَ أَنفُسَهُم وأحلامَهُم معاً
قالَتْ : كيفَ تُفَكِّرُ يا (بَندي) ؟ فَبَعدَ قَليلٍ نَقومُ مِن مَكانِنا و كُلٌّ مِنّا يَذهَبُ في طَريقِهِوَحدَه و قَد لا نرى بعضنا بعدهُ أبدا
قُلتُ : و لماذا لا نَذهَبُ في طَريقٍ واحِد؟
قالَتْ : لأنَّهُ طَريقٌ مَسدودٌ يا (بَندي)
ثُمَّ ضَحِكَتْ و قالَتْ : مَنطِقُكَ غَريبٌ جِدّاً يا (بَندي) فَكيفَ يَكونُ ذلِك ؟ سَتُلاحِقُنا الهمومُأينَما ذَهَبنا، أ نَسيتَ أنَّكَ مُسلِمٌ و أنا مَندائيَّة؟
قُلتُ : و هذِهِ قَضيَّتي يا حَبيبَتي و لَن أخسرَها أبداً فَاِلى مَتى نَنتَقِلُ مِن وَطَنٍ الىوَطَنٍ و بَينَ أيدينا وَطَنٌ يَجمعُنا
قالَتْ : أرجوكَ يا (بَندي) لا تَشُدَّني اِلَيكَ بِكَلامِك
قُمنا مِن مَكانِنا و بَدأنا مُغادَرةَ المَقهى لَم أكُن مُرتَبِكاً و لا مُتَرَدِّداً بَل كُنتُ واثِقاً مِنَالنَّصرِ القَريبِ و لا أخفي اِحساسي بالزَّهوِ و أنا أسيرُ بِجانبِها بَل لَم أكُن أتَوَقَّعُ هذاالمَشهَدَ مِن قَبلُ و لا أحلُمُ بِهِ و بِرَغمِ كُلِّ هذا كُنتُ حَريصاً على النَّظَرِ اِلَيها و لِعَينَيها بَلو الاِحتِكاكِ بِها أحياناً في نَشوَةِ مُراهَقَةٍ مُتأخِّرَة
ما أروَعَ هذا المَساء
أسرابُ الحَمامِ تُحَلِّقُ في الفَضاء
و أنتِ أغلى النِّساء
كَم أنتِ جَميلَةٌ و أنيقَةٌ بَل كَم أنتِ مُبهِرَةٌ يا (أميديا) حتّى هذا القفّازُ الأسوَدُ كَم هوَجَميلٌ عَلَيكِ
باللهِ عَليكِ كيفَ رَسَمتِ الكُحلَ في عَينَيكِ الواسِعَتَينِ و كيفَ أجبَرتيني على المثُولِبِبابكِ و رِماحُ رِمشِكِ الماسيَّةُ مَرفوعَةٌ بِوَجهي و مُصَمِّمَةٌ على قَتلي ؟
و نَحنُ نَنزِلُ مِنَ السُّلَّمِ صِرتُ أُراقِبُ كَعبَها العالي و أُمَنِّي نَفسي أنْ تتَعَثَّرَ قَليلاًلأحتَضِنَها و أنا أُساعِدُها في النّهوضِ لكِنَّ الَّذي حَدَثَ أنَّني وَقَعتُ مِنَ السُّلَّمِ وتَسَبَّبتُ في سقوطِ سَيِّدَةٍ عَجوزٍ على الأرضِ في مَوقِفٍ سَخيفٍ لا أُحسَدُ عَلَيهِ ولأحتَفِظَ بالتَّفاصيلِ لِنَفسي لِتَتَحَوَّلَ ثِقَتي بِذاتي الى اِرتِباكٍ و يَتَحَوَّلَ زَهوي الىخَجَل
بِالرَّغمِ مِن بَقاءِها بِوَقارِها و جَبَروتِها الأُنثَوي لَم تَقدِر (أميديا) على اِخفاءِ ضَحكَتِهابَعدَما وقَعتُ على الأرضِ و ظَلَّتْ مُبتَسِمَةً اِبتِسامَةً لَئيمَةً تُعلِنُ بِها سَعادَتَها و فَرَحَتَهاأمّا أنا فَقَد كُنتُ على وَشَكِ الاِستِسلامِ لِهاتِفِ اليَأسِ و بَدَأتُ أشعُرُ أنَّهُ لا جَدوى مِنالاستِمرارِ و المُحاوَلَة
يا اِلهي هل ينتهي كُلُّ شيءٍ بهذهِ البَساطَة؟
خَطواتٌ قَليلَةٌ و نَفتَرِق
خَطَواتٌ و لا أدري ما يَكونُ بَعدَها
خَطَواتٌ تخلقُ و تَقتُل
خَطَواتٌ هِيَ الَّتي تُشَكِّلُ نَفسَها بِذاتِها و هِيَ الَّتي تُنهِي كُلَّ شَيءٍ في لَحَظات
أحلامٌ تَطيرُ بِي اِلى عنانِ السَّماءِ لِحَفلَةِ عِناقٍ معَ النّجومِ و لا أُصَدِّقُ أنَّنا مُفتَرِقان
