لكم حسينكم ... ولي حسينِ !
للشاعر الدكتور مهدي حارث الغانمي
مُتَجَنِّباً شمَسَ الجنوبِ المُجْتَبَى
أنْفَقْتُ أيَّامِي أؤَمِّلُ خُلَّبا
قَيْظٌ لَهاتِي و المَدارُ يَدورُ بِي
رَجْلانَ أفْتَرِعُ المَفَاوِزَ أتْرَبا
أتَنَكَّبُ الظَلْمَاءَ حَاطِبَ وَحْشَةٍ
فَيَرُدُّنِي شَوْكَ الكَلامِ مُخَضَّبا
يا أوَّلَ الغُيَّابِ في قَلْبِي فَمَا
بَالَيْتُ بَعْدَكَ أيَّ فَجْرٍ غُيِّبا
ولأنْتَ أشْجَارُ السوَادِ وَكَفُّها
تَمحو مِن المَعْنى خَرِيفاً أصْهَبا
كنْتَ النَشِيدَ البِكْرَ ، أوَّلَ جُمْلةٍ
وَشَمَتْ مَجَامِرَها عَلى عُوْدِ الصِبَا
وحَفِيْفَ دَمْعِ الأُمَّهَاتِ يَقُدْنَنَا
وَ يَسِلْنَ في صَمْتِ الأَزِقَّةِ مَوْكِبا
و الطفْلُ مَأخُوذٌ ، ومَجْثَمُ كَفِّهِ
يُبْقِي عَلى لَيْلِ العَبَاءَةِ كَوْكَبا
لا حِلْفَ إلاَّ القُبَّرَاتُ نُحِبُّها
أنْ نَقَّرَتْ كَبِدَ الغَمَامِ لِتَشْرَبا
مَا تَنْفَعُ القَطَرَاتُ ، ثَمَّةَ سَاحِلٌ
ظَمَأٌ وجُرْحٌ مَا يَنِي مُتَلَهِّبا
كَانَتْ عَصَا الجِرِّيْدِ تَبْرُقُ في يَدِي
وتَوَدُّ لَو تَحْتَالُ سَيْفاً أشْهَبا
لِتَصُدَّ عَنْكَ القَوْمَ .. كَمْ آمَنْتُ بِالجِرّيْدِ
سَاعَتَها ، وخَانَكَ إذْ نَبَا !!
أ تُرَايَ إذْ أبْدَلْتُ ذَاكِرَةَ العَصَا
بِالسَيْفِ جَفَّ بَرِيْقُهُ وتَخَشَّبا ؟!
مَا خُنْتُ إلاَّ ذِكْرَياتي : كَمْ دَمٍ
أبْصَرْتُ مَشْرِقَهُ ، ورُحْتُ مُغَرِّبا
وهَوَيْتُ : زَلَّ فَمِي ، وأعْجَبَنِي الصَدَى
ورَضِيْتُ مِلءَ خَدِيْعَتِي أنْ أُصْلَبا
دَاسَتْ سَنَابِكُهُمْ مَحَاجِرَ وَرْدَتِي
ومَشَتْ عَلى صَوْتِي ، وكُنْتُ المُذْنِبا
صَاحَبْتُ أمْوَاتاً ، وقَلَّمَ أظْفُرِي
خُبْزُ النِفَاقِ ، وزَعْمُ آلِهَةِ الهَبَا
ومَدَدْتَ أنْتَ يَداً إليّ تَصِيْحُ بِي :
قُمْ أيُّها الهَاوِي فَصَوْتُكَ قَدْ كَبَا !
