سقمٌ عراكَ و ما لهُ من آسِ
وطباعُكَ اسْتعْصتْ على الدُّرَّاسِ
لو حُمِّلتْ بلواكَ أطباقُ السما
لهوَتْ لإرضِكَ تشتكي و تُقاسي
لكنَّكَ استذْكرْتَ من بِكَ أُلْحِدوا
فحملتَ ما فيهم من الإحساسِ
وحملتَ رغمَ جراحكَ الملأى دماً
صبرَ الحسينِ و غيرةَ العبّاسِ
فإذا تعثَّرْتَ انتفَضْتَ و لم تَهِنْ
ما أهونَ البلوى على المُرَّاسِ
يا تربةً ضمَّتْ جهابذةَ الورى
قبلَ الجسومِ عزيمةً ، و تآسي
التربُ في أرجاكَ تِبْرٌ صارخٌ
و التبرُُ يسمو فوقَ كلِّ نحاسِ
يا موطناً حتّى النخاعِ عشِقْتُهُ
و مزجْتُ أدْمعَهُ بخمرةِ كاسي
مُلئتْ كؤوسُ سواكَ شهداً سائغاً
فنبذتُها عنّي ، و عن وسواسي
و طفقْتُ أجرعُ صابَ عِشْقِكَ ناشياً
تالله ـ إلا منهُ ـ ما أنا حاسي
الموتُ فيكَ حياةُ كلِّ مُجاهدٍ
رمضاؤكَ اصطكّتْ بها أضراسي
ملكُ المشارقِ و المغاربِ مُبْعَداً
عن رحبتيكَ و فرعِكَ الميّاسِ
أ يعيشُ يا ملكَ الهوى جَذِلاً على
تلكَ الربوعِ كعيشةِ الكنّاسِ
سَغَبي إليكَ يزيدُ إذْ ما زادَ في
جوفي ، و أُثْرى فيكَ في إفلاسي
ما زلْتُ أحطِبُ في همومِكَ مُبْحراً
حتى انحنى ظهري و أوْهِيَ فاسي
ما زلتُ أخطبُ عنكَ حتّى أصبَحَتْ
تربو على صحفِ الورى أكداسي
إنَّ الذي في القلبِ من وحيِ الشجى
مرآتُهُ ما كانَ في الكرَّاسِ
و إذا استزادَ الكرْبُ في روحٍ ترى
أنَّ امتطاءَ الشعرِ سهْلُ مِراسِ
غنّى و لعْلَعَ في امتداحِكَ مِذوَدي
حتّى استفاضَ العِطْرُ من أنفاسي
عبِقاً كأغنيةِ الصّباحِ يصوغُها
من جُلَّنارٍ ، من نسيمِ الآسِ
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++*
أوّاهُ يا أَلَقاً يسافِرُ في دمي
لا في فمي .. عذْبٌ هواكَ القاسي
هذا هواكَ قدحْتُ فيهِ حشاشتي
حُزْناً فأشْعَلَ بالسحائبِ راسي
انا أستشفُّ الحزنَ فيكَ فلا تَبُحْ
فالدرُّ لا يخفى على الغطّاسِ
و أراكَ إنْ عميتْْ عيونُ عشيرتي
زيتاً على سطْحِ الحقيقةِ راسي
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
طالعْتُ في عينيكَ تبكي بسمةٌ
هيَ وَحْشةٌ تاقتْ إلى الإيناسِ
هيَ قصّةُ الحَمَلِ الوديعِ إذا رعى
في روضةٍ تكتظُّ بالأشراسِ
دخلوكَ كي يستعبدوكَ فقلتَ : لا
و اسْتُجْلِبوا من سائرِ الأجناسِ
ظنّوكَ مثْلَ السالفينَ تُباعُ أو
تُشرى ، تنوشُكَ أذرُعُ النُّخَّاسِ
كلا وربِّ الذارياتِ و بارئ الـ
ـأنسامِ و المحْصي فِعالَ الناسِ
و من البسيطةُ مدّها مدّاً و من
أرسى على الأرضِ الوهادِ رواسي
أنتَ العراقُ و أنتَ أعرقُ من سمى
و كسَتْكَ أيدي اللهِ خيرَ لِباسِ
فإذا انتفضْتَ على الطغاةِ و زهْوِها