هذِهِ هيَ (أميديا) العِراقيَّةُ بِخَوفِها و تَخَوُّفِها في اِنطِلاقِها و حَذَرِها في جُرئَتِها واِستِسلامِها ضَحيَّةٌ تُقَدِّسُ جَلاّدَها كَكُلِّ عِراقيَّةٍ اِرتَوَتْ مِنَ الرّافِدَينِ تَحَكُّماتِ السَّيِّدِ والشَّيخِ و العَشيرَةِ و شَرائِعُ أقبِيَةِ الزَّمَنِ الماضِي و انكِساراتِ النِّساءِ المَغلوباتِ علىأمرِهِنَّ العالِقاتِ بِأزمِنَةِ السُّبات
تَذَكَّرتُ (شَهرَزاد) اِبنَةَ (هاموشير)الوزير الَّتي ألهَتْ (شَهريارَ ) المَلِكَ الساسانيَّ العازِمَعلى قَتلِها مُنذُ اللَّيلَةِ الأُولى لِزَواجِهِما ، ألهَتهُ لألفَ لَيلَةٍ و لَيلَةٍ بِتَأليفِها و رِوايَتِهاالقصَص و الحِكاياتِ فَاستَنهَضتُ ما أملِكُ مِن قوَّةٍ و سَحَبتُ يَدَها و استَوقَفتُهافَاحمَرَّ وَجهُها و تَعَجَّبَتْ مِنِّي و مِن تَصَرُّفي العَنيفِ زاجِرَةً :
- أتركْ يَدي يا (بَندي)
- اِسمَعيني يا (أميديا) و اسمَعي أنينَ قَلبي الَّذي يَخشى الفِراق ، قَلبي الَّذي أنتِنَبضُهُ و الدَّمُ الَّذي يَجري فيهِ و أنتِ السَّكَنُ و الرُّوحُ و الوَطَن
أُنظُري الى سُفُني المُحَمَّلَةِ بِالحُبِّ و الشَّوقِ و الوَلَهِ لا ميناءَ لَها تَرسو بِها اِلاّ أنتِ ،أنتِ قَدَري يا (أميديا) و لَستِ صُدفَةً كَيْ نَلتَقيَ و نَرحَل
دَعينا نَسكُنُ أطرافَ القَمَرِ و انظُري الى الغيُومِ في السَّماءِ كيفَ لَها أنْ تمطرَ و أنتِراحِلَةٌ يا حَبيبَتي
أنا القادِمُ مِن غاباتِ جنُوني و ذِكرَياتي و أرصِفَةِ الزَّمَنِ القَديمِ و هُنا على صَدركِراحَتي و استِراحَتي
أتَيتُكِ بِكُلِّ أحرُفي و كَلِماتي و وَجَعي و آهاتي
لَملميني مِن شَتاتي و دَعي اِبتِسامَتَكِ تَشُعُّ في المَكان
أنتِ أجمَلُ ما في الكَونِ بَل أنتِ فَصلُ الرَّبيعِ الَّذي لا شِتاءَ قَبلَهُ و لا صَيفَ بَعدَهُ واليَوم يَومُ مِيلادي فَدَعيني أعزِفُ على وَتَرِ اللَّهفَةِ أُغنِيَةَ الحَياة
أَرجوكِ يا (أميديا) لا تَجعَلي الأعرافَ و التَّقاليدَ الطّائِفِيَّةَ و القَبَليَّةَ المُتَخَلِّفَةَ سَيفاًمُسَلَّطاً على رِقابِنا و مُستَقبَلِنا و هِيَ خُرافاتٌ و خُزَعبَلاتٌ مِنَ الماضي كَيفَ لَها أنْتَسُودَ عَلَينا ؟! و لِماذا أنتِ خائِفَةٌ مِنهُم و أنتِ الأجمَلُ و الأحلى و الأغلى بَينَ البَشَرِ؟كُوني شُجاعَةً و قَوِيَّةً و لا تَستَسلِمي لأَوهامِهِم و قَوانِينِهم و ثُورِي بِوَجهِهِم فَهذِهِحَياتُنا و لَيسَتْ حَياتُهُم.
ألا يَكفي طَوابيرُ القلُوبِ المَجرُوحَةِ و أَسرابُ الأرواحِ المُعَذَّبَةِ و العيُونُ الباكِيَةُ الَّتي لاتَنامُ و آلافُ المُنتَحرِينَ في مِياهِ دِجلَةَ و الفُرات و المُشَرَّدُونَ مِن بَلَدِي و الضّائِعُونَ دونَعِنوانٍ حَتّى تَنتَفِضِي و تَتَمَرَّدِي عَلَيهِم.
الى مَتى هذِهِ الأعرافُ تَحكُمُنا يا (أميديا)
أرجوكِِ يا (أميديا) لا تَستَسلِمي لَهُم
لِنَتَزَوَّجَ نَحنُ و لا نَلحَقَ بِرَكبِهِم
لِنَكُنْ نَحنُ الأبطالَ لا الضَّحايا
أنا أُحِبُّكِ يا (أميديا)
أُحِبُّكِ جِدّاً جِدّاً جِدّا
سَحَبَت (أميديا) يَدَها بِهدوءٍ مِن يَدي و انصَرَفَتْ دونَ أن تثنِيها كَلِماتي عَنِ المُغادَرَةِ بَلحَتّى دونَ أنْ تَقولَ مَعَ السَّلامَة .
BANDI SHAW