ووَقَفْتُ في آذَارَ رَأسِي رَايَتِي
ودَمِي يُضِيءُ مَآذِنِي مُسْتَعْتِبَا
لِي مِنْكَ أنّ يَدَيَّ أنْقَى رَاحَةً
وأعَفَّ كَاتِبَةً وأنْدَى مَشْرَبا
لِي مِنْكَ أنْ لا أدَّعِي مَا لا أعِي
رَهَباً ، وأزْدَلِفَ الخَوَاءَ تَرَهُّبا
لِي مِنْكَ أنِّي لا أُغَرِّرُ بِالوَرَى
بِالتُرَّهَاتِ ، ولا أُغَازِلُ مَنْصِبَا
لِي مِنْكَ أنِّي إذْ أرَى حُرِّيَتِي
أمْشِي .. عَلى حَدِّ الأَسِنَّةِ والظُبَا:
(( أوْقِرْ رِكَابِي )) بِدَمِ السَكِينَةْ
واسْتَفْهِمِ الأَسِنَّةَ الخَؤُوْنَةْ
أَ أَطْفَأوا النَهَارَ أمْ عُيُوْنَهْ
أمْ عَلَّمُوا القِرْبَةَ أنْ تَخُوْنَهْ
ظَمْآنُ يَذْوِي وَ الفُرَاتُ دُوْنَهْ
إنْ بَعْثَرَتْ رَيْحُ الرَدَى يَقِيْنَهْ
تَلُمُّهُ المَصَاحِفُ الحَزِيْنَةْ
يَا أَيُّها الوَطَنُ اليَقِيْنُ أَ كُلَّمَا
شَحَذُوا خَنَاجِرَهُمْ وَقَفْتَ مُرَحِّبَا
مَا أكْثَرَ الأعْدَاءَ .. تَصْطَفُّ المِيَاهُ
أَسِنَّةً ، والرَمِلُ يَبْرِي مَخَلَبا
والرِيْحُ تَرْتَجِلُ النُوَاحَ وأنَجُمٌ
حُمْرٌ تُعَلِّقُهَا الرِمَاحُ عَلى الرُبَى
مَنْ قَالَ ، يَا مَولاي ، أنّ قُلَوْبَهُمْ
لَكَ والسيُوْفَ عَلَيْكَ لَمْ يَدْرِ الوَبَا !
نَطَقَتْ سِيُوْفُهُمُ بِقَيْحِ قُلُوْبِهِمْ
لِتُقِيْمَ أُفْقَاً بِالرُؤوْسِ مُكَوْكَبا
قَطَعُوا عَلَيكَ الدَرْبَ ، مَا مِنْ مَسْرَبٍ،
إلاَّ وكَشَّرَ ، كَالطُغَاةِ ، مُقَطِّبا
أ تُرَاكَ لَو خُيِّرْتَ عُدْتَ ؟ ! فَمَنْ ، سِوَى
دَمِكَ، المُؤَهَّلُ أنْ يُضِيءَ الغَيْهَبا
أبَداً نَهَاراتُ العِراقِ خَصِيْبَةٌ
لَكِنَّ عَاشُوراءَ كَانَ الأخْصَبا
مُذْ نُبِّىءَ النَهْرَانِ أنَّكَ هَا هُنَا
سَتُقِيْمُ بَيْتَكَ قَدَّسَاكَ وَقَرَّبا
و الْتَمَّ نَخْلُ اللهِ مِنْ شُرُفَاتِهِ
لِيَكُونَ جَارَكَ واخْضِرَارَكَ والخِبَا
مُذْ كَانَ للعِراقِ أنْ تَكُونَهْ
وأنْ تُمَاهِي مَاءَهُ وطِيْنَهْ
وكُلُّ قَلْبٍ واجِدٌ حُسَيْنَهْ
بِالدَمِ يَبْنِي بِالطُفُوْفِ دِيْنَهْ
يَرَى الَمكَانَ أنْ يَرَى مَكِيْنَهْ
فَكَرْبَلاءُ لَمْ تَعُدْ مَدِيْنَةْ
لَكِنَّها الطُوْفَانُ و السَفِيْنَةْ
مَولاي قَايَضْتَ السُؤَالَ مُكَابِراً
بِالمُوْتِ فَاخْتَرْتَ الجَوَابَ الأصْعَبَا
واللهِ لَو عُرِضَتْ عَلَيكَ مَذَاهِبُ
الدُنْيا .. فَمَالَكَ مَذْهَبٌ إلاَّ الإبَا !