قال بخيت بخبث استمعا لي سوف أخبركما بما مررت بيه فحياتي مليئه بالعجائب والغرائب ، قال وهو يضحك بخبث كبير :
- كانت من عادتي وانا صبي صغير ان اكذب في كل سنه كذبة ، ولا اقلع عن عادتي هذة مهما كلفتنى من المتاعب حتى ضاق بي سيدي الذي اعمل عنده ، ولعن اليوم الذي اشتراني فيه ، وقرر بيعي باي ثمن فلقد سئم من تعذيبي وضربي بلا فائدة ، نادى على الدلال وقال له :
- بع هذا العبد على عيبة ، فقال الدلال : وما عيبة يا سيدي
- فقال الرجل متبرما ومبرئا ذمته :
- انه يكذب في كل سنه كذبة ، فاخذني الدلال الى السوق وجعل ينادي من يشترى هذا العبد على عيبة ، فاقرب الناس وسألوه وما هو عيبة ، فاخبرهم وعندما عرفوا ان من شيمتى الكذب عدلوا عن شرائي ، وبخسوا بي ابخس الثمن ، ثم وقف الدلال باح التجار فاستباه :
- ما عيب هذا العبد ؟
- انه يكذب في كل سنه كذبة واحدة ؟
- كذبة واحدة فقط .
- نعم
- وكم بلغ ثمنه ؟
- ان هذا الثمن البخس ليغري بشرائه على عيبة ، فا كذبة واحدة لتحتمل مهما جاء منها ، سادفع ستماة درهم وادفع لك فوقها عشرون ، ودفع التاجر واخذني الى بيته فاقمت على خدمته بصدق واخلاص نصف سنه ، حتى وثق بي هو واهله وانزلوني منزله اولادهم
فلما انتصفت السنه ووافى موعد كذبتي خرجت مع سيدي الى البستان في ضواحي المدية اقام فيه وليمه لاصحابة ، فبينما هم ياكلون ويشربون ويغنون وكان هو يحب الغناء فامرني بالذهاب للمنزل لاحضار عودة ، فمضيت للمدينه ولما قاربت المنزل ادفعت بالبكاء والعويل فاجتمع اهل الحي وسمعت زوجة سيدى وبناتها صوتي فهرعن الى والى الباب وسالن ماذا حدث ، فقل لهم ان سيدى كان جالس واصحابة في ظل جدار قديم فانهار عليهم فقتلهم جميعا وعبثا حاولت اخراج سيدى من بين الانقاض ، فلقد تراكت فوقه الاحجار وهشمت اعضائه تهشيما فلما رايت ذلك اسرعت لانقل لكم الخبر الشؤم .
وعندما سمعن ما قلت صرخن واعولن ، وشققن ثيابهن ولطمن خدودهن وهن لا يصغين الى تعية بل يتمادين في الصراخ وعويل ، حتى من حزن الزوجة انها اخذت تكسر وتحط كل ما قع تحت يديها من اواني ثمينه وهي تردد :
- ما اشد فراغ الحياة من بعدك يا شريك الحياة ، فقالت لي وانت يا بخيت حطم تلك الاشياء والتحف واكسر النوافذ واخرب الرفوف واكسر كل شيء ، لا اريد رؤية شيء منها امامي فلقد مات سيدك ولا قيمه لها اليوم ، امتثلت لمرها واخذت احطم كل شيء وتحف ونجف تحطيما واكسر الزجاج وانا اصرخ باكيا وارادد : وسيداه واسيداه
وبت الزوجة من فورها الى الجدران فتطليها بالاسود فساعدتها على العمل وانا اقول :
- يرحمك الله يا سيدي لقد كنت ابا حادبا شفيقا فماذا اصنع من بعدك وكيف تطيب لي الحياة من دونك سيدي ، فتسمعنى المراة وبناتها فتذداد صراخها ويتعالى صراخهن ويراهن الجيران رجالا وناء ، على تلك الحالة المفجعة فيرتون لها ويشاركهن الباء حتى تحول الحي باسرة الى ماتم كبير مؤثر بمشهد تلك النسوة الذي يمزق القلوب .
بعدها خرجت المراة لشارع هي وبناتها سافرات الوجه ممزقات الثياب ، وقلن لي :
- سر بنا يا بخيت الى المكان الذي دفن فيه سيدك لنخرجه من تحت الانقاض ونواريه التراب ، فسرت امامهن وانا اصرخ باعلى صوتي :
- واسيداه ..واسيداه .
فسرت وهن يتبعاني نادبات ومعولات ، ومن خلفهن اهل الحي كبارا وصغار فكن كلما خرجن من حي لاخر ، تساءل اهله عن النبا فاذا عرفوا صرخت امراة :
- احقا هذا هل تردى عليهم الجدار وماتوا جميعا ، وافجيعتي ان زوجي كان معهم في الوليمه ، او هتف رجل :
- يا اسفي عليك يا اخي لقد كنت معهم ، فينضم اهل الحي الجديد الى الموكب المعول الناحب …
ومر الموكب بقصر الوالي فسال عن النبا ، فاخبروه به فتعاطمة وناداني فتحقق وقال لي :
- اين وقعت الكارثة ؟
- فاجبته في بستان السيد ودموعي تنهمر بغزارة ، فامر عدد من عمال البناء بمرافقة الموكب لاخراج الجثث من تحت الانقاض ، فاسرعت انا وسبقتهن والفتيات الصغار يلطمن : يا ليتنا كنا مكانك يا ابي ، اسرعت اركض بسرعة وسبقت الموكب للبستان وانا ابكي بقهر مرددا يا ليتنى كنت مكانك يا سيدتي .
