أكتبُ إليك رسالتي هذه وكلّي شوقٌ إلى رؤياك، وفي القلب غصّةٌ كبيرة لِبُعد المسافات التي تفصلُ بيني وبينَك، فالغربة يا صديقي احمد تجعلُ من القلب قطعة ملتهبة من الجمر، لا يُمكن إطفاؤها إلّا بالعودة إلى ربوع الوطن، لكنّني أهوّن على نفسي ثقلَ الأيام والليالي بالكتابة لك لأبثّ لك كلّ شجوني التي لا أستطيع التعبير عنها إلّا بدمعةٍ هاربة من عيوني، فالغربة جعلت منّي شخصًا آخر همّه فقط أن يمضي اليوم مسرعًا دون أن أفكّر في نفسي وأهلي وأصدقائي، كما جعلت منّي مجرّد آلةٍ تعمل دون أن يكون لديها أيّ عاطفة، لأنّ الأيام فيها تمرّ دون أي بهجة أو لهفة سوى لهفة انتظار موعد العودة إلى الوطن، ففي الغربة تعوّدت أعود إلى بيتي وحيدًا في كل يوم، ما من أمٍ تُحضّر لي الطعام، ولا أختٍ تفتح لي الباب بابتسامة.
صديقي العزيز: على الرّغم من أنّ الغربة تضع في جيوبي نقودًا أكثر وتمنحني فرصةً لأعيش في رفاهية كبيرة، إلّا أنّها تسرق منّي أجمل سنين عمري دون أن أشعر، فالوقت في الغربة يمضي بطيئًا مملًا، لكنّه في الوقت نفسه يمضي ويأخذ معه جزءًا من روحي، وهذا أكثر ما يُشعرني بالحزن، لكنّني لا أخفيك سرًا أنّ الغربة أيضًا علمتْني أشياء كثيرة، فقد أصبحت أعرف كيف أتصرّف وحدي في العديدِ من المواقف، وقرّبتني إلى نفسي، وجعلت مني شخصًا ناضجًا أكثر، ففي الغربة تتعلّم كيف تكشف حقيقة الناس والأشياء بسرعة، إذ تجدُ نفسك في مواجهة عالمٍ غريب لا تعلم عن طبيعته شيئًا، فإمّا أن تكون على قدر هذه المواجهة، وإمّا أن تغرق في متاهة، كما علّمتني الغربة أن أكون حذرًا أكثر، وأن أرى النّاس بمنظورٍ آخر. صديقي الغالي: منذ أن اخترت غربتي بنفسي أخذتُ عهدًا ألّا أنسى أيامي الجميلة التي أمضيتها مع من أحببتهم، وإنّني يا صديقي أستميحك عذرًا عن أيّ لحظة تقصيرٍ بدرت مني وأنا بعيدٌ عنك، وما يُواسيني حقًا هو أنّ الغربة لا بُدّ وأن تنتهي يومًا قريبًا، وسنعودُ لأيًامنا الجميلة وجلساتنا الرائعة، وسنحيي في قلوب بعضنا البعض الأملَ والتفاؤل، وسنُشعل قناديل قلوبِنا من جديد، وسيبقى الوطنُ ملاذنا الآمن والحضن الدافئ والعائلة الكبيرة التي تضمّنا مهما سافرنا وابتعدنا. صديقي العزيز: في نهاية رسالتي لك، أرجو أن تكون بألف خيرٍ وعافية، وأن تصلَك رسالتي وأنتَ تتمتّع بموفور الفرح، وتذكر دائمًا أنّني لا أنسى أصدقائي الأوفياء مثلك، كُنْ بخير
صديقك مخلص حسام
رد رسالة
همسات رسالة صديق بلد عربي الى صديقة في بلد الاجنبي