فَلَقَدْ جَنَحْتَ لِعرْقِكَ الدسّاسِ
فلقد رُزِقْتَ الحزمَ ـ قدماً ـ و الحجا
و العزْمَ من ليثِ الوغى الفرّاسِ
و البأسَ من صِنْوِ النبيِّ محمَّدٍ
وحبيبِهِ ، أكرِمْ بهِ من باسِ
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++*
سأراكَ يا وطنَ الأكابرِ في غدٍ
أملاً يبرْعِمُ في صحارى الياسِ
وأراكَ تهتفُ إنَّ ربّي عالمٌ
ما فيَّ من محنٍ و من أنكاسِ
لا تقفلوا مني الحدودَ وتحرسوا
أسوارَها فعيونُهُ حُرّاسي
فاللهُ أثْبَتَ في جناني مبدءاً
هوَ أنْ تكونَ مآتمي أعراسي
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++*
كم عاشقٍ قد ودَّ أن ينسى الذي
يهوى فبئسَ العاشقُ المتناسي
و أنا إذا عافتْ طيوفُكَ أعْيُني
أشعلْتُها بفؤاديَ الحسّاسِ
سأبثُّ ما تشكوهُ من وجْدٍ و لنْ
يسْطيعَ حجّاجُ الخنا إخراسي
إنَّ الذي كادَ المكائدَ و البلا
ولكبريائكَ يرتضي بمساسِ
و يرومُ بيعَكَ للزنيمِ من الورى
هو خاسئٌ .. هو خاسئٌ .. هو خاسي
ما عُدْتَ تدري من أتاكَ مُصافِحاً
أ أتاكَ يشمتُ أمْ أتاكَ يواسي
إنَّ المصيبةَ جُلَّها يا موطني
إنْ قورِنَ الأطهارُ بالأرجاسِ
++++++++++++++++++++++++++++++++++++*
أ أنامَ عِشْقُكَ يا عراقي صحوتي ؟
أمْ أوقظتْ منكَ الهمومُ نعاسي ؟
قد يكتبُ الشعراءُ فيكَ قصائداً
لِيُقالَ شاعِرنا الهمامُ (( سياسيّْ ))
كتبوا عليكَ بحبْرِهم لا دمعِهم
كيما يعودوا مالئي الأكياسِ
كم نمّقوا كلماتِهم لكنَّها
كانت طباقاً خاوياً بِجناسِ
من قال فيكَ الشعْرَ إيماناً فذا
تاجي ، زهى بالدرِّ و الألماسِ
و من استقى من ذا المديحِ دراهماً
فمقامُهُ ـ والعذرَ ـ تحتَ مداسي
ما اخترْتُ مدْحَكَ كي يُطالعَني الورى
شعراً ، لردِّ الحقِّ في إبخاسي
كلا و لا كنتُ المسطِّرَ أحرفاً
لأعدَّ أخماساً على أسداسِ
ما الشعرُ إنْ لمْ يجترحْ طرقَ السّما
قبلَ الندامى الكثُرِ و الجُّلاسِ
أنا شاعرٌ لو ماتَ أبْقى صوتُهُ
رنّاً بسمعِ الدّهْرِ كالأجراسِ
انا شاعرٌ لو أُرْمِسَتْ أعضاؤهُ
تُرْباً ، فما في الشعْرِ من إرماسِ
ما ماتَ من أهدى الورى نَفَحاتِهِ
روحاً ترفرفُ في ربى الأقداسِ
لغةُ المساميرِ انتضيتُ ثيابَها
و رفعْتُ عن شعري رِيا الأقواسِ
و لبِسْتُ ثوبَ الصّدْقِ من عهدِ الصِّبا
عُمْراً ، فكانَ على تمامِ مقاسي
أهَبُ الحروفَ كما تشاءُ سليقتي
من عفّةٍ ، و رصانةٍ ، و حماسِ
فإذا أفَلْتُ مع النجومِ تضئُ لي
تحتَ الثرى قَبَساً من الأقْباسِ
خلَدتْ ملوكٌ حينَ قيلَ بحقِّها
شِعْرُ فأُوْصِلَ ذِكْرُها للناسِ
لكنَّني لكَ يا عراقي شاكرٌ
ها أنتَ قدْ خلّدْتَ شِعْرَ فراسِ
فراس القافي