فلما رأني سيدي وسمع قولي ، ذعر وشحب لونه وصرخ بي :
- مالك يا بخيت ما الخبر ؟
- استمرت في العويل والنحيب وقلت لسيدى ، ذهبت للمنزل فوجدت السقفه قد هوى على سيدتي وبناتها فقتلهن جميعا ، فجن جنون سيدي واخذ يسالني وهو جاحظ العينين :
- – اما سلمت سيدتك الكبيرة
- كلا يا سيدى لقد قتلت وتهشمت تحت الانقاض
- اما سلمت سيدتك الصغيرة يا بخيت
- لا يا سيدى لقد تهشمت راسها اسفل التراب
- كلا يا سيدى ، صرخ الرجل بذعر وقال : ويحك الم يسلم احد من المنزل
- فقال لا يا سيدي
- اخذ الرجل يصرخ ويبكي : ثم وقع على الارض وانشلت يده اليمنى من الزعل والحزن وساقه ، اقبل التجار واخذوا يرثوا له وشاركوه في البكاء والتفجيع ، ثم خرجوا معه من البستان وساروا نحو المدينة من البستان ، وساروا نحو المدينة وقد امسكوا الرجل من كتفه لمساعدته على المشي بعد ان اصيب بالشلل ، وهنا اذا بجمع عظيم يقبل نحوهم ، وفي مقدمته والي المدينة وعمال البناء ون خلفهم زوجة التاجر وبناته وزوجات اصدقائه المدعوين الى الوليمة واطفالهم وهن يبكين بقهر وهيئاتهم مزريه ، فوقفوا مدههوشين وهرعت النسوة نحو التاجر يعانقنه هاتفات :
- حمد لله على سلامتك كيف نجوت من الموت ، هل نحن نحلم كيف عدت للحياة ومن كان يصدق باننا سنراك على قيد الحياة ، ومن كان يصدق اننا سنراك سليما معافي .
وهرع اقرباء التاجر واقرباء التجار الاخرين ، نحوهم يعانقون الرجل بنجاته بينما قال سيدي لزوجته وبناته :
والله انا لفي دهشة عظمى ، اتسالنني عن نجاتي واخبرنني انتم عن انفسكن كيف سلمت ارواحكن ، لعكن كنتما خارج الدار اذا هبط السقف ، فقل بتعجب :
- اي سقف
- فقال دهشا سقف الدار الذي سقط فوق رؤسكم
- فازداد عجبهن وقلن :
- انها لم تهبط عليهم ونحن لم نتعرض لشر ولكن عبدك بخيت اقبل علينا وهو يبكي وقال لنا ان الجدار قد سقط عليك ، وعلى اصحابك ، التجار ومتوا جميعا وخرجنا على تلك الحالة مكشوفات الرؤوس ممزقات الثياب، بعد ان حطمنا كل ما في المنزل من تحف وطرف واثاث ثمين وطلينا جدرانه بالاسود .
فقال بصوت يشبه الانين :
- ويح بخيت على ما اجرم لقد كذب عليكن فقد زعم بان سقف المنزل هبطت فوق رؤسكم ، وقد بلغ حزني واصبت بالشلل كما ترين .
ثم نظر لي سيدي فوجدني ، مازلت احثوا التراب على وجهي والطم خدى ، وابكي احر البكاء ، فصرخ بي / ويلك يا عبد النحس ما هذا الامر الذي اقدمت عليه ولمماذا فعلت بنا تلك الفاجعة والفعلة الشنعاء ، والله لاسلخن جلدك يا احمق واقبل على ليضربني ، وهنا تحول بكائي الى الضحك الشديد وقلت له :
- انك لا تستطيع فعل ذلك بي لانك اشتريتني على عيبي ، وانت عالم به ، وهو انني اكذب في كل سنه كذبه وهذه نصف كذبة واذا ما انتهت السنه كذبت نصفها الاخر ، فصاخ سيدى بغضب وعيونه تتقضان نارا وغضبا وغيظا :
- ويحك يا العن العبيد انك لداهية اذهب عني فانت حر لوجه الله
فقلت له بهدوء ورباطة جأش :
- ان اعتقتني انت فلن اعتقك حتى تكتمل السنه ولن اتركك ، واكمل باقي كذبتي ، تجمع الناس واستعظموا كذبتي فانكروا كما فعلت وامطروني بالشتائم والضرب ، وساروا مع الرجل منزله ، فوجدوه محطما مخربا فاشتد غيظ والغضب وقال الرجل :
- لعنة الله عليك ايها العبد الاثيم ، لقد فعلت بي كل هذا ، ثم تقول انها نصف كذبه فكيف بها لو كانت كذبة كاملة لابد ان تخرب المدينة باسرها .
قال الوالي بغضب : فقال دعه لي سوف اودبه واذيقه جزاء كذبه ، واخذني الوالي وعذبني كثيرا حتى اعتقد بانني اقلعت عن الكذب ، ولكن لم اقلع فباعني الوالي لاحد التجار، واخذت اكذب على التجار والامراء وانتقل من منزل لمنزل واكبدهم الخسائر الكبيرة